بين إيجابيّات وسلبيّات.. كيف غيّرت مواقع التواصلِ الإجتماعي حياتنا

يُقالُ بأنّ وسائل الإعلامِ سلاحٌ ذو حدين. هي أقوى الكِياناتِ وأدهاها، قادرةٌ على جعلِ الأبرياء مذنبين، وجعلِ المذنبين أبرياء. يُمكن أن تجد طريقها لتزييف الحقائق وخلقِ الوقائع. كما ويمكن أن تكشف الحقيقة لِمن جهل الطريقة. فوسائل الإعلامِ هي المتحكّمة في عقولِ الجماهيرِ كما وصفها “مالكولم إكس”.

Social network concept with smiling young people holding smart phones in front of big white wall.

ولوسائل الإعلامِ محطّاتٌ كثيرةٌ من التطوّر والنموِ خلالَ قرونٍ من الزمان، آخرها الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، والتي ضمّت المئات من مواقع التواصلِ الإجتماعي (Social Media). وسيلةٌ إعلاميّة جديدةٌ من نوعها، لا تختلفُ كثيراً عن سابقاتها من الوسائل التقليدية، فما زالت “سلاحاً ذو حدين”، بل وباتت أكثرَ تأثيراً على عقولِ الناسِ وقراراتهم.

ولعلّ سرعةَ إنتشارِها دليلٌ قاطعٌ على كونها الوسيلةَ الإعلاميّة الأهمَّ، والأكثر نفعاً. في أمريكا وحدها شهدت أعدادُ مستخدمي مواقعِ التواصل الإجتماعي قفزَةً نوعيّة، حيثُ كانت نسبةُ المستخدمين من الشعب الأمريكي رُبعاً، لترتفع إلى ثلاثةِ أرباعٍ خِلالَ عقدٍ ونصف. ففي عامِ 2008 خلصت دراسةٌ إحصائية في أمريكا إلى أنّ 26% هي نسبة مستخدمي مواقعِ التواصل الاجتماعي من الشعب الأمريكي، أمّا اليوم فنحو 72% هي نسبة المستخدمين.

مواقعٌ كفيسبوك ويوتيوب وانستجرام وتيك توك وتويتر فائقة السرعة في إنتشارها، وعليها يمكن للمستخدمِ إنشاءُ حسابٍ شخصيٍّ وبدءَ التواصلِ مع الأصدقاء أو حتى الغرباء. يُمكن للمستخدمِ إجراءُ إستطلاعاتٍ ومشاركة الأفكار والصور والموسيقى والروابط، وأكثر من ذلك بكثير.

ولعلّ مهدَ مواقعِ التواصلِ الإجتماعيّ وأوّلها هو موقِعُ SixDegrees.com، العائدُ إليهِ الفضلُ بكونهِ أوّل موقعٍ للتواصل الاجتماعي، فقد أتاح حينها للمستخدمين إنشاء مساحات شخصية والتواصل مع الأصدقاء عبر الإنترنت. ومن يومِها تسابقت الشركاتُ على إنشاءِ المواقِعِ والترويجِ لها، والتنافُسِ في ميدانٍ لا يتسعُ للجميع. فمع بروزِ مواقع جديدة قدّمت مميّزاتٍ أهمّ بخططٍ تسويقيّةٍ فذّة، إستطاعت أخيراً الإستحواذَ على روّادِ الإنترنت.

إيجابيّات مواقع التواصل الإجتماعي

غيّرت مواقع التواصل الإجتماعيّ حياتنا جذريّاً، فبِتنا اليومَ قادرين على التواصلِ مع بعضنا رغم الأميالِ التي تفصلنا. كما بِتنا اليومَ أكثر معرفةً وإدراكاً من أمسنا، فأيّامٌ من البحثِ في الكُتبِ في سبيلِ معرفةِ معلومةٍ أبدلته دقائقٌ من البحثِ في الانترنت للوصولِ إلى المعلومة. ومن ناحية أخرى، إحدى أهمّ الإيجابيّات في مواقعِ التواصل الاجتماعي هي سرعة نشرِ المعلوماتِ، وهو ما قد تفتقرُ إليه وسائلُ الإعلامِ التقليديّة.

في الدولِ المتقدّمة تُستخدم مواقعِ التواصلِ الإجتماعيّ في تطبيق القانون للقبض على المجرمين ومحاكمتهم. كما تُمكّنُ مواقع التواصلِ الإجتماعيّ النساء من البروزِ في المجتمعِ بقدرٍ مساوٍ للرجال، وكثيراً ما كانت تلك الوسائل مبرزةً للعديدِ من سيدات الأعمال.

سهّلت تلك المواقِعُ تفاعل المستخدمين مع بعضهم. كما مكّنت الناخبين من المشاركة في الإنتخابات. فلا يقتصرُ الأمر على الأغراضِ الإجتماعيّة، بل أضفت مواقعُ التواصل الإجتماعي على السياسة والإقتصاد الكثير من التغييرات، وسهّلت عمل السياسيين والشركات، ووفّرت عليهما الكثير.

كما تعمل مواقع التواصل الاجتماعي على تمكين الأفراد من إجراء تغييرات اجتماعيّة بإتاحة الفرصِ للقيام بأعمالٍ مُثمرةٍ على مستوى المجتمع، كحملات التبرعاتِ والحملاتِ التوعويّةِ التي تعودُ بالنّفعِ على الأفرادِ والمجتمع.

تساعد وسائل التواصل الاجتماعي الأشخاص المنعزلين إجتماعيًا والخجولين على كسرِ الحدودِ والتواصلِ مع الآخرين، ما يُتيحُ اليومَ إمكانيّةَ إنتشالِ المصابين بالإنعزالِ من إنعزالِهم.

تتيحُ وسائلُ التواصل الاجتماعي النشر السريع والسهل للمستجداتِ، خاصةً المعلومات المتعلّقة بالصحة والسلامة العامة، واضعةً لمصادرَ موثوقة لا يُمكن العبثُ فيها.

توفّر وسائل التواصل الاجتماعي “البحث الأكاديمي” للطلابِ بشكلٍ أوسع، مما يسمح للعديد من طلبةِ العِلمِ بالوصول إلى الموادِ التعليمية التي لم تكن متوفرة من قبل. كما توفر وسائل التواصل الاجتماعي للمعلمين منصّة للتعاون مع بعضهم، وتسهيلِ التواصلِ مع الطلاب خارج الفصل الدراسي.

تستخدم الشركات وسائل التواصل الاجتماعي لإستثمارِ أعمالها، ليعود ذلك عليها بالفائدةِ من جهة، وتسهيلِ تلقّي المنتجاتِ بالنسبةِ للعملاءِ من جهةٍ أُخرى. كما توفّر مواقعُ التواصل الاجتماعي للموسيقيين والفنانين السّبُلَ المُثلى   لبناء الجماهيرِ، فما عادت العقودُ مع الشركاتِ أساسيّةً ليكونَ المغنّي مُغنّياً، عكس ما كان سابقاً.

سلبيات مواقع التواصل الإجتماعي

الكمّ الهائل من الإيجابيّاتِ في مواقعِ التواصلِ الإجتماعيّ لا يمنعُ وجودَ سلبياتٍ كثيرةٍ فيها. فيسبوك ويوتيوب وانستجرام وتيك توك وتويتر، كلّها مواقعٌ برزت لتستحوِذَ على معظمِ مستخدمي الشبكة العنكبوتيّة، لتصبح تلك المواقِعَ المعدودة “القِوى العُظمى” في الشبكةِ العنكبوتية. وكما يُقالُ “جلبةُ قِوىً عُظمى تستوجبُ مسؤوليّةً عُظمى”، فمع كونها الأبرز يبقى على عاتقها الحِفاظُ على مُستخدمينَ قُدّروا بالمليارات. ومع شنِّ الهجماتِ على كثيرٍ من مواقعِ التواصلِ الإجتماعيّ بتوجيهِ إتّهاماتٍ مُباشِرةٍ لها قسّمت روّاد الإنترنت بين مؤيّدين ومعارضين، لتُسدلَ قائمةٌ حملت نقاطاً سلبيّة عِدّة ضِدَ تلك المواقع.

فمثلاً تطبيق المقاطعِ القصيرة “تيك توك” الذي استحوذَ على أكثرِ من مليارِ مُستخدمٍ معظمهم من المراهقين والشباب بات “الأكثر جدلاً”. أمّا عن كونهِ “الأكثر جدلاً” فبسبب ما تدّعيه وتروّج له فئة كبيرة من المجتمعات، فقد تم شنّ هجماتٍ عِدّة ضدّه رغم تزايد أعدادِ مستخدميه. بدءاً من إتهامهِ بالتساهل مع الحسابات المزيفة وفقًا لما نشرته شركة الأمن السيبراني Tenable، مروراً بوصفهِ أداةً للتحرش والإحتيالِ، وكونهِ بؤرةً لمحتوى البالغين، وإنتهاءً بإتهامهِ بكونهِ راعٍ للمحتوى المسيء وخطابات الكراهية. إلّا أنَّ معظم روّاد تطبيق “تيك توك” يرفضون وبشدّة تلك التهم المسندة إليه، مُعتبرينه موقعاً إلكترونيّاً عاديّاً، وأنّ مُعظم المواقِعِ من قبلهِ لم تسلم من تُهمٍ مشابهة.

فقد لا يخلو موقع تواصلٍ إجتماعيٍّ واحدٍ من السلبيات، منها أن يُتاح فيه نشر معلوماتٍ خاطئةٍ وغير موثوقة. أو أن يفتقر إلى الخصوصية ويُعرّضَ مستخدميهِ للتدخلات “الحكومية”، أو حتى تدخّل شركاتٍ تدفعُ المال في المقابل.

ومن سلبيّات مواقع التواصل الاجتماعي عامّةً سهولةُ إدمانها، ما يؤدّي بالطلاب إلى إستخدامها بكثرة، ثم الحصول على درجاتٍ أقل، فمواقع التواصل الاجتماعي مُغريةٌ ومُهدرةٌ للوقت. كما تضر مواقع التواصل الاجتماعي بإنتاجية الموظفين.

وكثيراً ما يؤدّي الإستخدام المُفرط لمواقع التواصل الاجتماعي إلى ما يُعرف بإضطرابات الشخصية أو يُلحقُ أضراراً بالدماغ. كما قد تؤدّي تلكَ المواقعُ إلى عزلِ الإنسانِ لنفسهِ عن المجتمعِ والإكتفاءِ بالتواصلِ عن بعد، أو بناء حياةٍ “إفتراضيّة”.

من الشائِعِ أن يتخفّى المجرمون خلفَ سِتارِ “مواقع التواصل الاجتماعي” لإرتكابِ جرائمَ أو الترويجِ لها، ومن الشائعِ أن تكونَ بعضُ تلك المواقعِ شبكةَ تواصلٍ “للجماعاتِ الإرهابيّة”، خاصةً تلك المواقِعَ التي تمنحُ الخصوصيّة المُطلقةَ للمستخدمين.

كثيراً ما تُلحقُ مواقِعُ التواصل الاجتماعي الأذى بالصحفيين والناشطين السياسيين وغيرهِم من الشخصيّاتِ المعروفة، سواء أكانَ الأذى نفسياً أو جسدياً.

تسهّل وسائل التواصل الاجتماعي التنمر عبر الإنترنت، وتساعدُ على إنتشارِ خطاباتِ الكراهية، وقد تجعلُ من المستخدمينَ بجميعِ فئآتهم العُمريّة عرضةً للتنمّرِ والأذى النفسي، وتكونُ المشكلة أكثر وطأةً على الأطفال، فهم أكثر عرضة للخطرِ نتيجةَ عدم فهمهم للطبيعة العامة (السّامةِ أحياناً) لوسائل التواصل الاجتماعي.

نستنتجُ بأنّ مواقعَ التواصل الاجتماعي لها فوائدُ جمّة، وتعودُ بالنفعِ على من أحسنَ إستخدامها، وبالضرّ على من أساءَ إستخدامها، فهي أداةٌ ذو حدين.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد