الإيجار القديم من منظور الحق والعدل وليس من منظور المالك أو المستأجر

قضية دائما ما يتم توصيفها على أنها قضية شائكة، وقضية حساسة، ويجب عند الاقتراب منها عدم المساس بغير القادرين (معاش، وأيتام، وأرامل، وإلخ إلخ..)، وعند التدقيق والتمحيص، ستجد عزيزي القارئ أن قضية الإيجار القديم ليست قضية متعلقة فقط بالمالك، أو قضية متعلقة فقط بالمستأجر، وإنما هي قضية الحق والعدل (قضية وطن)، بل إن شئت فقل إنها قضية دستورية وإيمانية، ودينية مقدسة، فبينا مالك تنتهك حرمة ملكته، وورثة مالك محرومون من أملاكهم، وعقارات أهمل ترميمها، وأوقاف للفقراء تستباح بيضتها، إذ هناك على الطرف الآخر مستأجر ينعم بإيجار زهيد، ويعطيه القانون الحق في قهر المالك، بقيمة إيجارية زهيدة (10 جنيه مثلا)، ويعطيه القانون الحق في توريث أو مد عقد الإيجار لأبنائه جميعهم، ومن حقه أيضا أن يسجن المالك الذي لا يرمم العقار من أجل عيون المستأجر بـ 10 جنيهات، وبين كل تلكم الأحداث تجد العلاقة الإيجارية غير محددة المدة الزمنية ومحكومة بعمر وأجل المستأجر وأولاده، ثم تجد بعد كل هذا من يقول: “إنها قضية شائكة”، والسؤال الذي يجب أن يسأل هو: “شائكة من أي جانب؟”، هل من جانب المالك المقهور بالقانون؟، أم من جانب القاهر بالقانون، وهو المستأجر؟.

نحن نتحدث هنا عن قانون تم تأسيسه بشكل طارئ على علاقة كانت قائمة أصلا بين طرفي العلاقة قبل وجود القانون، وصحيح أن هناك عدد كبير أبرم العلاقة في ظل القانون الاستثنائي، ولكن هذا لا يعطي الحق أبدا في استمرار الظرف الاستثنائي بهذا الشكل الفج.

منظور المالك والمستأجر

إن من ينظر إلى قانون الإيجار القديم من جانب المالك، وأنه لابد أن ينتصر له لأنه مظلوم وخلافه، سيكون قد اجتزأ المشكلة وحاد عن الحق والحقيقة، وكذلك من سينظر إلى المالك من زاوية أنه تجبر وظلم وأنه لا ينبغي أن يكون مالكا بالأساس (نظرة الاشتراكية يعني)، فإننا بذلك لم ولن نكون منطقيين أو موضوعيين، أو حتى منصفين.

وكذلك الحال من سينظر إلى الموضوع من زاوية المستأجر، وأن منه الغير قادر، ومن هو على المعاش، ومن ومن.. إلخ، أو من سينظر أيضا إلى المستأجر على أنه المتجبر وأن القانون بصفه، وأن القانون أعطى له كل القوة في مواجهة المالك (الإشتراكية يعني)، فإننا أيضا بذلك لم ولن نكون منطقيين أو موضوعيين، أو حتى منصفين.

والحق والواجب أثناء النظر في مثل هذا القانون، هو أنه يجب أن نكون منصفين، ونقوم بتحليل القضية، والتي بالطبع حللها خبراء الدولة وفقهاؤها القانونيين الدستوريين، وهذا واضح وجلي في أحكام الدستورية التي خرج كثير منها تحت عباءة دستور ١٩٧١ (دستور السادات) والتي لم تكن لتخرج بتلك الصيغة في ظل الحكم القبلي لذلك الحكم الساداتي، لكن للأسف الشديد لم تكن آثار القانون السلبية ظاهرة بذلك القبح المذل والمهين والفساد المبين.

إن الإيجار القديم خرج من رحم استثنائي طارئ بنص أحكام الدستورية العليا في جميع أحكامها تقريبا، وتحول تدريجيا هذا الظرف إلى انتهازي صارخ، ثم انحرف وأصبح أكبر من ذلك وأضخم في مراتب الظلم والسكوت على حقوق الغير وسلبها، وإعطاؤها للغير أيضا بدون وجه حق، وبدون سند من الشريعة الإسلامية.

إن من قواعد القانون العامة، هي قاعدة التجريد، والتي على حسب فهمي الصغير، يجب أن يكون النص القانوني وفقا لها، مجرداً من أي ميل أو زيغ أو عاطفة لشخص معين ومحدد، إذن؛ كيف يسري على أبناء المجتمع الواحد عد (2) قانون للإيجار، وذلك تحت مسمى قانون الإيجار القديم، وقانون الإيجار الجديد، أين الإنصاف والعدل؟.

ولابد لنا أن نكون منصفين، وننظر للآثار المترتبة على بقاء هذا القانون، والآثار المترتبة على إلغاؤه، ولتسمح لنا عزيزي القارئ أن نطلب منك بعد استعراض ما تيسر من الآثار، وتجسيدها أمامك، أن تعلق لنا وتعطينا رأيك، وتقول؛ أيهما أنفع للمالك والمستأجر والدولة، ولن يكون الحديث حول الآثار به أرقام، حتى لا نزعجك بالأرقام.

الأثار والنتائج المترتبة على بقاء واستمرار قانون الإيجار القديم

  • أولاً ا:ستمرار إغلاق ملايين الوحدات السكنية، لزهادة قيمتها الإيجارية (٥ جنيهات مثلاً) مع وجود بيت أو وحدة سكنية يملكها ويعيش فيها المستأجر، ولكنه استخسار واسترخاص، وكله بسبب قانون الدولة الذي جمد القيم الإيجارية، بل تدخل بتخفيضها أكثر من مرة رغما عن المالك.
  • ثانياً: عقارات وزارة الأوقاف المحتلة من قبل المستأجرين، ستظل كذلك، ولن يمكن إنقاذها من هذا الاحتلال أبداً، وهذا معناه بغي وعدوان على مال الله (مال الغير قادرين، ومال الأئمة وعمال المساجد، وحتى أموال بعض المستشفيات والمدارس التي تتولى الأوقاف مسؤوليتها).
  • ثالثاً: تعطيل التنمية العقارية، والاستمرار في إرساء مبدأ التمييز الغير ستوري، وذلك لأن العقارات الخاضعة للإيجار القديم معفاة من أداء الضريبة العقارية لصالح المستأجر، أليس هذا ظلم وتمييز؟، بالإضافة إلى حرمان اقتصاد الدولة من مئات المليارات من الجنيهات، لصالح من؟، ومن المستفيد؟.
  • رابعاً: استمرار نزيف إزهاق الأرواح تحت أنقاض العقارات الآيلة للسقوط، وذلك لانعدام الترميم والصيانة (10 جنيه إيجار ليس لهم قيمة).
  • خامساً: استمرار الكراهية والحقد، وتمني الموت للمستأجر من قبل المالك، وهذه آثار اجتماعية كارثية.

الأثار المترتبة عندما يلغى الإيجار القديم

عندما كتبت بعض الأثار المترتبة عن استمرار القانون القديم، كتبتها عن متخصصين، لا سيما بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، وقبل أن أذكر باجتهاد شخصي الأثار المترتبة عن إلغاء الإيجار القديم، إليك هذا الموضوع بعنوان: “حمل الآن.. دراسة علمية حول الإيجار القديم بعنوان “الحقائق الغائبة في السوق العقاري المصري“، وإليك أيضا موضوع بعنوان: “دراسة عن الإيجار القديم.. إلغاؤه يعني إنعاش خزينة الدولة بمليارات الجنيهات“.

وبصراحة شديدة عزيزي القارئ، سواء كنت مالكاً أو مستأجراً، فإني بالرغم من انحيازي الواضح لإلغاء هذا القانون، بل وأدعو دولتي ليل نهار أن تقتله وتضربه في مقتل، إلا إنني أشفق على بعض المستأجرين الذين لا يعدون بالمئات وهم قليلون جداً، وهم الغير قادرين، وليعذرني أصحاب الرأي، فقد عملت في تعداد سكان مصر 2017 في عهد اللواء أبو بكر الجندي، وكنت من المجتهدين في الحقيقة، ووجدت مستأجراً واحدا غير قادر، ولكن وجدت البيت متهدماً وآيلا للسقوط والهدم، فهل هذا يرضي المدافعين عن بقاء هذا القانون الظالم.

ولننجز الآثار المترتبة عن إلغاء هذا القانون المارق في النقاط التالية:

  • أولاً: عودة الهدوء، ونزع البغض والكراهية من قلب المالك الذي يدوس عليه القانون، نحو الدولة أولاً، ثم نحو المستأجر ثانياً.
  • ثانياً: عودة الحقوق إلى أصحابها، واستمتاع ورثة الملاك بأملاكهم، ووحداتهم السكنية المغلقة، والتجارية التي يتم تأجيرها من الباطن.
  • ثالثاً: حدوث الرواج الاقتصادي في كثير من الأماكن المغلقة، فكثير من ورثة المستأجرين الذين ورثوا المحلات موظفين، أو غير عاملين بالمهنة التي يعمل بها والدهم، وتركوا المحلات مغلقة، فقط؛ لأنها بجنيهات معدودة.
  • رابعاً: تعظيم موارد الأوقاف، والتي ستعود على المساجد والتعليم والصحة بالخير إن شاء الله، وأحيلك إلى موضوع “الإيجار القديم وواقع الأوقاف الأليم“.
  • خامساً: الضرائب العقارية، وما أدراك ما الضرائب العقارية، وما يتبع ذلك من تخفيف العبء عن كاهل الموازنة العامة للدولة، وكذلك الاستمرار بكل قوة نحو المشروعات العملاقة التي تقوم بها القيادة السياسية.
  • سادساً: تغيير واجهة “وسط البلد” وتجميلها، وتجميل مصر القديمة أيضا، وجعلها أماكن سياحية فخمة.
  • سابعاً: إحقاق الحق والعدل، وهم أهم شئ، وينبغي أن يكون أهم شئ بالنسبة للموكل لهم تغيير هذا القانون.
  • ثامناً: توفير ملايين الوحدات السكنية للإيجار، مما يعني كثرة العرض وانخفاض الطلب، وهذا يعني تخفيض في القيم الإيجارية التي تسبب بها هذا الاختناق العقاري، ويترتب أيضا التخفيف على الدولة التي تبني آلاف الوحدات كل عام لتحل أزمة السكن.

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد