أكثر التجارب العلمية جنونًا (الحلقة الثالثة)

خلال الحلقتين السابقتين تم استعراض تجربة ميلغرام في الحلقة الأولى والخاصة بدراسة طاعة الأفراد وقدرتهم على تحقيق الأذى بآخرين من خلال أوامر السلطة، وكذلك في الحلقة الثانية تم استعراض تجربة “نيكولاي مينوفيتشي” والذي قام بشنق نفسه 12 مرة لدراسة تأثيرات الشنق على جسم الإنسان. وفي هذه المقالة نستعرض تجربة علمية أخرى هي تتشابه لدرجة ما مع تجربة ميلغرام وهي:

تجربة سجن ستانفورد

المصدر: prisonexp.org

تجربة سجن ستانفورد Stanford prison experiment:

كانت التجربة بمثابة محاولة لعمل الاستقصاء عن الأثر النفسي الخاص بالأّسر والظروف الحياتية الحقيقية بالسجن، وقد تمت التجربة في الفترة من 14 إلى 20 أغسطس من عام 1971، وكانت التجربة تحت إشراف وقيادة “فيليب زيمبارود” ومجموعة من الباحثين من جامعة ستانفورد.

وقد قامت المجموعة بأداء دور الحراس والسجناء متطوعين لمحاكاة حياة السجن تمامًا، إلا أن التجربة خرجت عن حدود السيطرة مما أدى إلى إيقافها، حيث إنها تجاوزت الجانب الأخلاقي وتم تشبيهها بتجربة ميلغرام والتي هي الأخرى أُجريت في عام 1963 تحت إشراف الدكتور ستانلي ميلغرام، في جامعة ييل.

هدف تجربة سجن ستانفورد

كانت الجهة الممولة للتجربة هي البحرية الأمريكية لفهم طبيعة الصراعات في داخل نظام السجون، وقد تم الإعلان عن هذه التجربة في الصحف من أجل انضمام مشاركين مقابل 15 دولار يوميًا، للمشاركة في المحاكاة مع حياة السجن لمدة أسبوعين، وهو مبلغ كبير إذا ما قورن بقيمة الدولار آنذاك.

إجراءات تجربة سجن ستانفورد:

اختار قائد الفريق زيمبارود 24 مشترِك كانوا هم الأكثر ملائمة من حيث طبيعة استقرارهم النفسي، والصحة البدنية، وكان أغلبهم من أصحاب البشرة البيضاء ومن الذكور ومن الطبقة الوسطى، وكان جميعهم بلا استثناء من طلاب المرحلة الجامعية.

وقد تم تقسيمهم إلى مجموعتين بطريقة عشوائية متساويين من حيث العدد بين حراس السجن ومساجين، وقد ظن المساجين أنه تم اختيارهم بناءً على طبيعتهم الجسدية الأكبر، ولكن في حقيقة الأمر أن الفرز تم من خلال القرعة بقطعة نقود، ولم يكن هناك فروق موضوعة للتمييز بين الفريقين.

وقد تم إعداد السجن في قبو داخل جامعة ستانفورد، وقام زيمبادو بوضع مجموعة من القيود على المشاركين لضمان منع الهذيان والاختلالات في الشخصية، وانتفاء الهوية الأصلية للفرد داخل هذه التجربة.

وقد كان لدى كل حارس سجن عصى شرطة، وزي تم اختياره من محل أزياء عسكرية، وكذلك تم تزويدهم بنظارات عاكسة حتى لا يمكن للمساجين التواصل البصري مع الحراس، وهذه الفكرة الخاصة بالنظارة العاكسة جاءت لزيمباردو من خلال أحد الأفلام، وكانت هناك ميزة للحراس أنهم يعملون على شكل دوريات فيعودون لمنازلهم بعد دوريتهم، ولكن بعض الحراس تطوعوا للعمل ساعات إضافية رغم أنها بدون أجر.

وفي المقابل المساجين يعيشون حياة السجن بالكامل، وكان عليهم أن يلبسوا ملابس فضفاضة بلا ملابس داخلية، وصنادل مطاطية، وكان يرى زيمبارود أن هذا سوف يجبرهم على مزيد من التأقلم مع عادات جسمانية مزعجة وغير مألوفة، وتم ترميز كل سجين برقم بدلًا من الاسم الخاص به، وتم خياطة الأرقام على الملابس، ويعتمر السجين قبعة من النايلون ضيقة لتبدو رأس السجين وكأنها محلوقة تمامًا، ووضِعت كذلك سلسلة صغيرة عند كاحل السجين لتذكيره دائمًا أنه مسجون ومضطهد.

وقبل اليوم السابق لبدء التجربة، تم جمع الحراس لاجتماع تمهيدي لكن لم يتم تلقينهم بأي توجيهات، باستثناء فقط عدم السماح باستخدام أي عنف جسدي، وأن إدارة السجن مسئوليتهم بالكامل ويديروه كيفما يشاؤون.

وتمحورت التوصيات للحراس من خلال زيمباردو فيما يلي:

«أنه يمكنهم أن يساعدوا السجناء على الإحساس بالخمول مع درجة من الخوف والإيحاء بشيء من التعسف، وأن الحراس هم النظام والمسيطرين على حياتهم ولا يوجد للسجين خصوصية ولا خلوة ومسلوب شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق الممكنة، وبذلك سوف يشعروا بفقدان السيطرة وسوف يكون للحراس السلطة المطلقة عليهم».

وفي الجانب الآخر تم التنبيه على السجناء بالبقاء في بيوتهم لحين موعد استدعاؤهم، بدون تحذيرهم أن الشرطة ستوجه لهم اتهامات مثل تهمة السطو المسلح أثناء اعتقالهم من الشرطة الحقيقية التي قدمت مساعدة في هذه المرحلة من التجربة، حيث قامت بإخضاع السجناء للإجراءات التقليدية من الاعتقال بما فيها التسجيل ورفع البصمات والتصوير…الخ، كما قامت الشرطة بتلاوة حقوقهم عليهم، وتم نقلهم إلى السجن المُعد للاعتقال، حيث تم تفتيشهم كسجناء عاديين عراة وتنظيفهم من القمل، وتم منحهم هويات جديدة.

نتائج تجربة سجن ستانفورد:

سرعان ما حدثت المفاجئة وخرجت التجربة عن السيطرة، حيث كانت معاناة السجناء شديدة حيث تحملوا ممارسات سادية وهيمنة شديدة من الحراس، حيث بدت على البعض منهم حالات من الاضطراب.

حيث في اليوم الثاني اشتعلت حالة من العصيان بين السجناء وتطوع بعض الحراس للعمل ساعات إضافية للقضاء على التمرد في السجن، دون أي تدخل من مشرفي الاختبار، وحاول الحراس أن يقوموا بتفريق السجناء ويحرضوهم على بعضهم البعض من خلال تقسيمهم إلى زنزانتين، واحدة للجيدين والأخرى للسجناء السيئين، لإيهام السجناء أن بعضهم مخبرين عليهم سرًا، وقد نجحت الخطة ولم يظهر بعد ذلك تمرد كبير، حيث إن هذه الخطة يتم تفعيلها في السجون الحقيقية في أمريكا.

وأيضًا تحول السجن إلى مكان غير صحي ومُنفِّر، وصار دخول الحمام امتياز لبعض السجناء دون آخرين يمكن حرمانهم من ذلك الحق، وتم إجبار بعض السجناء بتنظيف المرحاض بأيديهم المجردة، وإخراج الفراش والوسائد من زنزانة ما تم تسميتهم بالسيئين، وإجبار بعض السجناء بالنوم عراة على بلاط السجن، وكثيرًا ما تم حرمانهم من الطعام كوسيلة للعقاب، وقد تم فرض على بعض السجناء التعري والتعرض للتحرش الجنسي وإذلالهم من خلال السجانين.

ويرى زيمباردو أن السجناء كانت استجاباتهم بأحد ثلاث طرق:

1- المقاومة بنشاط.

2- الانهيار.

3- الرضوخ والطاعة، وهي حالة السجين النموذجي.

وزيمباردو قد انغمس بطريقة ما في التجربة وتورط فيها شيئًا فشيئًا، حيث حاول هو والحراس تحويل التجربة إلى تجربة حقيقية، حيث من ضمن ذلك محاولتهم نقل السجناء لمكان غير مستخدم للشرطة المحلية بحجة أنه أكثر تأمينًا إلا أن الشرطة المحلية قدر رفضت طلبهم. وكان غاضبًا من عدم تعاون الشرطة المحلية في وضع مرافقها في خدمة التجربة.

ومع استمرار التجربة ازداد بطبيعة الحال السلوك السادي لدى الحراس وخاصةً خلال الليل ظنًا منهم أن الكاميرات مطفأة ولا تقوم بالتسجيل، حيث وجدوا أن واحد من كل ثلاث حراس أظهروا ميولًا سادية، وأن معظم الحراس انزعجوا عندما تم وقف التجربة قبل الوقت المحدد لنهايتها.

وبذلك تقمص المشاركين أدوارهم تمامًا وبدى هذا بوضوح حينما عرضوا على السجناء إمكانية تقديم طلب بتخفيض مدتهم داخل السجن مقابل التنازل عن كامل مستحقاتهم، والمفاجئة أنهم رفضوا طلبات تخفيض المدد ولم ينسحبوا من التجربة.

وقد بدى اضطرابات حادة على سلوك السجناء، حيث تم إصابة أحدهم بارتجاف بالجسم عندما عرف أنه تم رفض طلب تخفيض مدته بالسجن، حيث تم رفض الطلب بعد أن ظن زيمباردو أن السجين يتظاهر بالمرض.

وشاعت بين السجناء حالة من البكاء والاضطراب في التفكير، وعانى اثنان منهم صدمة عنيفة في مراحل مبكرة من التجربة بحيث اضطروا لإعفائهم من الاستمرار وتم استبدالهم، وأحد السجينين البديلين وكان رقم 416، أصيب بالرعب من معاملته من خلال الحراس وأعلن احتجاجًا وإضراب عن الطعام، وقد تم إجباره على البقاء بالحجز الانفرادي في خزنة صغيرة لمدة ثلاث ساعات متواصلة، بل وفرضوا عليه أن يحمل النقانق التي يرفض أكلها، وبعض السجناء اعتبروا هذا السجين يفتعل المشاكل، وقد قام الحراس هذا الأمر وخيروا السجناء ما بين أن تؤخذ أغطيتهم أو يحتجز السجين رقم 416 في الحجز الانفرادي طوال الليل، ففضل السجناء الاحتفاظ بالأغطية، وتدخل زيمباردو وأعاد السجين رقم 416 لزنزانته.

وقد حضرت الباحثة “كريستينا ماسلاتش” مقابلة المشاركين وكانت خطيبة زيمباردو أثناء التجربة، والتي أبدت صدمة كبيرة عندما اطلعت على أوضاع السجن، فهي لم تكن تعلم طبيعة الاختبار عندما التقت المشتركين ولم تكن لها علاقة لها بالتجربة، إلا أنها كانت من ضمن 50 شخص لا علاقة لهم بالاختبار، ولكنهم شاهدوا السجن، والذين ناقشوا أخلاقيات التجربة، مما اضطر زيمباردو لوقف التجربة بعد 6 أيام فقط من بدايتها.

خلاصة تجربة سجن ستانفورد:

هي تجربة تحاكي أنماط الطاعة والانصياع التي يبديها الأشخاص عندما يتعرضوا لنظام أيديولوجي يحظى بدعم مؤسسي أو دعم اجتماعي، وكانت التجربة لتوضيح وفهم قوة السلطة، وجاءت التجربة متوافقة تمامًا مع تجربة ميلغرام حيث يتجهان نحو خلاصة أن سبب سلوك الأفراد أكثر من أي موروث في شخصياتهم

الانتقادات الموجهة لتجربة سجن ستانفورد:

تم اعتبارها منافية للأخلاق وتم توجيه العديد من الانتقادات لهذه التجربة، وقد أوضح بعض النقاد ومن بينهم “إيريك فروم” بأنه من غير الممكن أن يتم وضع ضوابط عملية وتقليدية لها، حيث أنها تجربة حلقية وليست تجربة مخبرية، وأن زيمباردو لم يكن محايدًا وساهم في اتجاهات التجربة، حيث يرى النقاد لهذه التجربة أن المشاركين سلكوا السلوك الذي افترضته التجربة، باستخدام نماذج إرشادية لنماذج لعلاقة الحراس والسجناء بعينها مما انطبعت شخصياتهم بأدوارهم، وتم انتقاد التجربة أيضًا من ناحية الظروف المتطرفة والقاسية التي تم فرضها والتي قد لا تتوافر في سجون حقيقية، مثل عصب أعين السجناء وعدم ارتداء ملابس داخلية وعدم النظر عبر نوافذ وعدم استخدام أسماءهم، ويرى زيمباردو ردًا على ذلك أنه لابد من وضع السجناء تحت هذه الإجراءات.

ولم تفسر التجربة تفاوت أداء الحراس حيث كان أسوئها ما صدر من حار اسمه “جون وأين” ولكن هناك آخرين كان أداؤهم ألطف وأسدوا خدمات عديدة للسجناء، وكذلك يعتبر حجم المشاركين صغير جدًا حيث بلغ 24 مشاركًا فقط خلال مدة قصيرة نسبيًا.

وقد قام كلًا من “هاسلم وريخر” عالما النفس من جامعتي “القديس أندرو وإكستر” بتقليد جزئي لهذه التجربة بمساعدة في بث التجربة من خلال هيئة الإذاعة البريطانية في برنامج “تلفزيون الواقع” تحت اسم “التجربة” وكانت نتائجها متباينة مع تجربة زيمباردو.

مقارنة سجن ستانفورد مع الإساءات التي تمت في سجن أبو غريب:

تعتبر انتهاكات حقوق الإنسان في سجن أبو غريب في العراق في أعقاب حرب العراق عام 2003 نموذج تطبيقي لتجربة سجن ستانفورد، حيث تم تعيين جنود أمريكان غير مؤهلين، ومن ضمن المناقشات الإعلامية الموسعة الخاصة بمقارنة التجربتين في “جريدة النيويوركر” بمقال “سيمور هيرش” بأن الانتهاكات كانت نتيجة أوامر مباشرة من مسئولين في سياق عملية سرية أجراها جهاز معلوماتي تابع للبنتاجون وبتفويض من وزير الدفاع الأمريكي “دونالد رامسفليد”.

أفلام تم إنتاجها عن تجربة سجن ستانفورد:

في عام 2001 تم إنتاج فيلم (التجربة) وهو يحاكي هذه التجربة وتم عرضه في أغسطس 2010 للجمهور وكان بطولة كلاً من “أدريان برودي وفورست ويتكر” وكذلك في عام 2015 تم إنتاج فيلم (تجربة سجن ستانفورد)، هذا بالإضافة إلى أفلام كثيرة عالجت ظروف مشابهة في قصص مختلفة عن السجون.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد