في ٦٠ داهية.. وفي رواية «يا داهية خُدي الدَّاهية»!

بقلم- إبراهيم فايد

في ٦٠ داهية.. وفي رواية «يا داهية خُدي الدَّاهية»!

 

في ٦٠ ألف داهية -وبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ عْلاقة السَّبِّ والقذْفِ في أواسِطِ أُمِّ الدنيا بالعدد ٦٠- دَعُوني أحَدِّثُكم حَوْلَ تجربتي الشخصية مع هذِهِ العِبارَةِ السَّاحِرَةِ بِكُلِّ ما يعنيه السِّحْر ويَحويهِ مِن معانِ الرَّفاهية والانتعاش، ولَعَلِّي قصدْتُ بالسِّحْرِ هُنا شتَّى أدَبِيَّات الرَّواحَةِ وأبجديَّاتِ الغِبطَةِ والانْبِساطِ والانتشاءِ بعيدًا عَنْ خبايا الدَّجَلِ الأَسْوَدِ والشَّعْوَذاتِ المُحَرَّمَة.

 

«في ٦٠ داهية» بِسِّحْرها المُفْرِطِ وجَمالِها الخَلَّابِ عِبارةٌ كفيلةٌ لِإزاحة هُموم وغُموم كما الجِبال لِتُريحَ علَىٰ إثْرِها كواهِلَ وعواتِقَ وأعناقَ لَطالما أَرْهَقها الزَّمان وأكَلَ علَىٰ كَتِفِها الدَّهر وشرِب؛ فرُغْمَ بساطتِها هِيَ تُجَنِّبُنا عَناءَ الجِدالِ والمِراءِ واللَّمَضِ واللَّغَطِ والعَنَتِ والعِناد، تُجَنِّبُنا التَّحاوُرَ مع عقلياتٍ استباحَها التَّعَفُّنُ والتَّسَطُّحُ والعشوائيَّةُ والفُتُورُ والعَبَثُ؛ حتَّىٰ انْحَلَّ فيها الفِكْرُ وضَمُرَتْ بها الأدْمِغَةُ ودُمِّرَتْ فَتَهاوَتْ معها كافَّةُ فَرَضِيَّات التَّمَنْطُقِ والحُجَّةِ والبَيان.

 

«في ٦٠ داهية» عِبارةٌ تَقِينا شُرورَ النَّفْسِ البَشَريَّةِ الغارقةِ في وحْلِ الدَّناءةِ والوَضاعَةِ والانتهازيَّةِ والكِبْرِ والغُلُوِّ.. وعِلاوةً علَىٰ ما قِيل، فإنَّها كَذا عِبارةٌ ساحِرَةٌ كَوْنُها كفيلةً بِما يكفي لِفَضِّ كُلِّ بوادِرِ المُصالَحاتِ و”الطَّبْطباتِ” ومُحاولاتِ التَّرْضِيَةِ والإقناع المَشوبَةِ بِدَلالاتِ “السَّهْوكَةِ” والمَحْلَسَةِ بِداعٍ وَدُونَ داعٍ، أو كما يُقالُ في أقاليم المحروسَةِ «عَمَّال علَىٰ بَطَّال»!

 

ما بَيْنَ الحِينِ والآخَرِ تتعدَّدُ تجارُبي الشَّخْصيِّةِ مع سِحْرِ تِلْكُم الكلمة، فأُوقِنُ كُلَّ مَرَّةٍ أكثرَ مِن سابِقاتها أنَّها عِبارةٌ أعظمُ وأبدعُ وأَنْقَىٰ وأَبْهَىٰ وأكثَرُ رَشادًا واستِنارَةً عَنْ غيرِها من اصطلاحاتِ فَضِّ المَجالس والمُنازعات، ورُغْمَ شخصيتي الضعيفةِ -إلى حَدٌّ ما- أمام لَحَظاتِ البُعْدِ وبِدايات الفِراق.. شخصيتي تِلْكَ البريئةِ أمام الخِصام والهَجران، إلا أن الدَّلالةَ العظيمةَ لهذِهِ الكلمةِ -في ٦٠ داهية- تُزيحُ وبِقُوَّةٍ كُلَّ مُنَغِّصات الفِراق، بَلْ وتؤسِّسُ -علَىٰ طَهارةٍ- لِحياةٍ جَديدةٍ مليئةٍ بِكُلِّ وأيِّ وما ومَنْ يستحِقُّون التَّواجُدَ في مُحيطِ حَيَواتِكَ المِهَنِيَّةِ والعائليَّةِ والعاطفيَّةِ والمُجتمعِيَّة.

 

«في ٦٠ داهية»، أو «يا داهية خُدي الدَّاهية»، كلِمَتانِ خَفيفَتانِ علَىٰ اللِّسان، ثقيلَتان في القَلْب، حبيبتانِ إلى الوُجدان، مطَمْئِنَتان للعَقْلِ والذِّهْنِ والرَّوْحِ بما يكفي لِيَعيشَ الإنسانُ بعدَها في انْسِجامٍ نفْسِيٍّ ورَوْحِيّ؛ ولِذا تعَلَّموا أنْ تُطْلِقوها صريحةً بِكُلِّ بَسالَةٍ وبِمِلْء حناجِرِكُم في وَجْهِ كُلِّ مُتَمَرِّدٍ ناشِز.. «في ٦٠ ألف داهية» اِطْلِقوها -مِنْ صَميم قلوبِكُم- صَرْخةً بِالهواءِ لِيَعُمَّ أثَيرُها الأجْواءَ فتَكونَ هيَ الخَلاصُ مِنْ فانتازيا الفِراقِ ورُعْبِ النِّهايات ووَهَمِ الواهِمين!

 

#إبراهيم_فايد


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد