شهدت الولايات المتحدة الأمريكية سيول وأمطار غزيرة خلال الأيام القليلة الماضية، تسببت في فيضانات عنيفة بمدينة نيويورك، وقد أخذت السلطات فيضانات نيويورك على محمل الجد، بعدما تسبب الإعصار “إيدا” في مقتل 13 شخصا في سبتمبر 2021.
سيارات غمرتها مياه الفيضانات على إحدى طرق نيويورك-المصدر:أ.ف.ب
ووفق ما أعلنت كاثي هوكول حاكمة ولاية نيويورك الأمريكية، أن فيضانات نيويورك والأمطار الغزيرة التي شهدتها المدينة الأيام الماضية، هي تبعات التغيرات المناخية، ومن المرجح أن تمثل”الوضع الطبيعي الجديد”.
وأكدت كاثي في كلمة لها: “بالطبع نعلم أن هذا ناجم عن تغير المناخ، هذا للأسف ما يجب أن نتوقع أن يكون الوضع الطبيعي الجديد”.
حالة طوارئ
وقد شهدت مدينة نيويورك أمطارا اقترب منسوب مياهها من 20 سنتيمترا على بعض أجزاء المدينة، وهي الأكثر ازدحاما بالسكان في الولايات المتحدة الأمريكية.وأعلنت السلطات حالة الطوارئ، وأفادت أن ذلك يسمح بتخصيص الموارد بشكل أسرع للتعامل مع الأزمات، وستضل حالة الطوارئ سارية المفعول خلال الستة أيام المقبلة.
I am declaring a State of Emergency across New York City, Long Island, and the Hudson Valley due to the extreme rainfall we’re seeing throughout the region.
Please take steps to stay safe and remember to never attempt to travel on flooded roads.
— Governor Kathy Hochul (@GovKathyHochul) September 29, 2023
وقد أحدثت فيضانات نيويورك حالة من الخوف والقلق بسبب غزارة الأمطار حتى أن المياه كانت كافية لكي يسبح فيها إحدى حيوانات أسد البحر بحديقة حيوان (سنترال بارك لبعض الوقت خارج حدود حوض السباحة الذي يسبح به.
كما تسببت فيضانات نيويورك في غرق جزء كبير من المدينة بما فيها الطرق السريعة والحافلات، ومحطة مترو الأنفاق العملاقة، حيث تم إغلاق العديد من الخطوط المركزية في بروكلين. فيضانات نيويورك تغرق مترو الأنفاق
وقالت الشركة المشغلة عبر منصة إكس “نواصل إزالة المياه الناجمة عن الفيضانات في عدة محطات في بروكلين ومانهاتن”. كما أعلن مطار لاغوارديا في نيويورك أن جميع وسائل الوصول إلى المحطة “A” مغلقة حاليا.
توقعات ومناشدات
وقالت عضو الكونجرس الديموقراطية عن ولاية نيويورك ألكساندريا أوكازيو كورتيز إلى ناخبيها، عبر رسالة بالبريد الإلكتروني، إن هطول الأمطار يتراوح ما بين 5-12 سنتيمترا في أحياء ماهاتن وكوينز، مع استمرار توقع هطول أمطار يراوح من 5-7 سنتيمترات حسب المنطقة.
وأعلنت السلطات حالة الطوارئ في أنحاء مدينة نيويورك ولونج آيلاند ووادي هدسون بسبب فيضانات نيويورك، كما ناشد المسئولون سكان بعض المناطق في مدينة نيويورك بالابتعاد عن الخروج إلا في حالة الفرار من المناطق التي غمرتها فيضانات نيويورك، ولم ترد تقارير عن وقوع وفيات.
ووفق هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية، فإن الطقس العنيف ناجم عن نظام ضغط منخفض على طول ساحل وسط المحيط الأطلسي، يسحب الهواء الرطب من المحيط “ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة على المناطق الشمالية والشرقية”.
التغيرات المناخية تنذر الجميع
أصابع الاتهام تشير إلى التغيرات المناخية في معظم الكوارث الطبيعية التي تحدث مؤخرا، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن تبعات التغيرات المناخية باتت أكثر عنفا دون أن تعرف ضوابط، ووفق تقرير علمي صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ IPCC والمنشور بموقع برنامج الأمم المتحدة فإن التغيرات المناخية التي تحدث حاليا في الكرة الأرضية غير مسبوقة من مئات وربما آلاف السنين، ورصد التقرير بعض تلك التغيرات مثل ارتفاع مستوى سطح البر وارتفاع درجات الحرارة.
وأشار التقرير إلى دور النشاط البشري واستخدام الوقود الأحفوري واستنزاف الموارد الطبيعية في النشاط الصناعي أدى إلى زيادة معدلات انبعاث الغازات الدفيئة وأضر بالنظام المناخي، وأضاف التقرير أن البشرية ما زالت أمامها فرصة لتصويب ما اقترفته في حق المناخ والنظام البيئي على الكرة الأرضية، من خلال خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى للحد من تغير المناخ.
تحذير أممي
وذكر التقرير أن درجات الحرارة العالمية ستستغرق من 20 إلى 30 عاما لتستقر، بعد أن أظهرت البيانات أن شهر أغسطس 2023 هو الشهر الثالث على التوالي الأكثر حرارة في نصف الكرة الأرضية الشمالي منذ بدء التسجيل للبيانات في عام 1940، فقد وصل الارتفاع في درجات الحرارة إلى حوالي 1.5 درجة مئوية من متوسط درجات الحرارة ما قبل الثورة الصناعية.
يذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة قد حذر منذ أشهر قليلة من تداعيات التغيرات المناخية ووصف بأن كوكب الأرض يشهد حاليا “انهيارا مناخيا” وهو تحذير أممي ينذر بخطورة الأمر.
ومن جانبها ذكرت “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” أن صيف هذا العام بنصف الكرة الأرضية الشمالي كان الأكثر سخونة، وتسبب حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي لأغراض النشاط البشري في ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، كما لعبت ظاهرة “النينو”، وهي ارتفاع مؤقت في درجات الحرارة في أجزاء من المحيط الهادي تحدث بشكل طبيعي، دورا أيضا في رفع درجة الحرارة العالمي، فقد وصل متوسط درجات حرارة سطح البحر إلى مستوى قياسي في أغسطس الماضي عند 20.9 درجة مئوية.
ويقول الدكتور سمير طنطاوي الخبير المناخي وعضو الهيئة الحكومية العالمية لتغير المناخ، أن الأجواء غير الطبيعية التي يعيشها العالم حاليا من فيضانات وأعاصير وزلازل وجفاف هي أحد مظاهر التغيرات المناخية، وقد تشهد بعض المناطق أول مرة مثل هذه الظواهر الطبيعية، مثل إعصار دانيال في ليبيا وأيضا الفيضانات في بعض أنحاء الكرة الأرضية، مثل أمريكا، ومن المتوقع أن تأتي أشد عنفا بسبب تداعيات التغيرات المناخية.
دكتور سمير طنطاوي عضو الهيئة الحكومية العالمية لتغير المناخ -المصدر:عدسة نجوم مصريةالجهود الدولية
وهنا يشير دكتور طنطاوي إلى ضرورة تضافر الجهود العالمية لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية وتداعياتها التي تؤثر على الحياة على سطح الكرة الأرضية، فقد حان الوقت للدول الصناعية الكبرى، المتسبب الأساسي في التغيرات المناخية أن تلتزم بتمويل قضية المناخ، خاصة وأن تداعيات المناخ تؤثر على الدول النامية بشكل مضاعف، نظرا لكونها لا تملك القدرات المالية والتكنولوجية لمواجهة آثار تغير المناخ والتكيف معها.
فعلى سبيل المثال، فقد أدت التغيرات المناخية في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى عام 2022 إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وارتفاع أعداد الأفراد الذين يعانون سوء التغذية الحاد إلى 123 مليون شخص، فيما وصل العدد إلى 27 مليون شخص غرب إفريقيا، وأدت الكوارث المناخية إلى نزوح 305 آلاف شخص من شمال إفريقيا حَسَبَ التقرير العالمي للنزوح.
وقد تكون قمة المناخ العالمية”كوب28″ القادمة والمقرر عقدها نهاية نوفمبر القادم في دبي، فرصة جديدة لدول العالم لتفعيل كثير من الخطوات نحو إنقاذ كوكب الأرض من تداعيات كارثية لم تعد تتحملها البشرية وكافة الكائنات الحية.
