فضل الصدقة وفوائدها، وأبوابها

سنتحدث في هذا المقال عن فضل الصدقة وفوائدها وأبوابها، لأن الصدقة من أفضل أبواب الخير، وهي سبيل للفوز برضا الله عز وجل، كما أن الصدقات تطهر وتزكي النفوس.

أجر الصدقة

أجر الصدقة

يقول الله تعالى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [ سورة التوبة.

كما أنها من أعظم الشعائر ودليل على الإيمان، فقال صل الله عليه وسلم: ” والصدقة برهان “.

والمعنى كما فسره بعض أهل العلم أنه يُشير إلى أن بذل الصدقة والحرص عليها هي دليلٌ وبُرهانٌ قاطع على إيمان المتصدق وعلى محبته الكبيرة لله عز وجل.

كما أن الصدقة تُنَمي وتبارك المال، كما أن المتصدق ينال الأجر والثواب الكبير من الله، كما أن في الصدقة سدٌ لحاجة الفقراء والمحتاجين، وطريق لإسعادهم وإدخال للسرور عليهم الذي هو من أحب الأعمال إلى الله، وهي وسيلةٌ عظمى لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وطريقٌ لنشر الرحمة والمودة بين الناس، كما أنها ترفع وتزيل النِقم والأسقام والبلايا عن صاحبها بإذن الله.

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلَّم أن من يحرص على الإكثار من الصدقات فإنه يدُعي في يوم القيامة ليكون من الذين يدخلون الجنة من باب الصدقة.

و جاء في الصحيحين عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلّم، قال: ” سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله “، وذكر من هؤلاء السبعة: ” ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه “.

كما أن الصدقة سببٌ في دعاء الملائكة للإنسان المتصدق في أن يزيد الله تعالى في رزقه، ويبارك له فيه، فقد صح عن ( البُخاري ) عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا “.

كما أن الصدقة تطفئ الخطيئة، فقد صحَّ في ( سُنن الترمذي ) عن كعب بن عُجرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار “.

والصدقة هي سببٌ لعلاج الأمراض- بإذن الله- فقد جاء في ( المعجم الكبير ) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة “.

تجربة لعلاج الأمراض بالصدقة

يقول ابن شقيق: “سمعت ابن المبارك وقد سأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته من سبع سنين، وحاول علاجها بكافة أنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع إطلاقا، فقال له: اذهب فأحفر بئرًا في مكان في حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فشفي”. [صحيح الترغيب].

والصدقة هي سترٌ للإنسان وحمايةٌ له من النار، كما جاء في ( مُسند الإمام أحمد بن حنبل ) عن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله تعالى عنها ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ” يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة “.

والصدقة تُطفئ عن أصحابها حرَّ القبور لما جاء في ( المعجم الكبير ) عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور “.

ومن منافع الصدقة أن المتصدق يستظل في ظل صدقته يوم القيامة لما جاء في ( المعجم الكبير ) عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “.. وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته “.

والصدقة تُبارك وتزيد في مال الإنسان – بإذن الله – لما صحّ عن  الإمام ( مسلم ) عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ” ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ”

كما أن الصدقة هي رصيدٌ يدخره الله تعالى لعباده المتصدقين في الآخرة من الأجر والثواب العظيم لما صحَّ في ( سُنن الترمذي ) عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة ( رضي الله عنه ) يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما تصدق أحدٌ بصدقةٍ من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب؛ إلا أخذها الرحمن بيمنيه، وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله “.

كما أن في الصدقة شكرٌ لنعم الله عز وجل  على العبد ؛ فقد جاء في ( سُنن أبي داوود ) عن عبد الله بن بُريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً فعليه أن يتصدق عن كل مفصلٍ منه بصدقة “.

كما أن فيها دواء للأمراض القلبية كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا إردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم» [رواه أحمد].

أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا كثيرة من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: “وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم”. [صحيح الجامع].

فالصدقة لها تأثير عجيب للغاية في دفع أنواع البلاء وحتى لو كانت من فاجرٍ فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعًا كثيرة من البلاء، وهذا أمر معلوم عند النّاس جميعا لأنّهم قد جربوه.

كما أن العبد يصل إلى حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: 92].

أنواع الصدقات

أجر الصدقة
أجر الصدقة

و أنواع الصدقات فهي بفضل الله تعالى كثيرةٌ جدًا؛ حيث أن منها ما يكون بالقول، ومنها ما يكون بالعمل، وخير دليلٍ على ذلك ما صحَّ عند ( البخاري ) عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما )، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” كل معروفٍ صدقة “.

ولهذا فإنه لخطأ كبير أن يحصر الناس مفهوم ( الصدقة ) في مجرد بذل المال للفقراء والمساكين، فقد جاءت تعليمات الدين الحنيف وتوجيهاته لكي توضح لنا أن هناك وجوها عدة لبذل الصدقات، وأنواع مختلفة لفعل الخير بنية الصدقة، ومن أنواع الصدقات التي أرشدنا إليها الإسلام هي الإنفاق على النفس وعلى الأهل والأولاد، وكذلك الإحسان إلى الأقارب والأرحام واحتساب ذلك عند الله عز وجل، لما جاء في ( المستدرك ) عن جابر ( رضي الله عنه ) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كل معروفٍ صدقة، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كُتب له صدقة “.

ولما صحَّ عن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – في ( الصحيحين ) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقةً وهو يحتسبها كانت له صدقة “.

ومن الصدقات بشاشة الوجه وحُسن ملاقاة الآخرين، والتبسم في الوجوه، وإظهار البهجة برؤيتهم، أو تقديم منفعة لهم حتى لو كانت يسيرة، لما جاء في البخاري في ( الأدب المفرد ) عن جابر ( رضي الله عنه ) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلقٍ، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك “.

ومن الصدقات أيضا أن يكون المسلم من مفاتيح الخير ومغاليق الشر بأن يحرص على أن يدل على الخير ويُرشد إليه، لما جاء في ( شُعب الإيمان ) عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ): عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” كُلُ معروفٍ صدقة، والدالُ على الخير كفاعله “.

ومن الصدقات أيضا إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإماطة الأذى عن الطريق، وعيادة المريض والتخفيف عنه والدعاء له، ودلالة التائه في الطريق، وكل ما هو في حكم ذلك من الأفعال والأقوال الحسنة فهو من الصدقات التي يؤجر الإنسان عليها.

لما جاء في ( شعب الإيمان ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” على كل مسلم في كل يوم صدقة، قالوا: يا رسول الله ومن يطيق هذا قال: إن تسليمك على الرجل صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وإغاثتك الملهوف صدقة، وهدايتك الطريق صدقة، وكل معروف صدقة “.

و من الصدقات أيضا السعي في الإصلاح بين المتخاصمين، والصبر على أذى الناس، والعفو عنهم، وإحسان الظن بهم، وكذلك حُسن المعاشرة بين الأزواج، وحُسن تربية الأولاد، والإحسان إلى العمال والخَدم، ودفع الحقوق لأصحابها، والإحسان إلى الجيران، والرفق بالحيوانات، والعطف على اليتامى وتفقد أحوالهم، كما أن الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوةٍ يمشيها المسلم إلى الصلوات صدقة، ولو كانت الصدقة على من يستحقها من الأهل أو الأقارب وذوي الرحم فهي أفضل، لأنهم أولى بها من غيرهم لما صحَّ عند ( النسائي وابن ماجة ) عن سلمان بن عامر – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة ”

آيات في فضل الصدقة

  • إن ما يقدمه الإنسان من بذل الصدقة والمعروف لن يضيع عند الله تعالى أبدا، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: { وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
  • كما قال تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [سورة إبراهيم: 31].
  • ويقول جل وعلا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ…} [سورة البقرة: 195].
  • وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} [سورة البقرة: 254].
  • وقال سبحانه: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [سورة البقرة: 267].
  • وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة التغابن: 16].
  • قال الله تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [سورة إبراهيم: 31].

والمتأمل للآيات والأحاديث التي جاءت في فضل الصدقة مُرَغبة فيها يدرك أن للصدقة أجر عظيم،  قد لا يصل إلى مثله غيرها من الأعمال، وروي عن  عمر رضي الله عنه أنه قال: “ذكر لي أن الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم” [صحيح الترغيب].

بعض الأحاديث الواردة في فضل الصدقة

  • من الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» [في الصحيحين].
  • قال صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى» [صحيح الترغيب].
  • قال صلى الله عليه وسلم: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار» [صحيح الترغيب].
  • المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل أمرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس».
  • قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [في الصحيحين].

فوائد الصدقة

  • أنّ المتصدق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» [في الصحيحين].
  • أنّ صاحب الصدقة يبارك الله له في ماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «ما نقصت صدقة من مال» [في صحيح مسلم]، فلا يبقى لصاحب المال من ماله إلاّ ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [سورة البقرة: 272]، ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلاّ كتفها. قال: «بقي كلها غير كتفها» [في صحيح مسلم].
  • أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 18].
  • وقوله سبحانه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 245].
  • أنّ صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان». قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» [في الصحيحين].
  • أنّها عندما تجتمع مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد فإنها توجب الجنة لصاحبها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟». قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟». قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعت في أمرئ إلاّ دخل الجنة» [رواه مسلم].
  • أنّ في الصدقة انشراح للصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، واتسع بها صدره، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلاّ هذه الفائدة فقط لكان العبدُ حقيقيا بالاستكثار والمبادرة إليها وقد قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: 9].
  • أنَّ المنفق لو كان من العلماء فهو في أفضل المنازل عند الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل..».
  • أنَّ النبَّي صلى الله عليه وسلم جعل الغنى مع الإنفاق بالمال في منزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلاّ في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل والنهار»، فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله. الثامن عشر: أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتممٌ للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك قوله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيْهِ حَقّاً في التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ والقران وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ الَّذِى بَايَعتُم بِهِ } [سورة التوبة: 111]
  • الصدقة مطهرة للمال، كما أنها مطهرة للنفس مما يصيبها من اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع].

أفضل الصدقات

الصدقة الخفية

لأنَّها أقرب إخلاصا من المعلنة وفي ذلك يقول الله جل وعلا: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هي وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة: 271]، “فإعطاءها للفقير في خفية خيرٌ من إظهارها وإعلانها، وتأمَّل تقييده سبحانه تعالى الإخفاء بإتيان الفقراء خاصة ولم يقل: وإن تخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه، وأمَّا إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها الكثير من الفوائد، والستر عليه، وعدم إحراجه بين النَّاس، وعدم الفتنة بالرياء، الذي يضيع الأجر، والرياء هو فعل الخير بهدف حصول المحمدة من النّاس، أو نيل أي شيء من متاع الدنيا.

كما أنَّ المتصدق خفية هو أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة كما قال صل الله عليه وسلم، ولهذا جعله الله سبحانه خيرا للمنفق وأخبر أنَّ المتصدق يكفر بذلك الإنفاق من سيئاته”. [طريق الهجرتين].

 الصدقةُ في حال القوة والصحة

الصدقة في حالة القوة والصحة أفضل من الصدقة في حالة المرض والاحتضار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا» [في الصحيحين].

بذل الإنسان الصدقة مما يستطيع مع القلة والحاجة؛ لقول النبي صل الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول» [رواه أبو داود]، وقال صلى الله عليه وسلم: «سبق درهم مائة ألف درهم»، قالوا: وكيف؟! قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها» [رواه النسائي، صحيح الجامع].

قال البغوي رحمه الله: “والاختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتا لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على النّاس، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أمّا من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، إلا أن يكون معروفا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سورة الحشر: 9] وهي الحاجة والفقر”. [شرح السنة].

 الإنفاق على الأولاد

كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة» [في الصحيحين، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم].

الصدقة على المسكين وذي الرحم

وقال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]، وأخصُّ الأقارب اثنان:

الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَو إِطعَامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ * أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ} [سورة البلد:11-16]. والمسبغة: هي الجوع والشِّدة.

الثاني: القريب الذي يكن العداوة ويخفيها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع].

الصَّدقة على الجار

فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ} [سورة النساء: 36] وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها» [رواه مسلم].

 الصدقة الجارية

وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].

وإليك بعض مجالات الصدقة الجارية:

  • سقي الماء وحفر الآبار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة: صحيح الجامع].
  • إطعام الطعام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [في الصحيحين].
  • بناء المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة» [في الصحيحين]، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة»  [صحيح الترغيب].
  • الإنفاق على توزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة: صحيح الترغيب].

الصدقة في رمضان وفي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة

كما أنّ الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها مثل الإنفاق والصدقة في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان بلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”. [في الصحيحين].

وكذلك الصدقة في أيّام العشر من ذي الحجة، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيّام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك شيء» [رواه البخاري].

الصدقة في وقت الحاجة والفقر

ومن الأوقات المحبذة للصدقة هي يوم أن يكون النّاس في شدة وحاجة وفقر كما في قوله سبحانه: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [سورة البلد: 11-14].

فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عونا له على نيل رضا الله «فنعم المال الصالح للمرء الصالح» [رواه البخاري]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وجوه أخرى للتصدق بدون إنفاق المال؟ 

ذكرنا لكم بعض وجوه الصدقة بغير إنفاق المال كالكلمة الطيبة وإماطة الأذى عن الطريق وغيرها من أعمال الخير، كما يمكن لكم الاستزادة عن طريق التمعن في هذا الحديث، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: ( أوليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون ؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة )، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟، قال: ( أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر ) رواه مسلم.

وأهل الدثور هم الأغنياء، والحديث يوضح كيفية الصدقة بطرق عدة أخرى.

المصدر

مكتبة صيد الفوائد


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد