أكثر التجارب العلمية جنونًا (الحلقة الرابعة)

استعرضنا في الحلقات الثلاثة السابقة تجربة ميلغرام والتي قام فيها بدراسة مدى طاعة الأفراد ومدى قدرتهم على تحقيق الأذى بالآخرين من خلال أوامر سلطوية، وتجربة نيكولاي مينوفيتشي والذي قام بتجربة شنق نفسه 12 مرة، وذلك لدراسة تأثيرات الشنق على جسم الإنسان، وأيضًا تجربة سجن ستانفورد والخاصة بعمل استقصاء عن الأثر النفسي الخاص بالأّسر وظروف الحياة الحقيقية بالسجن، وفي تجربة علمية جنونية جديدة نتناول في هذه الحلقة التجربة العلمية التالية:

تجربة يوري وميلر

المصدر: statedclearly.com

تجربة ميلر ويوري (Miller-Urey Experiment):

في عام 1952 قام العالمان “ستانلي ميلر وهارولد كليمنتس ويوري” في جامعة شيكاغو بتجربة محاكاة لفرضية ظروف الأرض في ماضيها السحيق وتحقيق تفاعلات كيميائية تؤدي إلى تشكيل الأحماض الأمينية الضرورية لنشأة الحياة، فقاموا بتعريض مركبات كيميائية بسيطة ممزوجة مع الماء والحرارة والكهرباء لإنتاج الأحماض الأمينية، وهي تجربة تُعتبر جنونية بمفهومها وتأثيرها الكبير على فهمنا لأصل الحياة، حيث أثبتت التجربة أن المركبات العضوية الأساسية والضرورية للحياة يمكن أن تتشكل من مواد غير عضوية، بل حاولت التجربة أن تثبت أن نشأة الحياة على الأرض من خلال عملية كيميائية.

وكانت تجربة ميلر ويوري تبدو بسيطة نسبيًا، لكنها في ذات الوقت تبدو ناجحة، حيث قاما بوضع كلًا من الماء والميثان والهيدروجين والأمونيا، وتم مزجهم في جهاز محكم الغلق، ثم قاما بتعريض هذا المزيج لسلسلة متواصلة من الومضات الكهربية، والتي تناظر البرق في الغلاف الجوي بالكرة الأرضية كفرضية كانت موجودة في عمر الأرض السحيق.

وعندما انقضت عدة أيام قاما بتحليل المحلول الناتج، فوجدا أنه يحتوي على مجموعة متنوعة من الأحماض الأمينية، كلبنات أساسية للبروتينات، ووجدا أن هذه الأحماض الأمينية مشابهة جدًا لتلك الأحماض الأمينية الموجودة في الكائنات الحية.

وقاما بناءً على ذلك بتكرار التجربة عدة مرات، وكانت النتائج كل مرة متسقة مع النتائج الأولى، وبذلك أظهرت التجربة عن إمكانية نشأة الحياة على الأرض من خلال عملية كيميائية بسيطة، ومع ذلك فهناك العديد من التساؤلات التي ما زالت دون إجابة حول أصل الحياة، ولا يمكن الاعتماد فقط على هذه التجربة كبرهان قطعي، ولكن هي مجرد نظرة ثاقبة مهمة حول تكوين المركبات العضوية الأساسية.

إجراءات تجربة ميلر ويوري:

شكل يوضح كيفية إجراء تجربة ميلر ويوري
           شكل يوضح كيفية إجراء تجربة ميلر ويوري معمليًا: المصدر: shutterstock.com/search/abiogenesis

تم الإغلاق على المواد الكيميائية الممزوجة داخل أنابيب زجاجية معقمة وقوارير متصلة ببعضها البعض، وهي عبارة عن دورق مملوء نصفه بالماء، بينما يحتوي دورق آخر على زوج من الأقطاب الكهربائية، ثم قاما بتسخين بخار الماء وإضافة هذا البخار الذي ينطلق نتيجة التسخين إلى الخليط الكيميائي الممزوج من الميثان والهيدروجين والأمونيا، وبذلك تنبعث غازات التفاعل حول الجهاز لتحاكي الغلاف الجوي للأرض، والماء الموجود بالدورق يحاكي الماء على سطح الأرض، وبخار الماء يحاكي الماء الذي يتبخر من البحيرات والبحار والمحيطات، وتم استخدام الأقطاب الكهربائية لإشعال النار لتحاكي البرق والعواصف من خلال بخار الماء.

ثم تم تبريد الأبخرة الناتجة وتكثيف الماء وجعله يتدفق مرة أخرى للدورق الأول في دورة مستمرة، وقاما بفحص الماء المبرد بعد أسبوع، فلاحظا أن نسبة 10% – 15% من مادة الكربون، على شكل مركبات عضوية، و2% من الكربون شكل 13 حمض أميني.

ما هي الأحماض الأمينية:

الأحماض الأمينية هي المكونات الأساسية للبروتين، ويوجد حوالي 20 حمض أميني رئيسي، وكل جزيء بروتين يجب أن يحتوي على ما لا يقل عن 50 جزيء من تلك الأحماض الأمينية العشرين، والاختلاف بين مادة ومادة بروتينية أخرى هو الترتيب المعين والفريد لتلك الأحماض الأمينية، وكأنها شفرة التكوين أو لغة خاصة بالتكوين، وحسب هذا العدد والترتيب يتغير نوع هذا البروتين، فالهيموجلوبين مثلًا يتكون من 600 حمض أميني لها ترتيب معين، لو تم نزع حمض منهم أو تم تغيير ترتيب الأحماض الأمينية نتج بروتين مختلف.

نقد تجربة ميلر ويوري:

تعددت الانتقادات لتجربة ميلر ويوري ولكن أهمها ما يلي:

1- في الثمانينات أقر العلماء بأن الغازات التي كانت تحيط بالأرض هما ثاني أكسيد الكربون والنتروجين، ولم يكن يوجد الأمونيا والميثان، ولكن كان استخدام تجربة ميلر ويوري غاز الأمونيا اضطراري ليصل لحمض أميني، وهذا ما كتبه “كيفن ماكين” في مقالته في مجلة الاكتشاف Discover، وأن كل من ميلر ويوري كان يجب عليهما أن يقوما بمحاكاة الجو الكيميائي لتلك الفترة من عمر الأرض والذي كان في معظمه من النيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، ولا تُعد هذه الغازات مناسبة لإنتاج جزيئات لأحماض الأمينية مثل الميثان والأمونيا، وقد قام فعليًا كل من “تشين” و”فيريس” بتكرار هذه التجربة ولكن هذه المرة بمحاكاة جو الأرض والتي كانت تحتوي على الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين وبخار الماء، ولم يتمكنا من الحصول على أي حمض أميني وبالتالي فشلت التجربة.

2- بعد أن أنهى ميلر ويوري التجربة، قاما بعزل للأحماض الأمينية بطريقة تسمى Cold Trap أي المصيدة الباردة، ولو تم تركها بدون عزل لتم تدمير المكونات العضوية ثانيةً، ومن الطبيعي أن تكوين الأرض وطبيعته لا تتوافر فيها ظروف العزل التي قاما بها، لذا قال العالم الكيميائي “ريتشارد بليس” أنه لولا المصيدة الباردة كانت المواد الكيميائية الناتجة تدمرت بفعل المصدر الكهربائي.

3- تكونت أثناء التجربة غازات أخرى مثل السيانيد الكلوروفورم، وهي بطبيعة الحال غازات تقتل الكائنات الحية.

4- لكي يتكون بروتين واحد فقط بالمصادفة فلابد كما ذكرنا أن يحتوي على 50 حمض أميني مرتبه حسب 20 نوع، فإذا تكون بالصدفة فإن الاحتمالات لتكوينه واحد مقسومًا على 5020 والناتج لهذا الرقم حوالي واحد وأمامه 65 صفر، أي احتمالية تساوي صفر، فهي ذات الاحتمالية أن تلقي 2000 مليار مرة نرد الطاولة وتحصل على رقم معين مثل 6 كل مرة وهذا مستحيل، بل يزداد الأمر صعوبة في حالة الهيموجلوبين أن يتكون مصادفة من أحماض أمينية فيحتاج واحد مقسوم على واحد وأمامه 720 صفر.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد