هل انتهى زمن الزعيم؟

فى نهاية التسعينيات، كان واضحا أن وجه الحياة في مصر يتغير، اطباق صغيرة تنتشر فوق أسطح المنازل وجهاز يدعى البوستر لأستقبال بضع قنوات أقليمية تكسر ملل واحتكار القناة الأولى والثانية، تضيف إليها رطوبة الصيف قنوات أخرى من دول قريبة صديقة وغير صديقة، بعضها محترم والأخر للكبار فقط..

ثمة علامات مميزة في خريطة الترفيه حينذاك، تتناثر اعلانات مسارح القاهرة.. “فيما يبدو سرقوا عبده”، “باللو”.. “وداعا يا بكوات”.. “بهلووول في إستنبووول”.. “ماما أمريكا”، لكن يظل اعلان مسرحية “الزعيم” على مسرح الهرم هو الأهم..

تنتقل “الزعيم” إلى الأسكندرية صيفا، وينقل عادل أمام مقر أقامته إلى فيلا كانت بالاضافة إلى حفل عمرو دياب إحدى علامات شاطئ العجمى، بينما مارينا لاتزال مجرد اسم يحاول فرض نفسه على استحياء..

بالصدفة طلبت مديرة المسرح ذات يوم من عادل أمام اثناء جلوسه داخله، تقديم دورا في رواية “انا وهو وهى”، كان دورا ناقصا والأهم صغيرا، اثناء اداء البروفة تعرف عادل أمام الذى كان ممثلا مغمورا لا يعرفه أحد لأول مرة على فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى، على مسرح الأوبرا كان الافتتاح، من أول طلة خطف ضحكة الجمهور، مع كل ضحكة كان يتمادى في الارتجال وكلما تمادى كلما ضحك الجمهور أكثر، نزل من على المسرح بعد ان استقر داخل قلب الجمهور، بمساعدة فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى حجز مساحة لائقة من دور السنيد في فترة أعمال الأبيض والأسود..

بعد دور جماعى في مدرسة المشاغبين بدأ دور النجم الأوحد في “شاهد ما شفش حاجة”، ثم “الواد سيد الشغال”، ولم ينتهى حتى يومنا هذا..

على الشاشة الصغيرة ابدع في “دموع في عيون وقحة” و”احلام الفتى الطائر”، طمع في دور “رأفت الهجان” لكنه استقر في حجر محمود عبد العزيز..

بالتدريج انتقل من دور السنيد إلى دور البطولة المطلقة ونجم الشباك الأعلى أجرا..

لأن النجومية لم تعد تقبل القسمة على اثنان تجاوز علاقة الثنائى مع سعيد صالح في السينما ليمنح الدور الثانى في افلامه إلى نجوم من الصف الأول أمثال حسين فهمى في اللعب مع الكبار وفاروق الفيشاوى في حنفى الأبهة..

اصبحت مصر كلها تنتظر بفارغ الصبر فيلم العيد لعادل أمام، لم تتوقف محبة صافية استولى عليها عند مستوى الحرافيش مثل سعيد صالح، تجاوزت علاقاته كل الخطوط الحمراء، فقرر في لحظة ذكاء الانحراف عن ادوار الضحك لمجرد الضحك إلى ادوار الضحك على الفقر والظروف والسياسة..

انتقل إلى مرحلة اختيار السيناريو واختيار البطلة، وفر اسم عادل امام لكاتب مثل وحيد حامد مساحة حرية اضافية للابداع بجرأة، اصبحت مشاهد الاغراء أمام الزعيم حلم كل ممثلة، انتقل من احضان الهام شاهين في فيلم “الهلفوت” إلى سهير رمزى وإيمان، استبدل رقة شيرين في “الأرهابى” بجرأة نيكول سبأ في “التجربة الدنماركية”، وصلت كمية الحرية في “عمارة يعقوبان” والمسخرة في “الواد محروس بتاع الوزير”، إلى السقف..

رفض نجاح الموجى ذات يوم دور سعيد صالح في “سلام يا صاحبى” بسبب تعديل السيناريو كما رفض محمود ياسين واحدا أخر لانه لن ينفع ان يكون رقم اثنين إلى جوار عادل أمام..

دبت الغيرة في جيل الزعيم واستمرت بينما ازدادت ثقة هذا الأخير في نفسه بعد نجاح كل فيلم..

بجرأة استدار إلى دكة الكومبارس ليصنع ممثلين لأفلامه.. علاء ولى الدين.. هنيدى.. طلعت زكريا.. أحمد أدم وغيرهم..

تسلل الكومبارسات من افلام الزعيم ليصبح كل منهم نجم شباك، بعد “اسماعيلية رايح جاى” أتت الفرصة الحقيقية لمحمد هنيدى في “صعيدى في الجامعة الأمريكية”، ثم “همام في امستردام”، لم يقبل هنيدى أداء دور أحد الجواسيس الذين يتتبعون عادل امام في “رسالة إلى الوالى” لأن حجم الدور لم يعد يناسب نجوميته فكانت فجوة مع الزعيم لم تطأ قدم هنيدى بعدها فيلا العجمى..

اعتذر الشحات مبروك عن دورا في فيلم “شمس الزناتى” لأن نجوميته ستتبخر في حضرة الزعيم بينما رفض طلعت زكريا توجيه الزعيم له أثناء تصوير احد المشاهد قائلا “انه بطل ولن يعمل مع عادل امام مرة ثانية”..

فجأة في صيف عام ٢٠٠١ سرت موجة من انتشار اطباق الدش، كان السبب بطولة للقارات يشارك فيها منتخبنا القومى بعد كرم من “ربنا” هبط على حسام حسن في أمم افريقيا ١٩٩٨، لكن المنتخب لم يقطع عادتة في النكد على الجمهور، بخمسة أهداف نظيفة أمام منتخب السعودية الشقيق رحل الجنرال محمود الجوهرى عن تدريب المنتخب لأخر مرة في حياته بلا رجعة، لكن الريسيفر اصبح واقعا في متناول المواطن المصرى متوسط الحال، سواء بعروض التخفيض أو التقسيط، تعرف الجمهور على هالة سرحان ومحمود سعد، ادمن برامج التوك شو، ازدادت مع الوقت قائمة قنوات الريموت كنترول من المزيكا إلى قنوات لأفلام أجنبية تبث ارسالها طوال الأربعة وعشرون ساعة، لم يقف الشعب المصرى عاجزا أمام اشتراك القنوات المغلقة، ابتكر كروت فك الشفرة واخترع الوصلة..

انتهى عصر شرائط الفيديو، اصبح الربح المادى مقتصرا على شباك تذاكر السينما وحقوق العرض على قنوات فضائية تبخس مشاكل القرصنة ومواقع النت من مقابلها المادى..

كابر الزعيم، شد لجام النجومية في السفارة في قلب العمارة، نجحت جرأة سيناريو وحيد حامد في “عمارة يعقوبيان” الذى احتاج إلى موافقة رئاسية بالقلم الأحمر للمرور من الرقابة، في شد اللجام أكثر وأكثر..

نهض من كبوة “بوبوس” ليبتلع ريقه بنجاح “زهايمر”..

كان الحديث عن انتهاء زمن نجومية عادل امام كلام معاد ينفض بمجرد نجاح الزعيم كل مرة..

رضوخا لحسابات انتاجية استجاب متأخرا للعودة إلى الشاشة الصغيرة التى سبقه إليها غريمه السابق محمود عبد العزيز، استعاد بريق النجاح في “فرقة ناجى عطا الله”، اقتنع ان صحته ولياقته لم تعد تنفع في ادوار الحركة، استوعب ان للشاشة الصغيرة وقارا لن يتناسب مع عدد مشاهده الساخنة، لم يعد هناك فيلم للعيد أو صحة تسمح بالوقوف على المسرح لكنه قدم ثمانية مسلسلات في رمضان لاقت كلها نجاحا معتمدة على اسم عادل أمام..

فجأة غاب الزعيم عن السباق الرمضانى لعامين متتاليين، اختفى من الساحة وسط اشاعات تنال من صحته يخرج أحد افراد اسرته لتكذيبها بين الحين والاخر ليعود مرة أخرى السؤال..

هل انتهت نجومية الزعيم ؟


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد