خيبر خيبر.. بين سنة 7 و1445 هجرية

في شهر المحرم من السنة ال7 للهجرة، سار الرسول ﷺ بجيش يتكون من 1400 مقاتل، مسافة 168 كيلومترًا، من المدينة المنورة، شمالًا إلى ديار خيبر، آخر المعاقل التي هاجر إليها اليهود، بعدما هزمهم المسلمون في غزوات  بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، فلجأوا إلى آخر معقل لليهود في الجزيرة العربية، وهي منطقة خيبر، شمال غرب الجزيرة العربية.

 

                  خيبر سنة 629م ــ 7 للهجرة

كانت خيبر عبارة عن واحة مزدهرة بالزراعة، وسط محيط من الصخور البركانية، وكان اليهود فيها يشتغلون بالربا مع كل القبائل من حولهم، مما وفر الأموال في أيديهم، فبنوا فيها 7 حصون منيعة، وملأوا تلك الحصون من مزارع خيبر الغنّاء، بطعام يكفيهم ـ قيل لسنين ـ كما أجرَوا الماء في قنوات نفقية إلى داخل تلك الحصون، مما جعلها مدينة غنية وحصينة جدًا بمقاييس ذلك الزمان، فكان إقتحامها تحديًا كبيرًا.

وقد إضطر المسلمون لإقتحامها، لأنها صارت ملجأً لليهود من بني قينقاع ومن بني النضير ومن بني قريظة، الذين هزمهم المسلمون في ديارهم، وشردوا بهم، فلجأ مَن تبقى من كل تلكم القبائل إلى خيبر، ليتحصنوا فيها من المسلمين، وكانت نفوس اليهود ملأَى بالكراهية والحقد على المسلمين، فراحوا يتآمرون عليهم، تارةً مع قريش، وتارةً مع قبائل نجد، حتى برِم الرسول ﷺ بهم.

وآن أوان الخلاص من مؤامراتهم ومكرهم بالمسلمين، بعدما عقد المسلمون صلح الحديبية مع قريش، فحُيـّدت قريش بذلك عن أي نزال يخوضه المسلمون، فقرر الرسول ﷺ أن ينتهي من أمر خيبر، ليتفرغ لشئون الدين والدعوة، بلا قلقٍ من دسائس ومؤامرات، تُحاك ضده.

وصل المسلمون خيبر ليلًا، فَلَم يأتوها من جنوبها، من حيث أتوا، بل إلتفوا حول خيبر ليأتوها من شَمالها، ليفاجئوا اليهود من ناحية، وليمنعوا فرارهم تجاه الشام من ناحية أخرى، وعسكر المسلمون وباتوا ليلتهم، حتى إذا شقشق الصبح، هاجموهم وقيّض الله النصر للمسلمين، بعد قتال دام لنحو 20 يومًا، إستُخدم فيه المنجنيق لأول مرة في القتال في جزيرة العرب، وكان المنجنيق أولًا بيد اليهود مخزّنًا في حصونهم، ثم غنِمه المسلمون منهم وإستخدموه ضدهم، وقد سقط في تلك الحرب من اليهود 93 قتيلًا، وإرتقَى من المسلمين 16 شهيدًا.

غنِم المسلمون من اليهود في تلك الحرب مغانم كثيرة، من مال وذهب وفضة، ومزارع، ومما يدل على كثرة مغانم خيبر، ما رواه البخاري عن عبدالله بن عمر، قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة، قالت: لما فُتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر، ولما رجع الرسول ﷺ إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل، حين صار لهم بخيبر مالٌ ونخيل.

وصالَحَ الرسول يهود خيبر على أن يأتوه بأموالهم، وأن يشاركهم مزارعهم وبساتينهم، قسمةً مع المسلمين، وللرسول ﷺ سهمٌ، كَسَهم كل مسلم، فيما يشبه معاهدة إستسلام، ثم كان ما كان من حادثة الشاة المسمومة، التي قدمتها إمرأة يهودية للرسول ﷺ ونجّاه الله منها، ومازالت تلك الحادثة، مضرِب مَثَل في غدر اليهود، ونقضهم المواثيق.

كما سبَى المسلمون من اليهود في خيبر، وكان من ضمن السبايا، السيدة “صفية بنت حيي” التي كان  أبوها سيد بني النضير، ومن سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ولد هارون بن عمران، أخي موسى عليه السلام، وأمها هي بُـرّة بنت سموئل، من سادات بني قريظة.

فإصطفاها الرسول ﷺ لنفسه، وخيّرها بين الإسلام أو البقاء على دينها، فقال لها: “إختاري، فإن إخترتِ الإسلام أمسكتُكِ لنفسي ــ أي: تزوّجتُكِ، وإن إخترتِ اليهودية، فعسى أن أعتقكِ فتلحقي بقومك، فقالت: “يا رسول الله، لقد هويتُ الإسلام وصدّقت بكَ من قبل أن تدعوني، حيث صرتُ إلى رحلكَ وما لي في اليهودية أَرَب، وما لي فيها والدٌ ولا أخ، وخيّرتني بين الكفر والإسلام، فاللهُ ورسولُه أحبُّ إليّ من العِتق أو أن أرجِع إلى قومي” فتزوجها ﷺ

وقد شهدت حرب خيبر عدة معجزات للرسول ﷺ وكرامات مشهودة لعليّ بن أبي طالب، ونزل في شأنها قرآنٌ قبلها، وقرآنٌ بعدها، وكان من نتائجها أن قويت شوكة المسلمين في جزيرة العرب، فتهافتت عليهم قبائل العرب تطلب صلحهم و ودهم.

خـــيبر سنة 2024م ــ 1445للهجرة

في عدد فبراير 2024 من دورية: مجلة العلوم الأثرية العلمية “جورنال أوف أركيالوجيكال ساينس” ستُنشر تفاصيل إكتشافٍ، قام به باحثون من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، ومن الهيئة الملكية السعودية لمحافظة العلا، حيث إكتشف فريق من علماء الآثار، بقايا حصون عملاقة، تعود إلى العصر البرونزي، قبل نحو 4000 عام ، كانت تحيط في زمن قديم، بواحة خيبر شمال غرب السعودية.

وبحسب بيان نُشر على موقع المركز الفرنسي للبحث العلمي، فقد قام الباحثون بمقارنة المسوحات الميدانية وبيانات الإستشعار عن بعد، لتقدير الأبعاد الأصلية لتحصينات واحة خيبر، وأظهرت النتائج أن الأسوار كانت تمتد على طول يزيد عن 14.5 كيلومتر، ويصل إرتفاعها إلى نحو 5 أمتار، فيما تراوح سُمكها بين 1.7 ــ 2.4 متر.

وحدّد الفريق حقبة بناء هذه الحصون، بإستخدام الكربون المشع، و وجدوا أنها تقع بين عامي 2250 ــ 1950 قبل الميلاد، وتكشف هندسةُ بنائها عن براعة تصميمها ودقة تنفيذها، من قِبل السكان القدماء في المنطقة.

وعن دوافع إنشاء هذه الأسوار، التي تحيط بمساحة شاسعة تفوق 110 هكتارًا، تضم مناطق سكنية وزراعية، يعتقد الباحثون أنها ربما تكون لأغراض متعددة، مثل حماية الواحة من التهديدات الخارجية، أو إظهار القوة، أو ترسيم الحدود الإقليمية لأسباب إدارية أو اقتصادية.

وصنّف الباحثون واحة خيبر، ضمن أكبر الواحات المحصّنة في السعودية، ومن خلال موقعها الإستراتيجي شمال غرب الصحراء العربية، شكّلت هذه الواحات جزرا خضراء حقيقية في بيئة صحراوية، ومراكز حيوية للمجتمعات المستقرة، تتوفر فيها الموارد الأساسية مثل المياه والأراضي الخصبة، التي سمحت بتطور النشاط الزراعي.

وتعمل الهيئة الملكية السعودية لمحافظة العلا، على إعادة إحياء الأماكن الأثرية، وترتبط طموحات الهيئة لتطوير خيبر، بالمشاريع الجارية في تيماء والعلا، حيث يجمع المواقع الثلاثة تاريخ مشترك، يروي قصة متجذرة من التقاليد والثقافة وتراث شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ترافقها جهود تحويل المنطقة إلى أكبر متحف حي في العالم.

ولا يزال شعار “خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود” يتردد حتى اليوم، في مظاهرات الشعوب العربية المعادية لإسرائيل، ما يثير إستياء منظمات يهودية.

وقد دشنت السعودية مركزًا جديدًا للزوار في خيبر، يسلّط الضوء على تاريخ المنطقة بشكل أوسع، وبإمكان السائحين وزوار المنطقة الآن، التمتع بأنشطة مختلفة، بينها سلوك مسارات مشي طويلة، وزيارة البراكين القريبة، أو التنزه عبر الينابيع، أو القيام بجولات بالمروحيات فوق المقابر القديمة، ولا تأتي عروضُ مركز زوار خيبر، على ذكر المعركةَ الشهيرة التي دارت قبل نحو أربعة عشر قرناً.

ويأتي مشروع تطوير منطقة خيبر، في إطار حملة تقوم بها المملكة، بدأت في 2019 بإصدار تأشيرات سياحية لجذب 30 مليون سائح من الخارج سنويًا، بحلول عام 2030 حيث تُعد السياحة أحد أعمدة رؤية 2030 للدولة السعودية، وهي الرؤية الهادفة إلى تنويع روافد الإقتصاد السعودي المرتهن بالنفط، والإنفتاح على العالم.

ومن بين الاكتشافات الحديثة المثيرة للاهتمام في منطقة خيبر: مقابر غريبة على شكل تكوينات صخرية، تبدو عند النظر إليها من الأعلى أشبه بقِلادة، ويلفّ الغموض أصل هذه المقابر، ويعتقد خبراء الآثار، أنها تعود إلى 5000 عام.

تزايدت الأطماع اليهودية في خيبر، مع تأسيس مشروع “ديارنا” في 2008 والذي يهتم بالمواقع اليهودية التاريخية في المنطقة العربية، وهو المشروع الذي أسّسه الأمريكي جيسون جوبرمان، ورغم توثيق المشروع لع

شرات المواقع التاريخية في عدة دول، إلا أن جوبرمان أعلن صراحة أن الحديث عن السعودية: تتّسع له حدقات العيون ــ لما تضمُّه من المواقع التراثية، وفي مقدمتها خيبر، والتي توليها “ديارنا” أولوية خاصة في البحث والتوثيق.

ومعروف أن أطماع اليهود لم تكتفِ بالمطالبات، بل بالتعويضات أيضًا، إذ نقلت صحيفة Economist في 2014 أن إدارة نتنياهو فتحت خطًا ساخنًا للمطالبين بتسجيل ممتلكاتهم المفقودة في العالم العربي والإسلامي، ومطالبة الدول بتعويضهم ماليًا جراء ترك منازلهم وممتلكاتهم، وأن السعودية مطالبة بدفع 100مليار$

وأشارت بعض التسريبات أن هذه التعويضات، هي من البنود السرية لإتفاقيات التطبيع المتوقَّعة، والتي تضم ملحقًا خاصًا بعنوان (R-Kh) ويعني: العودة إلى خيبر Return to Khyber حيث سيُمنح اليهود أرضًا في خيبر، يستغلونها لمدة 99 عامًا، في مشاريع زراعية وأغراض أخرى، مع 100 مليار$ تعويضات سعودية.

كما سلّطت مجلة رابطة العالم الإسلامي في عددها 54 من نسختها الإنجليزية، الضوء على المشروع، وذكرت Times of Israel في 2015 أن الأمر ممنوع حتى الآن.. ولكن قد يتمكن السواح قريبًا من زيارة المواقع الأثرية اليـهودية في السعودية، والتي من أهمها خيبر.

وفي تصريحات غاية في الجرأة، يقول د.مائير المصري، أن جدته لا تزال تحتفظ بمفتاح منزلهم في خيبر، وأنهم لن يتنازلوا عن حق العودة إليها، وأعلنها في تغريدة أخرى: القدس مقابل خيبر!

 

 

 

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد