دولة كانت عربية لألف سنة.. وسقطت من ذاكرة التاريخ

قد تتعجبون من أن دولة كانت عربية ل1000 سنة، ثم طوَى التاريخ ذكراها في صفحاته المنسية، فمَن هي تلك الدولة؟ وكيف نشأت؟ وكيف إندثر تاريخها العربي؟

كان “عبد بن الجلندي” ملكًا على عُمان، حين قدِم إلى المدينة المنورة، بعد وفاة الرسولفأمّره أبوبكر على جيش من المهاجرين والأنصار، وسيّره إلى الشام لقتال الغساسنة الذين إرتدّوا عن الإسلام، فأيده الله بالنصر عليهم، فلما عاد إلى المدينة أقرّه أبوبكر الصديق، ملكًا على عمان.

وفي عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، حاول الحجاج بن يوسف الثقفي، ضم عُمان إلى مُلك الأمويين، فامتنع سليمان وسعيد – إبنا عبد بن الجلندي، فأرسل إليهم الحجاج جيشًا جرّارًا، لا قِبل لهم به، فبادروا بالفرار ومعهم مواليهم وذراريهم إلى “زنجبار”

على بُعد 35 كيلومتر إلى الشرق من ساحل تنزانيا حاليًا، على المحيط الهندي، يوجد أرخبيل يتكون من 52 جزيرة، أكبرهم هي جزيرة زنجبار، وتبلغ مساحتها نحو 2400 كيلومتر مربع، وهي ثاني أكبر جزيرة في شرق أفريقيا بعد جزيرة مدغشقر.

وكان العمانيون يسمون تلك البلاد: بر الزنوج، أو بلاد السواحل، وكانت تشتهر بزراعة القرنفل، وبطبيعتها الخلابة، والهادئة، ومصدرًا لجلب الرقيق، الذي كان تجارة رائجة آنذاك.

ويُستنتج من لجوء سلاطين عُمان إلى زنجبار، وكانت تلك الهجرة نحو سنة 690م، أنهم لم يكونوا أول العرب المهاجرين إليها، فهِجرتهم بأموالهم ومواليهم وذراريهم إلى زنجبار، لم يكن يتأتّى إلا إذا كانوا على بينة من أن في الجزيرة أمانٌ لهم على أنفسهم ودينهم وأبناءهم وأموالهم.

وفي سنة 1698 إستنجد أهل زنجبار بالسلطان العماني “سيف بن سلطان اليعربي” وهو إبن عمومة لذرية عبد بن الجلندي، من تجبّر البرتغاليين عليهم (أهل زنجبار) فهبّ إلى نجدتهم، وحارب البرتغاليين وطردهم من زنجبار، وضمها إلى سلطنته، وجعل زنجبار العاصمة الثانية بعد مسقط.

وفي سنة 1856 توفي السلطان سعيد البوسعيدي، وخَلَفَه ولداه، تويني على عُمان، وماجد على زنجبار، واستمر الوضع على هذا الحال حتى تنبهت بريطانيا وأزلامها لأهمية موقع زنجبار، كونها محطة لرحلاتهم عبر المحيط الهندي، من وإلى مستعمرتها في الهند، فقررت الإستيلاء عليها.

ثم أعلنت بريطانيا – زنجبار محمية بريطانية في سنة 1890 وصارت لها الوصاية على حكم زنجبار، حتى أنها قصفت قصر خالد بن برغش بن ماجد، وأحرقته، رغم أن خالدًا كان وريثًا شرعيًا للعرش في زنجبار، لأنه أعلن نفسه سلطانًا، دون إذن من بريطانيا.

قائمة سلاطين زنجبار

وكان مسلمون من بلاد فارس، قد وفدوا إلى زنجبار في زمن متقارب مع وفود العرب إلى الجزيرة، في الهجرات الأولى زمن الأمويين، وكان لهم نشاط تجاري واسع في زنجبار، وكانوا يُدعون بالشيرازيين، نسبة إلى شيراز من بلاد فارس.

وكان واقع الأمر أن سكان الجزيرة مقسّمون إلى ثلاث فئات، العرب العُمانيون وهم الحكام وملّاك الأراضي، والفرس وهم التجار والأثرياء، وسكان زنجبار الأصليون وهم العمال الكادحون.

فعمِد البريطانيون إلى إذكاء الفُرقة بين سكان الجزيرة، فأوعزوا إلى العرب أن ينشئوا الحزب الوطني الزنجباري، وإلى الفئتين الأخريين بأن ينشئوا الحزب الأفروشيرازي، الذي ضم الفرس والسكان الأصليين، وأذكَوا العداوة بين الحزبين.

وفي ستينيات القرن ال20 ساند جمال عبد الناصر الحزب الوطني الزنجباري، ذا التوجه القومي العروبي، مما أثار قلق إسرائيل من تنامي النفوذ القومي العروبي في عمق أفريقيا، فبدأوا في مساندة الحزب الأفروشيرازي بالمال.

أُقيمت اول إنتخابات برلمانية في زنجبار سنة 1963 وفاز بالأغلبية فيها الحزب الوطني الزنجباري، بقيادة السلطان جمشيد بن عبد الله البوسعيدي، وأصبحت زنجبار مَلَكِية دستورية، ولكن ذلك لم يرُق لبريطانيا وإسرائيل، فقررت إسرائيل التدخل.

بعد شهر من إعلان نتيجة الإنتخابات، وصل إلى زنجبار قادمًا من أوغندا “جون أوكيلو” ومعه 600 مقاتل من المرتزقة، مدعومين من بريطانيا وإسرائيل، وشقوا طريقهم إلى العاصمة “ستون تاون” وسرعان ما سيطروا عليها، وقاموا بمذبحة كبيرة، راح ضحيتها 12.000 عربي، ومَن بقِي حيًا من العرب، تم ترحيلهم قسريًا إلى عُمان.

ولم يُسمح للسلطان جمشيد بالسفر إلى عُمان، كما رفضت كينيا إستقباله، فوافقت بريطانيا على سفر السلطان وأسرته إليها، وأقام في لندن، ثم بورتسموث في جنوب شرق إنجلترا.

وبعد 36 عامًا في المنفى، أصدر رئيس جمهورية زنجبار عفوًا عن السلطان جمشيد، و ردّ إليه جنسية زنجبار، ودعاه للعودة إلى زنجبار، ولكن جمشيد رفض العودة، إلى أن تمكن في سنة 2020 من العودة إلى عُمان.

جناب السيد جمشيد يعود للسلطنة.. 4 أحداث فارقة وقعت في فترة حكمه بزنجبار – شؤون عمانية
السلطان جمشيد البوسعيدي

وكأنها دورة دارها الزمان على إمتداد حوالي 13 قرنًا، بين أول خروج للأجداد من عُمان تجاه زنجبار، وإقامتهم دولة عربية في تلك البلاد، ليعود آخر سلطان عربي لزنجبار، إلى أرض أجداده.. عُمان.

وقد يُلفت النظر هنا، تخاذل الدول العربية آنذاك عن نصرة زنجبار العربية، والتخلي تمامًا عنها، لتكون لقمة سائغة لبريطانيا وإسرائيل، والتساهل في فقدان دولة كانت عربية ل1000 سنة.

 

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد