المخدرات والفن.. من سيد درويش إلى شقة التجمع

اول من عرف صناعة واستخلاص الافيون من زهرة الخشخاش كان الفراعنة، انجاز اخر يضاف إلى خمسة ألاف عام من الحضارة..

فى مرحلة لاحقة، وبوازع دينى بدأ استخدامه على نطاق أوسع بين العامة في عهد المماليك كبديل مقبول أخلاقيا عن الخمر..

بجبروت، اجبر المصريين جنود (نابليون) على ادمان الحشيش بدلا من الخمرة، حاول هذا الأخير منعه وقفل القهاوى التى تبيعه لكن انتقل الحشيش عن طريق الجنود الفرنسيين إلى فرنسا نفسها..

رد المصريين جميل الاحتلال الفرنسى ببصمة بارزة على مزاج الفرنسيين استمرت حتى يومنا هذا..

نكاية في المماليك، حاول محمد على في بداية حكمه منع زراعة الحشيش في صعيد مصر، في النهاية أستقدم مؤسس مصر الحديثة الخبراء من أزمير لزراعته وأستخلاص الافيون منه وتصديره من اجل الاستعمال لاغراض طبية..

اثناء الاحتلال البريطانى وكبديل أرخص، دفع الحشيش الناس إلى هجرة الخمور البريطانية الباهظة الثمن..

حاربت بريطانيا العظمى الحشيش، حاولت منعه هى الأخرى، لكن اعتبارات الكيف المصرى لم ترضخ للاحتلال، بصدر عارى تصدر المشهد الدكتور (غلوش) رئيس احدى الجمعيات الخيرية قائدا لحملة منظمة في الصحف تدافع عن الحشيش وتستنكر اباحة الخمور وتحريمه..

لم تفشل فقط الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس في منع الحشيش، دخل ايضا الكوكايين مصر على ايد الاجانب بعد الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م ليباع في الصيدليات، اصبح تجارة شرعية مقننة تحت سمع وبصر الحكومة، وصل الأمر إلى تلقى بعض العمال اجرها اليومى كوكايين وافيون..

على صفحات روزاليوسف عام ١٩٦٠م وفى حوار مع “صلاح عبد الصبور” جاء رد “عبد الوهاب” بعد سؤال عن “سيد درويش” قائلا بالنص.. (بياكل المخدرات..٣ ايام بياكل مخدرات و٣ ايام بيألف.. وانا شفت سيد درويش بياكل معلقة كوكايين في حين ان الناس بياخدوا منه شمّة.. ودرويش كان بياكل المخدرات عشان ينام.. وبينام عشان ينتج.. ولما ينتج يكافيء نفسه بمعلقة كوكايين)..

حاول ابن “سيد درويش” رد شرف والده، رفع قضية ضد “صلاح عبد الصبور و”محمد عبد الوهاب” ومعهم “احسان عبد القدوس” مالك روزاليوسف”، كان الاتهام الرئيسى التعمد بالإساءة إلى تاريخ “سيد درويش” وعائلته..

خسرها لان بكل بساطة لم يكن سرا على احد ان “سيد درويش” كان يتعاطى المخدرات فعلا في فترة زمنية اباحت فيها الحكومة تداولها قبل ان تدرك في خطوة متأخرة خطورة الأمر وتصدر عام ١٩٢٩م قرار انشاء مكتب مكافحة المواد المخدرة..

غنى المطرب الشهير (بوب عزام) مقطعا في اغنيته الاشهر (مصطفى يا مصطفى) للحشيش، في حوار صحفى اجراه “رجاء النقاش” مع “نجيب محفوظ” ذكر هذا الأخير قصته مع الحشيش وكيف انه القى به من جيبه بعد تفجير سينما (مترو) وانه اضطر الى التخلى عن شربه بعد تشديد الحكومة على التفتيش عنه حتى وصل الامر إلى التفتيش داخل البيوت..

فى محطة المخدرات والشهرة الأخيرة اتت “شيرين عبد الوهاب”..

مع بداية صيف ٢٠٠١ كان المركز الثانى خلف “عمرو دياب” عبارة عن مساحة واسعة يتنافس داخلها العديد امام “محمد فؤاد” لكن هذا الاخير ظل ثابتا على موقفه..

على غفلة، دخل المنافسة “محمد محى”، ظهر بعد طول غياب بألبوم ناجح كسر كأبتة اغنية “فريحى” أداها بصحبة صوت شقى ينبض حيوية لفتاة لا أحد يعرف عنها شيئا..

بعد بضعة اشهر مع مطرب أخر مجهول يدعى “تامر حسنى” قدمت الفتاة البوم مشترك، نجح الألبوم وخرجت “شيرين” الفتاة الشعبية إلى عالم أخر..

طوال اعوام تالية استمر نجاح “تامر حسنى” و”شيرين”..

مع الوقت صارت “شيرين” في منطقة خاصة مع “انغام” و”اصالة” لكنها الافضل بين الثلاثة..

كلما غنت “شيرين” اثبتت انها سيدة غناء هذا العصر في مصر، لكن كلما تكلمت أغضبت الجميع..

كانت الموهبة حاضرة لكن الذكاء الأجتماعى كان واضحا انه غائبا..

بسبب ذلة لسان عن النيل على مسرح المغرب هاجت الصحافة، اضافت إلى خلاف مع “نصر محروس” خلافات لا حصر لها اخرها استياء اسرة “حسن ابو السعود” بسبب كلامها عن شكله..

حطم “حسام حبيب” اخر ما تبقى من اتزان “شيرين” الاجتماعى، فتى جميل في كفة وامرأة بتعليم بسيط قادمة من وسط شعبى أثار شهيتها الفتى في كفة أخرى..

حسم نجاح وثروة “شيرين” القصة، حب وزواج ثم طلاق..

تحول الحديث همسا عن تناول مهدئات إلى فضيحة ادمان وتعاطى علنية..

انتقلت أم “شيرين” وشقيقها من خانة اسرة ترى صالح ابنتها في ان العلاج من الادمان لا يخضع إلى حرية قرار، إلى خانة أكبر جريمة انسانية في مجتمع يعشق الفضيحة مثل عينيه..

دمرت الاسرة سمعة مطربة مصر الأولى، وصمتها بعار شقة التجمع الخامس حتى أخر العمر، حولت مستقبلها إلى أحتضار طويل بطئ ومؤلم..

مرة اخرى كانت ثروة “شيرين” عامل مؤثر في حسابات الصراع بين اسرة “شيرين” و”حسام حبيب”..

فى قمة النجاح الفنى تزوجت “ويتنى هيوستن” رجلا استنزف ثروتها ودمر حياتها، جرها إلى ادمان نهش صوتها وأكل ذاكرتها..

فى طريق الخروج من الأزمة خضعت لعلاج الأدمان،
عادت “ويتنى هيوستن” لكن امرأة اخرى أكبر سنا واقل حيوية..

عافرت لتستعيد اضواء الشهرة لكن خبر وفاتها بسكتة قلبية ناجمة عن جرعة زائدة كان اسبق..

لحقت بها ابنتها بعد عامين بجرعة مخدرات زائدة هى الأخرى ليحصل الزوج النذل على ثروة “ويتنى هيوستن”..

بدأت “شيرين” بعد عشرون عاما من بداية “عمرو دياب” واستمر كلاهما لعشرون عاما أخرى..

لازال “عمرو دياب” ثابتا على القمة محافظا على نجاحه بينما “شيرين” لا أحد يدرى هل تخرج من النفق المظلم ام تكون تلك اخر محطة لها قبل ان تلحق “بويتنى هيوستن”..


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد