“رحلة إلى الماضي”.. ذكريات رمضان بأعين مغترب خارج حدود الوطن

يأتي رمضان ولنا أحباب، نعتاد أن نقضي رمضان معهم، ولكن نتذكر أننا نبعد الآن الآف الكيلومترات عنهم، بعد أن أصبحنا “مغتربين” خارج حدود الوطن نتذكر ما كنا نعتاد عليه، نتذكر الجلوس معًا قبل موعد الإفطار والإزدحام المروري بين المطبخ وغرفة الطعام من قبل العائلة، المشهد الذي كنا نشعر بإزعاج حينما نراه، أصبح الآن ضمن طموحنا وأحلامنا.

 

بالحنين أكتب وبالحنين أسرد، رمضان شهر الخير والبركة واللمة التي لم نحصل عليها ذلك العام. تظل أنت تقاوم الذكريات في الغربة وتنجح في ذلك فعليًا، ولكن حينما يأتي شهر اللمة تصبح المقاومة “صفر على اليسار” ليست لها قيمة هنا، الحنين يأخذك كثيرًا إلى التجمع العائلي والحلويات الشهية والسهرات الرمضانية.

 

أول يوم رمضان

 

أتذكر منذ أن ولدت وأنا أقوم بالتحضير في أول يوم من شهر رمضان للذهاب إلى بيت العائلة وبيت جدي وجدتي رحمهما الله، لم أرَ جدي فعليًا، ولكن وجدت طباعه المختلفة في أعمامي وأبي كثيرًا، كنت أعرف وأشم رائحته في المنزل، رغم أني لم أراه سوى في فيديو في فيلم طويل عن منطقتي، وصورة على جدار بيت عمي القديم، وصورة أخرى في محفظة أبي لم تفارقه قط، أما جدتي، فلم ترحل عنا دنيتنا منذ كثير، فكنا ننتظر أول يوم لنحتسي الشاي بالنعناع من يدها بعد الإفطار. بالفعل، أفتقدنا جدتي وأفتقدنا كوب الشاي، ولكن لم تنقطع عادتنا في الإفطار في بيت العائلة وبيتها، ولكن هذا العام ستذهب العائلة عدا أنا.

 

العاشر من رمضان

 

كما أتذكر يوم العاشر من رمضان وأنا أحضر للذهاب إلى بيت جدتي الحنونة، جدتي لأمي، والجد الذي لم تنقطع يده عن العطاء يومًا، كان الجد -رحمه الله- بمثابة وجهة عائلية محترمة نحتمي بها دومًا، أتذكر أنني لم أحصل على كم ضخم من الدجاج والأوز هذا العام من يد جدتي، التي أفتقدها كثيرًا في غربتي، وأفتقد سماع دعواتها التي أعرف جيدًا أنها لم تنقطع في غيابي عن البيت. سأفتقد كل هذا بالفعل.

 

يوم ما في رمضان

 

في مثل هذا اليوم غير المحدد بالفعل والذي يختلف كل عام حسب أراء الأصدقاء وظروفهم القهرية التي لم تكن قهرية على الإطلاق، كان التجمع المفضل لدى الكثير منا، حيث نرى بعض الأصدقاء الذين مر عام كامل دون رؤيتهم سوى على وسائل التواصل الاجتماعي، أعتقد أن بعد فقدي لهذا اليوم، سيكون رؤيتهم كل عام “مرة واحدة” حلمًا أيضًا مثل ما سبقها من أحلام.

 

يومًا لم يحدث ولكنه كان منتظر

 

ينتظر الشاب لحظة الوصول لفترة الخطوبة للذهاب إلى بيت شريكته لتناول الإفطار معًا في رمضان وتحقيق ما كان لديه من أحلام. ولكنه يسقط في فخ الغربة اللذيذة التي تمنعه من تحقيق هذا الحلم البسيط، بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن من نشر منشور عبر فيسبوك يفيد بأنه فعل ذلك الحلم الذي كان يتحدث عنه كثيرًا في السنوات الماضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسيظل ينشر نفس المنشور عبر فيسبوك لأنه لم يحقق هذا، رغم “الخطوبة”، والمنشور يظل مضمونه “السنة الجاية وأنا بفطر عند حماتي إن شاء الله”.

 

لم نقل أن الغربة لم تمنحنا شيئًا قط، ما كنا لنغترب لو لم نستفد من الغربة، ولكن لكسب بعض الأشياء يجب أن تخسر أشياء أخرى. لا أحد يكسب كل شيء في الحياة، لذا يجب علينا أن نضع أهدافنا التي جئنا من أجلها أمام أعيننا لنتجاوز الحنين والذكريات ونفكر في المستقبل والحياة والطموح، “ولكن بعد رمضان”…


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد