طفل الصعيد الذي مات من 70 ألف سنة!

في الصورة رفات طفل “تل الترامسة” الذي مات ودفن قبل سبعين ألف عام في منطقة تل الترامسة بمحافظة قنا بالصعيد، ليس بعيدا عن معبد (دندرة) الذي بناه المصريون القدماء بعد العصر الذي عاش فيه طفل الترامسة بأكثر من خمس وستين ألف عام.

يعود الرفات للعصر الحجري القديم الأوسط ويعد قبره اقدم مدفن يُعثر عليه في مصر وواحد من أقدم قبرين للإنسان الحديث (الآدمي)، المسمي علميا (هوموسابينز) في قارة أفريقيا التي تعد مهد البشرية بشكل عام.

عثرت بَعثة جامعة لوفان الكاثوليكية البلجيكية علي القبر والرفات جنوب شرق معبد دندرة المشهور، وبعد عقود من الدراسات والتأريخ الدقيق للهيكل وكذا دراسة المصنوعات الحجرية العتيقة التي عثر عليها داخل القبر تم تاريخه مؤخرا إلى حوالي سبعين ألف عام.

دفن الطفل في قبر بعمق متر واحد، وتم دفنه بحيث وضع علي ظهره وأسندت رأسه علي وسادة من الرمل فرشت بالحصي، وكانت احدي يديه ممدودة خلف ظهره والأخرى وضعت بعناية خلف منطقة الحوض، واتجهت رأسه باتجاه الشرق حيث تشرق الشمس، وكأنه من سبعين ألف عام كان أسلاف المصريين الأقدمين يفكرون في بعث هذا الطفل من جديد تماما كما تولد الشمس من الشرق، وهي ذات الأفكار التي ترسخت وكونت أساس الفكر المصري والعقيدة المصرية في العصور التاريخية بعد عصر هذا الطفل بعشرات الآلاف من السنين!

قدرت بعثة جامعة لوفان عمر الطفل بين ثمان وعشر سنوات ولا يعرف يقينا كيف مات، لكن علي مقربة من قبره عثرت البعثة علي حفرة كبيرة مملؤة بأحجار الصوان والتي كان يتم تدريب الأطفال علي صناعتها، ثم ترمي في نهاية كل يوم تدريب في تلك الحفرة وتتكرر عملية التدريب المهني هذه ونقل الخبرات في صنع الأدوات الحجرية كل يوم في ذلك العصر البعيد قبل سبعين الف عام.

يقول علماء جامعة لوفان: تفيد هذه الأدلة أن أطفال تل الترامسة بالصعيد الذين عاشوا قبل سبعين ألف عام كان يتم تعليمهم الحرف الخاصة بصناعة أدوات الصوان موسميا فيما يمكن تسميته: أقدم نوع معروف من التعليم وأقدم أشكال مدارس التعليم المهني لنقل الخبرات للأجيال الجديدة آنذاك، والتي إنتمي لها هذا الطفل في العصر الحجري القديم، فربما مات هذا الطفل في حادث أثناء قيامه بالعمل في قطع وصناعة أدوات الصوان ودفن علي مقربة من مكان موته.

طفل تل الترامسة هو أقدم بشر عثر عليه حتى الآن في مصر وكما يقول علماء البعثة في دراساتهم الموسعة عن تلك الفترة، كان ذلك هو الزمن الذي هاجرت فيه من مصر مجموعات بشرية في احدي موجات الهجرة من قارة أفريقيا عبر النيل إلى سيناء ثم إلى فلسطين ومنها الى كل من قارتي آسيا وأوروبا فيما عرف بانتشار الإنسان الحديث في العالم.

المصادر:

١- بيير فيرميرش: مدفن طفل الترامسة.

٢- العصر الحجري الأوسط والأعلى في وادي النيل المصري، بيير فيرميرش.

٣- محاجر الصوان، التقنية الحجرية ومدفن للبشر الحديث من العصر الحجري القديم في الترامسة، بيير فيرميرش.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد