تعدد الزوجات: بين التقاليد العربية والدين

{فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟} (سورة النساء:3)

تتبدل التقاليد الإجتماعية مع تغيّر الأزمان، وتختلف الأعراف مع إختلاف جغرافيا البلاد، ولقد كان نصيب المصريين من ذلك، أنهم كانوا في العصور الفرعونية، ذوي قومية أصيلة، مازالت أدبياتها موثّقة على جدران المعابد، وفي لفائف البردي، ثم وَرَدَ علينا أمم كثيرة من أهل الأرض، غزاة ومهاجرين وطالبي علم أو تجارة.

وكان آخر الوارد على مصر هم عرب الجزيرة، و هُم قومٌ أهل بداوة، أتوا من بيئة رعوية، ومصر بلدٌ ذات بيئة زراعية، حتى أن التقاويم المستخدمة في كل بيئة، وُضعت بما يناسب طبيعتها، فالبيئة الرعوية يناسبها التقويم القمري، والبيئة الزراعية يناسبها التقويم الشمسي.

ظاهريًا، تشتت المجتمع المصري بين أعراف وتقاليد كل بيئة منهما، وقد زاد من هذا التشتت، أن الثقافة العربية مرتبطة بالقرآن الكريم، الذي هو دين غالبية الشعب المصري، فوَقَع كثيرون في الخلط بين ما هو دينيٌ صِرف، وبين ما هو عُرف أو تقاليد عربية.

والحقيقة، أن المصريين، ورغم حُسن إسلامهم ــ ولا نزكّي على الله أحدًا ــ إلا أنهم ظلوا أُسارى بيئتهم، ولم يتحولوا إلى عربٍ بالمعنى الكامل الشامل للكلمة، ومن الأدلة على ذلك، سلوك المصريين في مسألة تعدد الزوجات، التي لم تتأثر بطِباع البيئة العربية، إلا فيما نَدَر.

ظَل العرف المتبَع عند المصري، أن الزواج يكون لمرة واحدة.. غالبًا، وإذا تزوج مرة أخرى، فيكون بمبدأ التكرار، أي أن يطلّق الزوجة الأولى، ثم يتزوج بأخرى، لا بمبدأ تعدد الزوجات، وقد تعارف المجتمع المصري على أسباب تبيح وتبرر للرجل الزواجَ الثاني، ومنها:

  • مرض الزوجة الأولى، الذي لا يُرجَي شفاؤه.
  • رغبة الزوج في الإنجاب، وذلك في حالة عقم الزوجة الأولى.
  • الخلافات في وجهات النظر بين الزوجين، نتيجة إختلاف البيئات الإجتماعية أو التعليمية.
  • القدرة الجنسية العالية للزوج، بما لا يتناسب مع قدرات الزوجة الأولى.
  • الحالة المادية الضعيفة للزوج، فيتجه إلى الزواج من إمرأة موسرة.

ولم يكن التعدد عند الرجل المصري، فقط لأجل التعدد، الذي كانت تتمتع به البيئة العربية، حتى زمن قريب، ويُعد من التقاليد العربية الراسخة والمعتبرة، حتى نهايات القرن العشرين الميلادي، على الأقل.

ونورد هنا بعض أقوالٍ للسلف من العرب المتقدمين، في مسألة تعدد الزوجات:

رُوي عن الحصري القيرواني (1029ـ1059م):

عندما ذَكَرَ اللهُ الزواج، ذَكَرَ {مثْنى وثُلاثَ ورُباع} ولم يبدأ الآية بواحدة، وترك الواحدة في الأخير، لأنها من منقوصاتِ كمالِ الرجالِ، وهو الخوف.

وهو القائل في قصيدة مشهورة، مطلعها:

يَا لَيْلُ الصَّبِّ مَتَى غَدُهُ***أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

رَقَـدَ السُّـــمَّارُ فَأَرَّقَـهُ***أسَـــفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

فَبَكاهُ النَّجْمُ ورَقَّ لـهُ***ممّا يَرْعَاهُ ويَرْصُدُهُ

ورُوِيَ عن إبن عطاءِ الله السكندري (1260 ـ 1309م) أنه سُئل عمّن لهم زوجة واحدة، فقال: مَن لم يسِـر على سُـنة الأكابر (يقصد الرسول ﷺ وصحبه) عَدَدناه من الأصاغر.

وقد أورد أبوحيان التوحيدي (922 ـ 1023م) في كتابه “البصائر والذخائر” عن أحدهم قوله: أردتُ أن أتزوج جارية بصرية (من مدينة البصرة) فقالت لرسولي: أريد أن أسمع كلامه، فقعدتُ قريبا منها، فقالت لي: أذكر ما عندك، قلت: عندي دنانير ودراهم وثياب، قالت: ما سألتك عن هذا، إنما سألتك عن الفراش! قلت: واحدة في أول الليل، وأخرى في السَّحَر، قالت: قم رحمك الله، فإنك إلى قبر أحوج منك إلى امرأة! قَصَدَت أنَّه ضعيف، وأنها لا تحتاجه.

ويُحكَى أنه قيل لأبي معروف الكرْخي (المتوفَّى 200هـ) ما الحكمُ في قومٍ زعموا الزهد فلا يتزوجون إلا واحدة؟ قال: لاشيءَ، أولئك مجانين، فمهما بلغوا من الزهد، لم يبلغوا مِعشار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

كما يُروَى عن الحجاج بن يوسف الثقفي (660 ـ 714م) أنه قال يومًا في مجلسه: لا يجتمع لرجل لذة، حتى تجتمع لديه أربع حرائر في بيته، فقام شاعر من أصحابه يقال له الضحّاك، فباع كل ما يملك، وتزوج أربع نساء، فلم توافقه واحدة منهن، فأنشد:

                                                تزوّجتُ أبغي قرة العين أربعًا***فيـا ليتنــــي والله لــــم أتـــزوج                                                 ويا ليتني أعمى أصم ولم أكــن***تزوجتُ بل يا ليتني كنتُ مخدج

 وقد وردت فتوى عن الشيخ محمد أبو زهرة (1898 ـ 1974م) تقول: إن “تقييد الزوجات بدعة دينية ضالة، لم تقع في عصر النبيﷺولا في عصر الصحابة رضي الله عنهم، ولا في عهد التابعين”

وقد وَرَدَ في تعدد الزوجات من سيَر الأولين، ما قد يفاجئك، ففضلًا عن أن الرسولﷺقد تزوج من 9 نساء، فالخلفاء الراشدون كذلك قد عددوا زيجاتهم، فأبوبكر تزوج من 5 ــــ وعمر بن الخطاب تزوج من 4 ــــ وعثمان بن عفان تزوج من 8 ــــ أما علي بن أبي طالب فتزوج من 9

أما عن زيجات الملوك والأمراء العرب في العصر الحديث، فحدّث ولا حَرَج، فمؤسس وأول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تزوج من 8 كما تزوج ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال من 4 أما الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فقد تزوج من 30 إمراة ـــ طيّب الله ثَرَاه.

عبد العزيز آل سعود - ويكيبيديا
الملك عبدالعزيز آل سعود

وأنت عزيزي القاري، ما رأيك في مسألة تعدد الزوجات؟


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

2 تعليقات
  1. حازم رضوان يقول

    مقال جميل

  2. غير معروف يقول

    اوافق ولكن الزمن فات