الدولار في الصين…هل تعلم أن الصين حاليا تمتلك أكبر احتياطي من الدولار في العالم؟

في نهاية مارس 2022 كانت احتياطيات النقد الأجنبي الخاصة بالصين قيمتها تتجاوز ثلاثة تريليون دولار، وكانت بشكل أساسي عبارة عن دولار أمريكي وأيضا يورو أوروبي، وقد وصلت قيمة هذه الاحتياطيات في نهاية فبراير 2023 إلى ثلاثة تريليون ومئة وثلاثة وثلاثين مليار دولار، وهذا بالتأكيد رقم رهيب جدا.

كيف أصبحت الصين اليوم تمتلك أكبر احتياطي من العملات الأجنبية؟

على مدار الثلاثين سنة الأخيرة استمرت الصين في تجميع المال بطريقة غريبة كالتالي:

  • بالطبع لا يوجد بلد في العالم كله تملك هذا القدر من احتياطيات النقد الأجنبية، وهذه الاحتياطيات وصلت إلى هذا القدر منذ زمن قريب، لأن الصين في وقت من الأوقات كانت احتياطياتها من النقد الأجنبي لا تتجاوز مليار دولار واحد.
  • ولكن على مدار الثلاثين سنة الأخيرة استمرت الصين في تجميع المال حتى وصلت احتياطياتها النقدية في مرحلة ما حوالي أربعة تريليون دولار.
  • لكن منذ بداية هذا العام بدأت الصين سلسلة من الإصلاحات المالية الكبيرة لكي تنمي احتياطياتها، ولكن هذه الإصلاحات لم تكن كافية، لأن الصين كانت تتبع سياسة سعر الصرف الثابت.
  • وكان يوجد سعرين صرف أحدهما في السوق الرسمي والآخر في السوق الموازي أي السوق السوداء، وهذا تسبب في مشاكل كبيرة في البلد مثل أنه كان يعقد الإستثمارات الأجنبية المباشرة، لذلك كانت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي تزيد ببطء شديد جدا حتى وصلت بالكاد لاثنين وعشرين مليار دولار في سنة 1993.
  • وفي عام 1994 قررت الصين أن تحل هذه المشكلة، ومنذ بداية يناير 1994 قررت الحكومة الصينية أن تغير نظام سعر الصرف، وتعتمد على نظام التعويم المضاف الذي فكرته تقوم على أن العملة تتحرك فوق وتحت على حسب العرض والطلب.
  • لكن البنك المركزي يمكنه التدخل في أي وقت لكي يساعدها أو يجعلها تتحرك في نطاق معين، ومن هنا بدأت الصين تحصل على أموال كثيرة من مصادر متعددة، وبالتالي ساعدتها هذه السيولة في بناء احتياطيات ممتازة من النقد الأجنبي.
  • وعلى الرغم من أن وتيرة نمو الاحتياطيات الصينية من النقد الأجنبي كانت سريعة في البداية، إلا أن الصينيين عندما رأوا ما حدث للآسيويين في أزمتهم عام 1997، بدأوا يبنوا أكبر قدر ممكن من الاحتياطات الأجنبية في أسرع وقت ممكن.
  • وفي عام 1997 كانت الصين تمتلك احتياطيات من النقد الأجنبي تعادل 140 مليار دولار تقريبا، وفي خلال خمس سنوات وتحديدا سنة 2002 وصلت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي لأكثر من 286 مليار دولار، ومن هنا أصبحت الصين تملك ثاني أكبر إحتياطي في العالم بعد اليابان.
  • ولكن الصينيين لم يقفوا عند هذا الحد، ففي نهاية عام 2006 تجاوزت الاحتياطيات التي لديهم التريليون دولار لأول مرة في التاريخ، ووصلت قيمتها لتريليون وستة وستين مليار دولار،
  • وفي العام التالي زادت احتياطيات الصين بقيمة 461 مليار دولار مرة واحدة، ووصلت لتريليون وخمسمائة وثمانية وعشرين مليار دولار، وفي خلال سنتين وتحديدا في 2009 تجاوزت احتياطيات الصين من اثنين تريليون دولار لأول مرة إلى اثنين تريليون وثلاثمائة وتسعة وتسعين مليار دولار.
  • وفي عام 2011 تجاوزت الاحتياطيات الثلاثة  تريليون دولار لاول مرة، وفي عام 2014 كادت احتياطيات الصين أن تصل إلى الأربعة تريليون دولار.
  • وهذا كان قبل أن تستقر حاليا بالقرب من ثلاثة تريليون دولار، ورحلة النمو المسهلة للاحتياطيات الصينية من النقد الأجنبي جعلتنا نتساءل من اين جاءت الصين بكل هذه الأموال من احتياطيات النقد الأجنبي.
  • هل تعلم أنه في عام واحد وهو عام 2013 زادت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 509 مليار دولار، وهذا الرقم يعادل اقتصاديات مجموعة دول.

العولمة الإقتصادية

أصبح هناك انفتاح على التجارة الدولية والعالمية كالتالي:

  • خلال آخر عشرين عام، وخصوصا منذ بداية القرن الحالي، أصبح هناك اتجاه دولي كبير ناحية التجارة الدولية والعالمية أو ما يسمى العولمة الاقتصادية، باختصار شديد هبطت الحماية التجارية، وأصبح يوجد انفتاح أكبر على التجارة الدولية.
  • وتراجعت فكرة المنتج الوطني لصالح المنتج الأجنبي الأقل تكلفة، وهذا يعني أن المواطن في أمريكا مثلا إذا أراد أن يشتري حقيبة، ورأى أمامه حقيبتين نفس الجودة تقريبا، ولكن أحدهما صنع في امريكا قيمته 100 دولار، والآخر صنع في بنجلاديش بسعر 50 دولار فقط، فإنه غالبا سوف يختار الحقيبة الأرخص، ولن يهتم بشعار صنع في أمريكا طالما سوف يكلفه أكثر.
  • هذه كانت نفس الفكرة فيما يخص الشركات في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الشركات تبحث من كل مكان في العالم عن الدول التي توفر أكبر قدر من المميزات مقابل أقل قدر ممكن من التكلفة.
  • وفي هذا السياق ظهرت الصين، وقد قدمت نفسها للعالم باعتبارها المكان المثالي للتصنيع، وقد حدث ذلك من خلال إستثمار الحكومة الصينية لمئات المليارات من الدولارات لكي توفر بنية تحتية قوية، وموارد بشرية متعلمة ومدربة، وأيضا بيئة قانونية صديقة للمستثمر وسياسات موجهة لتلك التحركات، وبالتالي ساهمت تلك الشركات العالمية في تسويق كل منتجات الصين بكميات هائلة، وخاصة الشركات التي تعمل في الصناعات التحويلية من كل مكان في العالم، وكانت الصين تنتج كميات هائلة ولديها القدرة على تغطية كل الطلب على منتجاتها.

  • وأصبحت الصين اليوم مصنع العالم، لأنها بمفردها  تسيطر على ما يقرب من ثلث الإنتاج الصناعي في العالم كله، وهذا الإنتاج الضخم الجزء الأكبر منه موجه للتصدير، وصادرات الصين الضخمة بتفوق بشكل كبير وارداتها، وعندما تكون  الصادرات أكبر من الواردات يكون هناك فائض تجاري.
  • وفي عام 2022 حققت الصين فائض تجاري مقداره 877.6 مليار دولار، وهذا الفائض التجاري الضخم إلى جانب الإستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين والتي قدرت العام الماضي 2022 أيضا بمقدار 189 مليار دولار كانوا المصدر الرئيسي الاحتياطيات الصينية الضخمة من النقد الأجنبي، والتي جمعتها البلد على مدار السنوات الأخيرة والتي تتجاوز اليوم الثلاثة تريليون دولار.

ماذا تفعل الصين بكل هذا الاحتياطي؟ وما مقدار الاحتياطي اللازم الوصول إليه بالنسبة لأي بلد؟

للإجابة على تلك الأسئلة يجب معرفة الآتي:

  • هل تعلم على أي أساس يتم معرفة أن الاحتياطي ضخم أو قليل أو معقول؟ لمعرفة ذلك سوف أشرح لك جزء من التاريخ الاقتصادي، ففي التسعينات كان المعيار المشهور للحكم على تلك الجزئية تقوم فكرته على أن أي بلد لابد أن تكون احتياطياتها أكبر من قيمة وارداتها لمدة ست شهور.
  • ولكن عند حدوث أزمة 1997 ظهر معيار مختلف، واقترح نائب وزير الشئون المالية في الأرجنتين في سنة 1999 معيار مختلف مرتبط بحجم الديون الخارجية قصيرة الأجل، حيث قال أنه لابد أن تكون احتياطيات البلد من النقد الأجنبي كافية لتغطية كل ديونها الخارجية قصيرة الأجل لمدة سنة أو أقل.
  • وقد قامت الصين بتكوين كل هذه الاحتياطيات الضخمة لهدفين رئيسيين وهما كما يلي؛
  1. الهدف الأول هو حماية نفسها من خطر الإنهيار خلال الأزمات والصدمات الخارجية، بحيث أنه إذا قرر الكثير من أصحاب رؤوس الأموال الأجانب في الصين أن يسحبوا استثماراتهم لأي سبب، فإن البلد غالبا لن تدخل في أزمة، لأن البنك الصيني من خلال احتياطياته الضخمة سوف يكون قادر على تغطية السوق وضخ كل ما يلزم من سيولة، وبذلك الصين سوف تكون قادرة على دفع ديونها الخارجية، وسد العجز اللازم عند التدخل لإنقاذ قطاعات معينة في البلد إذا استلزم الأمر ذلك، لأن الاحتياطيات لديها ضخمة وتكفي لسداد كل ذلك وأكثر، وأيضا بسبب أن الحكومة الصينية لديها احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي، فهذا يجعل المستثمرين الأجانب متمسكين بالسوق الصيني ولا يستطيعون الخروج منه، وهذا لأن المستثمرين يجدون هذا الكم الهائل الذي تمتلكه الحكومة الصينية ،وبالتالي سوف تكون قادرة على التدخل والسيطرة على الوضع.
  2. أما السبب الثاني الذي من أجله احتفظت الصين بهذا القدر الهائل من احتياطيات النقد الأجنبي فهو رغبتها في السيطرة على سعر صرف عملتها المحلية أو اليوان الصيني، وبذلك فهي تسيطر على سعر عملتها في إتجاهين، وذلك لأن الصين اقتصادها قائم على التصدير، حيث يقوم المصدرين الصينيين ببيع المنتجات في مكان ما من العالم، ويحصلون في المقابل على العملة الصعبة التي غالبا تكون دولار، ويتم تحويل كل هذه الدولارات على حساب البنك في الصين، ولكن في نفس الوقت هناك عمال أو موردين يتم دفع مستحقاتهم بالعملة المحلية لأنه لا يوجد بطالة، لذلك يتم بيع الدولار للبنك الصيني، وبدلا منه يتم شراء يوان صيني لكي يدفع المستثمر للعمال والموردين، وهذا يزيد من الإقبال على اليوان، ويرفع سعره أمام الدولار، وهذا جعل الحكومة الصينية تشعر بالحزن، لأن إرتفاع سعر اليوان معناه إرتفاع سعر البضائع الصينية بالنسبة للمشترين الأجانب، وبالتالي تصبح الصادرات الصينية غير مرغوبة، ولكي يعالج المركز الصيني إرتفاع قيمة العملة المحلية، يقوم بطبع جزء جديد من العملة المحلية لكي يعالج إرتفاع سعرها، ويقوم  بضخها في القطاع المصرفي الذي يشتري منه الدولارات ويعطيه اليوان، وبالتالي ينخفض سعر اليوان  لأنه كثير في السوق، وأيضا احتياطيات المركزي من الدولارات أو العملة الصعبة يزيد في نفس الوقت، وبالتأكيد الصينيين يريدون ألا تنهار عملتهم أو تنخفض جدا، لأن هذا يؤدي إلى انخفاض وهبوط قيمة أصول الشركات الأجنبية التي تعمل في الصين، وبالتالي سوف يفكرون في إنهاء استثماراتهم داخل الصين، إذن الصين حريصة على أن تتجنب ذلك بأي شكل من الأشكال.
  • وفي أغسطس عام 2015 قررت الصين فجأة تخفيض قيمة عملتها لأدنى مستوى لها في ثلاث سنوات، وهذا كان بسبب تراجع صادرات الصين بسبب انخفاض الطلب في أوروبا وأمريكا واليابان، ولكي يشجعوا الطلب مرة أخرى قرروا أن يخفضوا سعر العملة، كان هذا التخفيض لمرة واحدة، ولكن كان هناك توقعات في السوق على أن سعر اليوان سوف ينخفض مرة أخرى.
  • وهذا جعل الضغط على اليوان يزيد، ولكي تسند الصين اليوان وتمنع إنخفاض سعره، قامت بإنفاق تريليون دولار من احتياطياتها في الدفاع عنه، وتم النجاح في إنقاذه بجدارة، وذلك بفضل تلك الاحتياطيات المالية الضخمة.

قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد