إبراهيم فايد يكتب: تمكين المرأة.. بين الواقع والمأمول!

بقلم – إبراهيم فايد

 

 

ونحن في خِضَمِّ أحداثٍ مُتَلاحِقَة تَمَسُّ في صَميمِها حرية المرأة ومَكانَتِها والامتيازات المُجتَمَعية المَطروحة لها، وغيرها من قضايا لا تكاد تنتهي حتى تَنشَبَ من جديد؛ فقد ارتأيت بِبَصيرتي المتواضعة لو سَلَّطت الضَّوْءَ على تلك القضية وما تتضمنه من مُتَطَلّبات فئوية تدور في ظاهرها حول توقير المرأة وتوفير سُبُلِ المساواة القانونية ومِن ثُمَّ المُجتَمَعية بما يسمح بتطبيقها على أرض الواقع ويضمن لها حياةً هانئة، وفي باطنها كذا بعض التَّخَوُّفات من أچندات أيديولوچية تَفُتُّ في نسيج وعَضُدِ الشعوب العربية والإسلامية، لِتَبْقَى هذه العبارة -تمكين المرأة- مُمَوَّهَةً مائِعَةً غير واضحة المعالم بعد أن قَوَتْ شَوْكَتَها بِفِعْلِ فاعِلٍ وفرضَت تَواجُدَها طِيلَةَ عَقْدٍ كامل تَوَطَّدَت خلاله على الساحة الإعلامية وفي الجلسات الثقافية والبرلمانية وحتى في اجتماعات الحُكومات.

 

بادِئ ذي بَدءٍ، يجب أن نتفق حول كَوْنِ المرأة -شِئنا أم أبَيْنا- هي عِرضُ الرجل وشَرَفُهُ الذي يسعى لِصَوْنِهِ واحتواءِهِ -وفي بعض الثقافات- مُواراتِهُ عن أَعْيُنِ الخَلْقِ كمبادئ عربية أصيلة تخَضَّبَت بِتَعاليم الدين الحَنيف الذي يحُثُّ كثيرًا على الحِشمة والتَّسَتُّرِ والدَّماثَةِ بعيدًا عن دَياثَةِ العادات والمُعاملات لا سيَّما في مجتمعاتنا الشرقية التي لا زال الأغلب الأعَمُّ فيها مُتَمَسِّكًا بثقافته المُنغَلِقة -وإن شئت فَقُل المحافِظة- فيما يَخُصُّ حُدودَ المَسموح للنساء من أهل بيته وخاصَّته، ولعل هذه المظاهر على مَدار التاريخ تم تفسيرها زُورًا وبهتانًا بتهميش وإهانة وتحجيم المرأة وإقصاءها والالتفاف على حقوقها وحُرِّيَّاتها؛ ما دفَعَ لِبُروزِ فكرة «النسوية» التي راحت تطارد هذه الثقافات المحافِظة في مَشارِقَ الأرض ومَغارِبَها بكلماتها المُنَمَّقَةِ تارَةً وشِعاراتِها البَرَّاقَةِ تارةً أُخرى عَلَّها تجد مَن تستقطِبُهُ مِن ضِعاف النُّفُوس والعُقول.

 

ولَعَلَّ الواقع يتغير سريعًا والثقافات تتبَدَّل والأهواء تتفاوت ما بين قَرنٍ وآخَرَ وعِقْدٍ والذي يَليهِ بل وما بَيْنَ عامٍ وعامٍ نَجِدُ مُستَحدَثاتٍ قد شاعَت وبَزَغَت شَمْسُها وبِالمُقابل ثَوابِتَ أُخرى اندثرت وباتَتْ طَيَّ النِّسْيانِ، وهو ما أصابَ الشرق الأوسط بِرُمَّتِه وأصبحت العادات الراسخة شيئًا مِن أطلال الماضي إلا ما رَحِمَ ربي، ولقد كان مِن آثارِ ذلك ما فَطِنَت إليه الحكومات العربية مِن تمهيد الطريق لتتسَيَّدَ المرأة وتتسَلَّمَ دَفَّةَ القيادة في عَدَدٍ من المَهام والكيانات والمؤسسات على اختلافها، وليس هذا بجديد على بعض البُلدان العربية مثل مصر على سبيل المثال التي ومنذ فَجْرِ التاريخ تقَلَّدَت المرأة فيها مَناصِبَ عُليا حتّىَ أنّها اعتلَتْ سُدَّة الحُكْمِ للإمبراطورية الفرعونية، لكن المُلْفِتَ في المشهد أيضًا ما آلَتْ إليه الأوضاع في خليجنا العربي مِن فَتْحِ أبوابِ الحُرِّيَّات على مِصراعَيْها بعد أن أُغْلِقَت قرونَ عِدَّةً، وما كان مَسْكوتًا عنه أصبح يُمارَسُ ويُناقَشُ علانِيَةً وتَحَوَّلَ المجتمع لِتُرُوسٍ هائِلَةٍ في آلة دعم المرأة عَلَّها تَصِلُ أعلى صُروحَها العِلمية والعَمَلية في وقت مُتسارِعٍ للغاية.

 

في النهاية، لا شَكَّ جميعنا يسعى ويسعد بتعليم المرأة وتَمكِينَها ودَعمَها لِتُحَقِّقَ طموحاتها الأكاديمية والمهنية بما يَصُبُّ بالأخير في نشأة جِيلْ واعٍ قادِرٍ على حِياكَةِ رِداء حضارة وصُنعِ نهضة فائقة، وليست المرأة بأفقرَ حالًا من أن تُثبِتَ كفاءَتها في هكذا مَهامٍ ومسؤولياتٍ بل إنها في كثير من الأحيان تَسْبِقُ الرجلَ بِحِرصِها الشِّدِيد على المصلحة العامّة وتطبيقها لوائِحَ المؤسسة بِحَذافيرها دُون استهتار وتَراخي، لكنّا وفي الوقت ذاته نَشْجُب ونُدين ونرفض ونُحارِب كافَّةَ محاولات استغلال ذاك الانفتاح في التلاعُبِ بِأصالَةِ المرأة العربية وتقاليدها وقِيَمِها السَّامِيَةِ ودفْعِها للتَّمَلُّصِ البَغيضِ من الهوية العربية الإسلامية والانسلاخ مِن جُذورِنا الثقافية الشرقية التي ترعى وَقارَ المرأة وتَذُودُ عنها ضِدَّ چُلِّ وأي محاولات توريطها في طريق اللاعودة!

 

#إبراهيم_فايد


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد