حكاية حقنة هتلر القاتلة.. والحبة الزرقاء والخضراء و”النص نص” المدمرة

مع كل حادث يقع داخل أي صيدلية في مصر، نتيجة تعاطي حقنة هتلر أو أي حقنة أخرى، تم تعاطيها بطريقة خاطئة أو حتى صحيحة، لكنها لم يكن يجب أن تعطى لهذا المرض بالذات، فتتسبب في موته أو في تدهور حالته، مما يثير الرأي العام المصري، والجهات الرسمية، ويبدأ التعامل مع أطراف القضية طبقا للقانون، مع إعادة التأكيد كل مرة أن الصيدلية لها وظيفة محددة، وليس من شأنها أن تقوم بإعطاء الأدوية إلا بوصفة طبية فقط.

حقنة هتلر وأشباهها تدمر الصحة

Syringe in a hand close up shot; Shutterstock ID 73766767; PO: aol; Job: production; Client: drone

وما إن تهدأ الحكاية، إلا وتعود لتبدأ من جديد، وتمتلئ الصيدليات بالمرضى بأعداد تفوق مثيلاتها في عيادات الأطباء، لا لأنهم لا يسمعون كلام وزارة الصحة، ولا لأنهم لا يعلمون خطورة تناول أدوية دون وصفة الطبيب، ولكن الظاهرة كانت وستظل اقتصادية بحتة، لأن الذهاب إلى الصيدلية بدلا من عيادة الطبيب يوفر أجرة الطبيب، ومعظم تكلفة الأدوية التي سوف ينصح بتناولها.

قطاع كبير من المواطنين وخاصة في الريف، يطلبون حقنة هتلر أو أي حقنة أخرى لعلاج البرد أو أي عرض مرضي آخر، وغالبا ما تكون حقن مسكنات أو مضادات حيوية، فهم يعلمون جيدا، أنواع أو أشكال أو ألوان أدوية لعلاج الصداع تنحصر دائما في قرص أو قرصين بالكثير من أحد أنواع المسكنات، وعلاج الإسهال أو الإمساك بنوع آخر من الأقراص، وهكذا لكل شكوى، لدى الصيدلي أو مساعده، نوع أو أكثر يعلم جيدا أن الطبيب يوصى به في نفس الحالات، بل إن المريض هو الذي يطلب نوع الدواء الذي يريده.

المسكنات والمضادات الحيوية يلجأ إليها المواطن لسبب اقتصادي

حقنة هتلر المتهمة بقتل مواطن من بور سعيد، والمؤلفة من ثلاث حقن، مضاد حيوي وكورتيزون، ومسكن، كما وصفها الأطباء في هيئة المصل واللقاح، وأوضحوا أن مشكلتها تكمن في أن الكورتيزون والمسكن، يشكلان خطرًا ضخمًا على مرضى الحساسية، كما أن حقن علاج البرد ينبغي ألا تحتوي على مضادات حيوية، لأن البرد عدوى فيروسية، وليست بكتيرية، ولابد من منح الجهاز المناعي فرصة لمقاومة الفيروس.

حقنة هتلر، أو ما يسمى أيضا حقنة “السخونية”، أو الحقنة التي تعالج البرد، ليس شرطا أن تتكون من ثلاث حقن، وكل مريض وقناعته، ممكن تتكون من نوعين فقط بدلا من ثلاثة، وممكن نوع واحد، إذا كان المريض لا يريد التكلفة تزيد عن عشرة جنيهات فقط على سبيل المثال، وفي الغالب المريض هو الذي يحدد الطلب، وليس الصيدلي، لأنه يصدق صديقه أو جاره أكثر من الطبيب في التعامل مع الوصفات.

ما عليك إلا أن تقف في الصيدلية ساعة واحدة لتعرف أن هناك الكثير من الأدوية التي لها أوصاف وألوان ليس لها علاقة بالدواء والطب، مثل الحبة الزرقاء التي نعلم وظيفتها جميعا، ومنها أسماء وأشكال كثيرة للغاية حسب سعرها والشركات المنتجة، لكن كلها تقع تحت اسم الحبة الزرقاء، وتباع حسب سعرها وليس لتركيزها أو ملاءمتها للحالة من عدمه، وهناك كبسولة المضاد الحيوي، بدون أسماء أو جرعات، يكفي أن يصف لون العلبة أو الشريط، لأنه سمع من صديق أنها كانت شافية له.

الحبة الزرقاء مهما كان تركيزها تستخدم لغرض واحد

يشارك استخدام المضاد الحيوي بكثرة في تدمير أجهزة الجسم أيضا، كل أنواع المسكنات التي يستخدمها الناس مثلما يتنفسون، وفي مقدمتهم الحبة “نص ابيض، ونص اصفر” بدون أن أذكر اسمها التجاري، إلا أنها تستخدم على نطاق واسع، مثل العيش والفول، لأن الجميع يعتقد أن الصداع لا يحتاج إلا لهذا القرص السحري ليختفي حتى وإن تعاطاه في اليوم الواحد ما يدمر أي كبد أو كلى.

شراء الأدوية من الصيدليات، بصورة المفتوحة الآن، وبدون اشتراط وجود وصفة طبية، ليس مجرد مخالفة لأصول الطب أو حتى القانون، ولكنها عادة مجتمعية، أحيانا تكون ضرورية جداً بسبب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، كيف تقنع مريض أن عليه بدلا من شراء قرص بجنيه أو شريط بعشرة جنيهات على أقصى تقدير، أن ينفق 200 جنيه في المتوسط لكي يذهب للطبيب؟ 

مش هتاخد غلوة.. أول تعليق من الصحة على حقنة هتلر وأضرارها على المرضى

لا أقول أن الجميع يفعل ذلك، ولكن هناك أعداد كثيرة ما زالت مستعدة لشراء حنقه هتلر واي حقنة أخرى لمجرد أنها شكة واحدة غير مكلفة سوف تخلصه من أوجاعه، الأمل في انحسار الظاهرة وتراجعها كثيرا، عندما يتم تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل على كافة المواطنين، وتكون رؤية الطبيب مجانا أو في إطار المشروع بتكلفة تناسب كل المواطنين، وتقل التكلفة الإجمالية للكشف والعلاج معا، مما يسهل اللجوء إلى الطبيب المخصص لكل مواطن، بدلا من الذهاب الصيدلية.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد