الإيجار القديم وشارع صفية زغلول في إسكندرية

إنه لمن الأسف الشديد، والحسرة المريرة أن تمر وتسير في شارع حي من المفترض، وتجاري من الطراز الأول، وفي مدينة مثل الإسكندرية، وهي عروس البحر الأبيض المتوسط، والعاصمة الأولى لدولة مصر العتيقة، والفريدة، والجميلة، مأساة بكل المقاييس في شارع صفية زغلول بمحطة الرمل خلفها وتسبب بها قانون الإيجار القديم، وما زال التسويف، والتأجيل، والمماطلة مستمرة في تغيير، بل وتدمير هذا القانون القاتل، والقاضي على جمال العقارات والمعمار الفريد في مدينة السحر والجمال، مدينة الإسكندرية.

ومن العجب الذي يثير السخرية، والدهشة في توقيت واحد، هو أنك، ولأول وهلة لا تنتبه للمأساة، إلا بعد أن تحدثك نفسك في الرغبة في السكن في تلك الشارع بضعة أيام كسائح مصري، حيث تجد عيناك تلقائيا تنظر للأعلى، وتترك النظر للمحلات التجارية ذات الواجهات المبهرجة، والتي تم بهرجتها بقصد جذب الزبائن، وأيضا بقصد عدم الالتفات لأعلى المباني التي تحملها تلك المحلات من الأسفل، حيث تجد بلكونات على طراز معماري قديم فريد، غير أن جميعها مهملة وتكاد تكون أغلبها متهدمة!، ويا حسرتاه على ثرواتنا العقارية المبهجة لكل السائحين من كل مكان، أو كما هو مفترض.

ولقد التقطت أيضا صورة من شارع سعد زغلول بجانب الميدان، ربما تجسد أكثر المأساة.

وفي الختام لتلك اللفتة، أود أن أدعوكم أعزائي قراء هذه الكلمات أن تذهبوا إلى الشارع وترون صدق ما أقول، وترون الخراب الذي خلفه قانون ظالم اسمه “الإيجار القديم”، ولا عزاء لملاك تلك العقارات، والذين ربما هم ورثة بالعشرات، لكن حقهم اغتصبه قانون، وهم في حسرة مما يفعل بهم كل يوم.

وهنا فيديو من اليوتيوب لأحد القنوات في جولة في شارع صفية زغلول، شاهدوه وتأملوا المباني العتيقة المهملة بسبب قانون الإيجار القديم.

من الرابح من تلك الخسائر الفادحة؟

والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، من الرابح من كل تلك الخسائر الفادحة التي تتكبدها الدولة بسبب انهيار الاقتصاد العقاري، حيث أن كل تلك العقارات معفاة من الضرائب العقارية، وبنص القانون أيضا.

ومن الرابح أيضا من خسارة الملاك لتلك العقارات، وهم بالملايين في كل ربوع مصر؟، بل من الرابح في مصر غير تلك الفئة القليلة من حفدة وورثة المستأجرين، وذلك بعقد فاسد باطل، سقط يوم أن مات كلا طرفي العلاقة الإيجارية، وسقط عندما أصبحت القيمة الإيجارية لا تدر نفعا على أصحاب الأملاك.

إن الحقيقة الواضحة والناصعة البياض، هي  أن الجميع خاسر للأسف، فالملاك خاسرون والحكومة خاسرة، والشاغلون لتلك المحال التجارية خاسرون أيضا.

ولعلك تتساءل بتعجب!، كيف يخسر الشاغلون للمحال التجارية؟، والجواب سهل وبسيط، إن القوة الشرائية في تلك الشوارع أصبحت ضعيفة للغاية، وذلك لأنه لا توجد كتلة سكانية في تلك الشوارع، بل إن الكتلة السكانية تقل كل يوم، وذلك لهجران تلك الشقق التي أهملت وأصبحت آيلة للسقوط، بل هي تتساقط بالفعل في تلك الأيام، وكل عام في فصل الشتاء تتساقط وتنهار، وما مسلسل أخبار الانهيارات عنك ببعيد عزيزي القارئ.

وأختم بتلك القصة التي حدثني بها أحد طلاب كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، حيث يقص عليا قصته قائلا: ” في السنة الأولى من التخصص، رأيت إعلانا عن شقة أمام الكلية مباشرة، وبعرض سعر مغري، أربعة آلاف جنيه، فذهبت لرؤية الشقة، ووجدتها في عقار يتكون من دور علوي واحد، ومحل قديم بالأسفل، والشقة تتكون من غرفة واحدة، وهي كالمقبرة، وعندما سألت عن الشقة، وجدتها إيجار قديم بالأساس، حيث أنها تؤجر من الباطن بسعر رخيص (عشرة جنيهات) لقدم المبنى، فهي مقبرة وليست شقة وبأربعة آلاف من الجنيهات”.

في الحقيقة لم أهتم بالتقصي، لأنها بالتأكيد قصة حقيقية، ويدل على صحتها شارع صفية زغلول.

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد