لماذا تتحدث مع نفسك؟!

جميعنا نتحدث مع أنفسنا، ولكن أحياناً نتحدث مع أنفسنا بصوت عالٍ وكأننا نتحدث مع آخر، فلماذا تتحدث مع نفسك؟! والسؤال الأهم هل هناك فوائد نفسية عندما تتحدث مع نفسك؟

لماذا تتحدث مع نفسك

التحدث مع النفس،

فقيمتك أمام ذاتك في الحياة هي من تجعلك تتضامن مع مجتمعك، ومن هذه النقطة يبدأ البحث عن موضعك في الحياة، وتقرير مصيرك، فالكرامة الإنسانية هي أول دافع تنمية للذات.

ولعل البعض يقر أن الحديث مع النفس شيء مهم جداً، وأنه أهم حوار على الإطلاق، ويمكن أن نسأل أنفسنا سؤال هام، إذا كنت لا أستطيع أن أحاور نفسي فكيف أحاور الآخرين؟!، فقد سمى الله تعالى النفس بالنفس اللوامة، وهي التي تلوم نفسها عن أي شيء غير صحيح، فبالطبع لن ننجح ونقتنع بحقائق الدنيا بدون الحوار مع النفس، فالتفكّر هو جزء من العبادات.

فالحديث الذاتي مرتبط بأنشطة عقلية مصاحبة بما في ذلك حل المشكلات، وكذلك الاستدلال وأيضاً التخطيط والتحفيز، ولكن في أحيان أخرى، ولكن قليلة قد تسبب مشكلات نفسية.

ولعلنا في السطور القادمة نناقش ما يلي:

  • لماذا نتحدث مع أنفسنا؟
  • أنواع حديث النفس.
  • فوائد حديث النفس.
  • كيف أحقق أكبر استفادة من الحديث مع نفسي.
  • كيفية التحكم في التحدث مع النفس بصوت عالٍ.
  • متى يجب القلق من الحديث مع النفس؟!
  • أهم المصادر.

لماذا نتحدث مع أنفسنا؟

عادة الأطفال يبدؤون التحدث مع أنفسهم من سن 2-3 سنة، ولكن بشكل مختلف عن الكبار، ثم يتطور حديثهم مع أنفسهم في سن الخامسة، حيث يصبح أكثر سرية دون سماع الآخرين حديثهم مع أنفسهم، ونادراً بعد ذلك أن يختفي الحديث مع النفس بعد هذا السن، ويتنوع ما بين الحديث في بعض الأحيان القليلة، وأحياناً تكون بشكل متواتر.

أما الحديث مع النفس بصوت عالٍ لم تكن هناك دراسات مستفيضة عنه، ولكن ربما يكون هناك بعض التفسيرات التي ظهرت منها:

  • العزلة الاجتماعية:

حيث أن الأشخاص الذين يقضون فترات طويلة بمفردهم أكثر عرضة للتحدث مع أنفسهم، نظراً لقلة تفاعلهم مع الآخرين، فيكون حينها حديث النفس بمثابة أداة للتواصل الاجتماعي، ولعل العزلة الاجتماعية من أكثر الأسباب المساهمة لنمو الحديث النفسي بصوت عالٍ.

  • الاضطرابات:

مثل القلق والتوتر والإجهاد وميول الوسواس القهري بما تجلب اضطرابات تسبب زيادة الحديث مع النفس، فمثلاً لو أحدهم سوف يلقي خطاباً على الجمهور وهو يعاني من القلق والتوتر من مقابلة الجمهور وردود فعله، فهو أكثر ميلاً إلى التحدث مع النفس، وما يترتب عليه من اتخاذ منحى حديث نفس إيجابي أو سلبي ونقد ذاتي، فهذا يُغيّر من قدرته على مواجهة الجمهور.

أنواع حديث النفس:

هناك أنواع مختلفة من طرق الحديث مع النفس. وجميعها تترنح بين حديث إيجابي أو سلبي، ولكن ربما يختلف من حيث الغرض المقصود منه سواء كان سلبي أو إيجابي.

  • الحديث مع النفس الإيجابي والسلبي:

وعادةً يتضمن التحدث مع النفس بطريقة إيجابية مثل تبادل عبارات تأكيد النجاح والتحمس والأمل والإلهام، أما التحدث مع النفس بطريقة سلبية عادة بعبارات تنتقد الذات أو إلقاء اللوم على النفس.

  • الحديث مع النفس للتعلُّم:

يرتكز هذا النوع من حديث النفس بحيث يتضمن خطوات حلاً لمشكلة أو لأداء مهمة.

  • الحديث مع النفس التحفيزي:

يرتكز هذا النوع من حديث النفس على التشجيع لأداء مهمة ما. على سبيل المثال، في حديثك مع نفسك قد تهنئ نفسك على مجهوداتك وعبقرتيك أو تذكر نفسك أنك قادر دائماً على النجاح.

وهذه الأنواع الثلاثة السابقة من حديث النفس الإيجابي والتعليمي والتحفيزي، عادةً يحسنون الأداء، والغريب أن الأبحاث أيضاً وجدت أن الحديث مع النفس السلبي لا يضعف الأداء باستمرار، ففي بعض الأحيان يكون الحديث السلبي مفيداً، فيعطي ملاحظات مفيدة وواقعية يمكن أن تساعدك على تحسين الأداء، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يقوض الثقة بالنفس على المدى الطويل، ولذلك يجب تجنب تكرار الحديث السلبي ليصبح عادة.

فوائد حديث النفس:

هناك فوائد للحديث مع النفس منها:

  • التغذية الراجعة أو الانعكاس:

فالتحدث مع النفس يمكن أن تكون طريقة مفيدة لاكتساب تغذية راجعة لتجاربك الخاصة، حيث تسمح لك بالتأمل لتلك التجارب وتوفير طريقة رائعة لرؤية تلك التجارب بطريقة موضوعية أكبر، حيث يستبعد المشاعر الفورية الناشئة تجاه التجارب وهي عادةً مشاعر غير مستقرة، فنرى الأشياع بطريقة أوضح وأكثر عقلانية.

  • زيادة التحفيز:

يمكن أن يكون الحديث مع النفس وسيلة تحفيزية لمواجهة تحدي ما بإخبار نفسك أنك يمكن أن تفعلها مثلاً، فنرى بعض اللاعبين يتحدثون مع أنفسهم أو بعبارات تحفيزية وتعليمية، وبعدها يظهر تحسن في أدائهم، أو أكثر دقة في الأداء، أو أداء المهام بسرعة أكبر.

  • الحصول على ذاكرة أفضل:

إذا تحدث الإنسان إلى نفسه قبل شراء البقالة مثلاً، يساعد ذلك على تذكر قائمة المشتريات بشكل أفضل، وأسرع في الحصول على احتياجاته، إلا أنه أثبتت التجارب أن من يستعملون تلك الطريقة يحدث عادةً تحسن ذاكرتهم.

  • حل المشكلات:

يمكن من خلال التحدث مع النفس اكتشاف حل المشكلات التي قد تواجهها، وهو ما يسمى التفسير الذاتي، فيمكن مع قضاء بعض الوقت مع النفس للتركيز في التفكير في المشكلة ودراسة جميع خياراتك.

كيف أحقق أكبر استفادة من الحديث مع نفسي:

من الواضح طبقاً للعرض السابق أن يكون الحديث مع النفس له فوائد، ولكن تحقيق أقصى استفادة من خلال استراتيجيات هامة:

  • اجعل الحديث مع النفس إيجابي:

حيث أن الحديث مع النفس السلبي سواء كان في داخل عقلك أو بصوت عالٍ، يمكن أن يكون له تأثير ضار وخطير، فإذا كنت تميل للتفكير في الأشياء السلبية واجترارها، فيجب إعادة صياغة كلماتك مع نفسك، وهذا لا يعني تحويلها إلى إيجابية غير واقعية، مثل أن تعكس “أنا سيء” إلى “أنا الأفضل”، فبدلاً من ذلك اجعلها كلمات إيجابية واقعية ومتفائلة، مثل “سوف أتحسن ببعض العمل على نفسي”.

  • أجعل حديثك مع نفسك على هيئة سؤال وجواب:

طرح أسئلة على نفسك حول ما تعلمته أو ما يعنيه شيء ما. يمكن أن يكون أداة قوية لتحسين الذاكرة. نظرًا لأنك تتعلم شيئًا ما بشكل أساسي. ثم تقوم بتدريسه لنفسك، فهذا يساعد على تعزيز المعلومات وترسيخها في الذاكرة طويلة المدى بشكل أكثر فعالية.

  • استمع جيداً لما تقوله:

يعتبر التحدث إلى نفسك يصبح أكثر فائدة عندما تستمع إلى ما تقوله، فعادةً يحدث تدفق للحديث مع النفس دون الوعي والاستماع والتفكير في هذا الحديث، وبالتالي تضيع فائدته، فلابد من أن تحاور نفسك بوعي بما تتحدث فيه مع نفسك.

  • استخدم شخص ثاني أو شخص ثالث في الحوار مع النفس:

فبدلاً من التحدث المباشر مع النفس بضمير المخاطب، حاول أن تتبادل الحديث مع شخص ثاني وثالث، ففي إحدى الدراسات وجد الباحثون أن من يتحدثون مع أنفسهم بصيغة الغائب يكونوا قادرين على تنظيم مشاعرهم وانفعالاتهم أثناء الحوار مع أنفسهم، فالمشاعر المصاحبة لمخاطبة الذات عادةً تكون مرهقة وصعبة التحمل، وهؤلاء الأشخاص وخصوصاً الشخص الثالث يساعدك على الابتعاد عن تلك المشاعر وتقييم الأمور بشكل أكثر موضوعية، كما أنك تراقب أفكارك كأنها أفكار شخص آخر.

فطريقة تحدثك مع نفسك لها تأثير مهم في احترامك لذاتك وفي تعليمك ووعيك الذاتي، حيث يمكن أن يساعدك التعامل اللطيف مع نفسك وطرح الأسئلة والانتباه والاستماع لكلماتك مع نفسك بما يحقق أقصى استفادة ممكنة من هذا الحوار الذاتي.

كيفية التحكم في التحدث مع النفس بصوت عالٍ:

قد استنتجنا مما سبق أن الحديث مع النفس شيء طبيعي في حدوده الطبيعية؛ ولكن بشروط احترام الذات، والوعي اللازم لإدراك حوار النفس واستيعابه، وتقييم الأمور تقييم موضوعي بعيد عن إرهاق المشاعر بقدر الإمكان، ولكن في بعض الأحيان نتكلم مع أنفسنا بصوت عالٍ وقد لا يتقبل هذا كل المجتمعات.

إذن ما الذي يمكننا فعله للتحكم في الميل نحو الحديث مع النفس بصوت عالٍ؟
  • تحدث إلى أشخاص آخرين:

حيث يمكن أن تجد استفادة أكبر في بعض الأمور التي تحتاج خبرة أو تقدم ملاحظات قيمة على أفكارك، فليس من الضروري معالجة جميع أفكارك من خلال الانغلاق مع النفس، وإنما يجب أن تعطي مساحة جيدة لمناقشة أفكارك مع آخرين.

  • إلهاء نفسك:

إبقاء نفسك منشغلاً سوف يقلل رغبتك في التحدث مع نفسك بصوت عالٍ، وفي أضعف الإمكانيات للانشغال، فيمكن أن تمضغ علكة أو تمتص النعناع، أو ما شابه من أدوات الانشغال البسيطة.

  • أكتب أفكارك:

يمكن كتابة تلك الأفكار واستكشاف الحلول لتخفيف أعراض التوتر وإلحاح الحديث مع النفس بصوت عالٍ.

متى يجب القلق من الحديث مع النفس؟!

بالطبع إذا كنا منخرطين في حديث سلبي مع النفس قد يؤثر بطبيعة الحال على احترام الذات والثقة بالنفس، والصحة العقلية؛ بل واجترار الأفكار السلبية والحزينة والمظلمة، قد يكون نوع من أنواع حديث النفس الذي يكون علامة لحالة صحية عقلية مثل الاكتئاب، أو الهلوسة، وفي هذه الحالة الأخيرة يتحدث الشخص بصوت عالٍ إلى مصدر خارجي غير موجود بدلاً من محادثة نفسه، وقد ترتبط الهلوسة بعدد من الحالات المختلفة بما في ذلك الفصام والاضطراب ثنائي القطب، وتعاطي المخدرات، واضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD).

وكذلك الحديث مع النفس غير المنطقي وغير المرتب وغير المترابط والمصحوب بأفكار مضطربة يكون علامة على مرض مثل انفصام الشخصية أو حالة مرتبطة به نوعاً ما.

ولكن يجب أن نتذكر أن في معظم الحالات، لا يُعد التحدث إلى النفس حتى بصوت عالٍ علامة على وجود مشكلة صحية نفسية، ومع ذلك في الحديث السلبي الدائم والذي يصعب التحكم فيه أو مصحوب بهلوسة سمعية أو بصرية، فيجب استشارة الطبيب النفسي، والذي يمكن أن يحدد ما إذا كان الشخص يعاني من مشاكل نفسية، ويمكن أيضاً أن يفيده بتوجيه سلوكياته بعيداً عن الحديث مع النفس السلبي. اقرأ أيضاً: اصنع طاقتك الإيجابية بنفسك، واقرأ وأيضاً: أفضل 13 استراتيجية للتعامل مع التوتر والقلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أهم المصادر:

Brinthaupt، TM. (2019): الفروق الفردية في تردد الحديث الذاتي: العزلة الاجتماعية والاضطراب المعرفي

Brinthaupt، TM.  Dove CT. (2012): Journal of Research in Personality: الاختلافات في تردد الحديث الذاتي كدالة على العمر والطفل الوحيد وحالة الرفيق الخيالي في مرحلة الطفولة

Reichl C، Schneider JF، Spinath FM(2013): علاقة تردد الحديث مع النفس بالوحدة والحاجة إلى الانتماء والصحة عند البالغين الألمان

Shi X، Brinthaupt TM، McCree M. (2015): علاقة تردد الحديث الذاتي بتخوف التواصل وقلق التحدث أمام الجمهور

Boroujeni ST، Shahbazi M (2011):  تأثير الحديث الذاتي التعليمي والتحفيزي على أداء المهارة الحركية لكرة السلة

Lupyan G، Swingley D. (2012): يؤثر الكلام الموجه ذاتيًا على أداء البحث المرئي Quarterly Journal of Experimental Psychology.

Moser JS، Dougherty A، Mattson WI، et al (2017): يسهل الحديث الذاتي للشخص الثالث تنظيم المشاعر دون الانخراط في التحكم المعرفي


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد