الثورة التي سببها الشاي: كيف أصبح مشروب يعشقه المُستَعمِر سبباً في نيل الحرية للبلد المُحتَل؟
إذا كنت تريد طريقة وطنية للاحتفال بيوم الاستقلال في أمريكا، فلا تبحث أبعد من فنجان الشاي الساخن، فهو المشروب المحبوب الذي يحتفلون به في يوم مخصص، إذ يرتبط تاريخياً بذكرى التحرر من الاستعمار لأقوى قطب في العالم حالياً، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، فكما نعلم أنها كانت تحت استعمار بريطانيا لفترة طويلة، نعلم أيضاً أن الإنجليزيون يعشقون هذا المشروب حتى أنه أصبح جزءاً من هويتهم، فكيف أصبح معشوق المُستعمِر “الشاي” سبباً في حرية أميركا المُستَعمَرة وقتها؟ هذا ما سيجيبك عنه المقال.
قصة الغضب: من “مأساة بوسطن” وصولاً للسيادة
تبدأ قصتنا في القرن الثامن عشر وتحديداً في عام 1773، حين نشب جدلاً علنياً بشأن فرض بريطانيا للضرائب في المستعمرات الأمريكية الشمالية، وذلك عندما أقر البرلمان قانوناً اقترحه “لورد نورث” رئيس الوزراء البريطاني آنذاك والذي سمي بقانون الشاي.
في ذلك الوقت كانت لشركة الهند الشرقية الإنجليزية كمية كبيرة من الشاي الفائض، وبغرض مساعدة الشركة التي كانت في حالة مالية صعبة تقريباً، ولمنع تهريب الشاي الهولندي وتعزيز سلطتها في فرض الضرائب على المستعمرات، أقر البرلمان البريطاني قانون الشاي في 10 مايو/أيار 1773، حيث تم وفقاً للقانون فرض ضريبة على الشاي عند نقاط الدخول في الموانئ وتم إنشاء مكتب جمارك لتنفيذ ذلك، وقد هدفت بريطانيا أيضاً من خلال هذه الخطوة إلى تحميل المستعمرات التي كانت تحت سيطرتها تكاليف جيوشها وتكاليف العمليات العسكرية.
وفي تلك الفترة الزمنية وقبلها بقليل تعرضت السياسات البريطانية لاحتجاجات عنيفة في المستعمرات تناهض الحكم الإنكليزي، وأدت هذه الاحتجاجات إلى إلغاء معظم الضرائب المفروضة باستثناء “ضريبة الشاي” التي تحدثنا عنها، حيث الشاي كان السلعة الأكثر شعبية في أمريكا آنذاك، ونتيجة لذلك اشتعلت الاحتجاجات من جديد، خاصة في مدينة “بوسطن” حيث تصدى الجنود البريطانيون للمتظاهرين، وهذا أدى في النهاية إلى وقوع “مأساة بوسطن“.
بعد مرور ثلاث سنوات من تلك المأساة، وأثناء وجود ثلاث سفن تابعة لشركة الهند الشرقية في ميناء بوسطن، قام حوالي 50 ناشطاً بالتنكر كأعضاء في قبيلة هنود “الموهوك” وصعدوا على متن السفن، حيث قاموا بتفريغ حمولة الشاي في المياه، وأصبحت تعرف هذه الحادثة بـ “حفل شاي بوسطن“، وهي الحفلة التي كانت الشرارة التي أشعلت روح الاستقلال في أمريكا، فانتشرت أنباء “حفلة شاي بوسطن” لبقية الولايات وخرج سكانها في احتجاجات لم تهدأ إلا في عام 1776، وذلك عندما استقلت الولايات المتحدة الأمريكية في الرابع من يوليو سنة 1776، وتم بالفعل توقيع وثيقة الاستقلال عن بريطانيا من قبل 56 مندوبا يمثلون تلك المستعمرات في اليوم الثاني من آب من نفس العام.
قصة الحب: كيف تسببت امرأة برتغالية بجعل شعبٍ يغرم بمشروب معين؟
بعيداً عن الجانب السياسي، وقريباً من الجانب التاريخي والاجتماعي، يعتقد الإنجليز أن الصينيين هم من اكتشفوا نبتة الشاي ونقلوها إليهم، أي أنها المرة الأولى التي نظر الشعب الإنكليزي إلى الشاي فيها، وعلى الرغم من عدم خلو هذا الطرح من الدقة العلمية إلا أنه لم يرتبط الاثنان بالحب من أول نظرة، حيث تعود لحظة ارتباطهما الوثيق لسنين أبعد من ذلك التعارف الأولي، وبالضبط حينما أتت سيدة برتغالية ونقلت شغفها للشاي للشعب البريطاني بأكمله.
فالشاي أصبح جزءاً من التقاليد الغذائية والاجتماعية للبريطانيين، حتى أن كل الناس يتفقون على أن أي شخص يحمل فنجان شاي في يده ويظهر بملامح هادئة فإنه سيكون بالتأكيد إنجليزياً، وفي الواقع يرتبط الشاي ارتباطاً قوياً مع الثقافة الإنجليزية، وهو جزء أصيل منها، وقد أصبح مرتبطاً في أذهان العالم بالشعب الإنجليزي، ومع ذلك، تعود أصول هذه العادة إلى قصة لطيفة، ففي القرن السابع عشر وتحديداً في عام 1662، وافق الملك تشارلز الثاني ملك إنجلترا على الزواج من الأميرة كاثرين من البرتغال.
ويقال إن الأميرة كاثرين جلبت معها أوراق الشاي كجزء من تجهيزاتها الشخصية عندما انتقلت للعيش مع زوجها، ولكنها تفاجأت عندما اكتشفت أن الإنجليز يستخدمون تلك الأوراق في العلاج، وعلى الرغم من ذلك، لم تتخلى الملكة عن عادتها في شرب الشاي يومياً كما كانت تفعل في بلادها، فقلدتها حاشيتها، وقلدهم الناس، ومنذ ذلك الحين انتشرت عادة شرب الشاي في إنجلترا حيث يجتمع الناس للاستمتاع به، وأصبح الشاي ليس مجرد مشروب يعتقد أنه علاجيّ وحسب بل مشروباً اجتماعياً وثقافة وهوية.