القدس بين الطعن والغدر

يا قدسُ

كلُّ طعنة غدرٍ توجهُ إليكِ يرجع صداها لهيبًا في أعماق نفوسنا، نارٌ تشتعل في الصدر…
غُصةٌ تمكث في حلقِ كل ذي حمية…
ليس في قلوبنا نحن- المسلمين- فقط، بل في قلب كل من حمل قلبا بشريًا، وشعورًا إنسانيًا…
قضيةٌ سماع السوء فيها يثير غضبنا ثوران البركان الهائج، ويُطبق علينا سحب من الكدر، ويضربُ علينا سدودًا من الهم، تنتفض قلوبنا له ولأهله كُلَّ يومٍ وكل ساعة ودقيقة وثانية، يتجافى جنوبنا عن المضاجع لعجزنا عن ردع هتك حرماته أو فك قيود أسْره وإغاثة أهله…
قِبلتُنا الأولى وأيُ قِبلةٍ يُقبَل أن تنتهك بهذه الشناعة!
بأيدي عدوٍ خسيسِ الطباعِ ماكرٍ خبيث شديد الصفاقة!
بأيدي كلابٍ نجسة، بل والذي نفسي بيده للكلبُ أطهر من أن يُشبه بهم وهم أنجسُ من أن يشبهوا به…
عكاريتٌ أراعن، نجاهم الله من العذاب المهين فكان شكرانهم أن عثوا في الأرض فسادًا، ليس جديدًا عليهم القتل وسفك الدماء بغير رحمة، أقوامٌ قتلوا الأنبياء وانتهكوا حرمات الدين ومشوا في الأرض متكبرين أيضرهم سفك دماء المُناضلين؟

القدس بين الطعن والغدر

وبعد…
فإن هؤلاء المدعين جاءوكم -أيها المسلمون- متقبين بقباء السلام وقلوبهم ميادين حرب…
لم يقدروا الله حق قدره ولم يوقروا بيته أتراهم يوقرونك لتوقيع سلام- كما زعموا-؟
أتراهم يلتزمون بعهد وقد لقبوا منذ دهورٍ مضت “باليهود نقاضي العهود”؟
كيف تأمن بوائق هؤلاء الأراذل الزناديق!

وكما جاء في القرآن الكريم في سورة التوبة:

﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾

وكما قال الشاعر أمل دنقل:

“كيف تصافح أيديهم ولا تبصر الدم في كل كف
إن سهمًا أتى القدس من الخلف سيأتيك من ألف خلف!”
كيف ترى ظلمًا بدا واضحًا جليًا مستبينًا، وتصافح الظالم وتقيم السلام؟
ألا ترى الأرواح التي سُلِبَت، والأطفال التي يُتِّمت، والنسوة التي انتهكت، والرجال الذين قُتِلوا!
أعميت أعينكم عن صراعٍ قائمٍ على أشده محتدم!
على أُناسٍ بُرآء لا ذنبَ لهم، يُحاسبون حسابًا عسيرًا في سبيل حفظ أقصانا ودفع الظلم عن أرضهم!
ليست قضيتهم وحدهم، والله قضية كُلِّ مسلم!

أتخشونهم؟

ما يحدث ليس لقوتهم، فإنك إن أعطيت القرد سلاحًا وأيدته بما يحييه حياةً كريمة، لقتل الليوث، وإن جردته منهما لقطعه الليوث إربًا…
هؤلاء تالله شرذمة جبناء، ولو اجتمعنا لهم لن نبقي ولن نذر، بل إن تفل كُلُّ مهتمٍ مدافعٍ عن القضية تفلة لغرقوا في فيضاننا وبادوا أجمعين!
وعُذرًا لقولي ذلك، ولكن ليس مقامهم عندنا أكبر من ذلك، بل لو أن هنالك ما هو أقل وأرذل لكان كأنما خُلق لهم…
فالحديث عن تلك القضية لا يتطلب ضعفًا ولا هوانًا، بل أقلام حبرها شرر الثأر والانتقام…
فإنكم إن قبلتم السلم فقد أيدتموهم، وإن أخمدتم نيران الحرب فقد أخمدت داخلكم النخوة والمرجلة واستعبدتكم الذلة والمسكنة، وتسربت إلى رجولتكم نسونة، وأحاط بقلوبكم الجبن!
فإن رضيتم أن يكون هذا وصفكم، فبيعوا أرضكم- القدس-، واتركوا شعبكم، ونساءكم وأطفالكم ورجالكم وشيوخكم، وعيشوا في سلام الدنيا…
وانسوا عذاب الآخرة…
ختامًا…
ما يحدث في القدس هذه الأيام لن يمر مرور الكرام…
اقتحام أقصانا جريمة جنى بها على نفسه المقتحم، فأهلُ القدس ليسوا فُرادى بل يؤيدهم المنتقم…
ونصرُ الله آتٍ لا محالة!
والجدير بالذكر والثناء والفخر هو أنه في كل محنةٍ خاضها أهلُ القدس بدت عليهم الشجاعة والقوة والحمية والمرابطة، كلما اشتدت المحنة اشتد بأسهم…
رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا!
لا يخشون شيئًا، ولا يسعون سوى لهدفٍ واحد- حفظ الأقصى- وهو الهدف الذي اجتمعوا له وعليه، أرخصوا لردع الهجمات عنه نفوسهم، فدوه جميعًا بأرواحهم، جاهدوا لتكون كلمة الله هي العُليا، ولكي لا يُدنس الأقصى أو تسقط من بنائه المشيد لبنة واحدة…
فكم رجلا تَرى فيهِ صَبيًّا
وكمْ من صِبيةٍ وهُمُ رِجالُ
وذاك بيتٌ للرافعي، فورما رأيته لم يتجسد أمامي لقراءة الشطر الأول سوى المعتدي، وفي الشطر الثاني صبيةُ القدس، وكأنه كُتب خصيصًا لهم…
فلسطين لبى نداكِ الشباب،، يدافعُ عنكِ بظفرٍ وناب
يخوضُ المنايا ويلقى الصعاب،، يعافُ الحياة ويهوى الردى!
فلسطين لبى نداكِ القدر،، بطفلٍ تحدى طُغاةَ البشر
بإيمانه قد تغنى الحجر،، أبى أن يذلَ ويستعبدا
وتلك أبياتٌ لطالما تغنيتُ بها منذ سنين في سنٍ أصغر مما أنا عليه اليوم، لم أدرك معناها الحرفيّ سوى الآن…
فسلامٌ على الراحلين، وحفظ الله الباقين المناضلين وأيدهم بنصرٍ منه عاجلًا ليس بآجل.

كاتبة المقال: خديجة فهمي
مراجعة وتنسيق: أحمد كشك


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد