رمضان زمان في ريف مصر “الصعيد” وقصص الأجداد وألعاب الأولاد

انه عالم سحري جميل، ذلك العالم السهل البسيط، لايوجد به تكليف، وكل ما فيه لطيف، عالم السحر والأمنيات، والقصص والحكايات، في جنوب مصر ” الصعيد ” نرجع بكم إلى الزمان البعيد، حيث زمان الذكر والفكر والنشيد، فما أجمل أن نرجع بكم إلى الوراء، إلى ساحة الطهر والنقاء، والمجد والوجد والسخاء، حيث حكايات أجدادنا القداما، وحكايات أمهاتنا المهابة، وألعاب الأصحاب والأقارب، ويحفهم الزرع من كل جانب، عالم كله شوق واشتياق، وقصص الشاطر حسن والعشاق، حسن ونعيمة الأحباب، كتُبت قصتهم في كتاب، وحولوها لفيلم كبير، والحب فيها كان خطير، حيث دفع حسن ثمنه عمره، ومات المسكين بقهره، فلم يتزوج نعيمة الحبيبة، وقصته جد كانت عظيمة ورهيبة، وقصة قتله كانت مريبة، والقصص كانت كثيرة وكثيرة، فتعالوا بنا نحكي لكم عن رمضان زمان في الصعيد، كيف كانوا يستقبلونه بالأغاني والأناشيد، ويودعونه بأغاني وترديد ” يا برتقان اخضر وجديد.. بكره الوقفة وبعده العيد”.

رمضان-زمان-في-ريف-مصر- الصعيد

رمضان زمان في ريف مصر "الصعيد"

رمضان زمان في ريف مصر “الصعيد”

كان جدي يجلس على عتبة دارنا وفي يده المصحف، فيرتل القرآن ترتيلا، وكنا بجانبه صغار، لاندرك الأمور جيدا، لكن مظاهر البهجة باستقبال الشهر الفضيل، كانت على هيئة، الجلوس على ” المصاطب” التي أمام كل دار، فيجلس الأهل والأحباب، في بداية اليوم يستمعون الي القرآن الكريم، بعد عودتهم من الحقول التي يذهبون إليها في رمضان بعد صلاة الفجر مباشرة، حتى يتقون حرارة الجو وهم صائمون، وكانوا يعودون من الحقول محملون بالخضروات التي هي مصدرهم الغذائي الوحيد، فالأرض هنا هلي الملجأ لكل الأسرة الريفية، والارتباط بالأرض هو الحياة، والأرض تحس بهم، فتمنحهم كل مايشتهون، وتستقبلهم بالبشري حين يحضرون، وتودعهم بالأماني حين يذهبون، تلك قصة الفلاحين الأبدية مع الأرض، مع الغرس والري، مع السهر والعرق حتى موعد الحصاد، وعندما يأتي موسم الحصاد، تكثر الأفراح، والليالي الملاح.

رمضان-زمان-في-ريف-مصر- الصعيد

توزيع التمر علي الاطفال والكبار

ولرمضان في ريف مصر ” الصعيد ”  طعم خاص ويختلف عن المدينة، حيث المساجد زمان بالطوب اللبني، وكان لايوجد بها لاكهرباء ولا مكبرات صوت، فالمؤذن يصعد إلى سطع المسجد ليؤذن للفطار، وكنا صغار، تقف على أعتاب المسجد وننتظر الأذان، وكانوا يوزعون علينا التمر والبرتقال، وكل مالذ وطاب من الفواكه، لا احد يذهب إلى المسجد بدون أطباق التمر التي يهدونها لبعضهم البعض، فتزرع في قلوبهم المحبة والرضا، وتخلق حالة من التواصل الاجتماعي الحميم” قبل أن يأتي العم مارك” بأعوام طوال، فتبادل الطعام كان سمة من سمات الريف المصري في الجنوب ومازالت تلك المشاهد تتكرر حتى الآن، لكن الذي اختلف أن المساجد بنيت على احدث المواصفات، ومكبرات الصوت في كل الجهات، ومازالت المشاهد موجودة، لكنها تختلف كثيرا عن أيام الأجداد.

رمضان زمان في ريف مصر "الصعيد"

لحظة أدان المغرب وترقب الأطفال

كان عندما يصعد مؤذن المسجد، نراقبه في كل خطواته، لقد صعد، لقد رفع يديه، سوف يؤذن، لم يؤذن الآن، ينظر في ساعته، يتحدث من من هم بالمسجد، ” علو صوت الراديو شويه ياجماعة” لقد صدق الشيخ محمد رفعت والآن بدأ النقشبندي بالابتهالات، انتهت الابتهالات، في انتظار المدفع في القاهرة، ضرب المدفع في العاصمة، ننتظر حتى ينتهي الأذان في المذياع، يبدأ مؤذن قريتنا برفع يديه عند أذنيه، ويرفع وجهه للسماء، ويقول الله اكبر.. الله اكبر.. ننطلق نحن في شوارع القرية ونغني ” الديك جه الديك جه.. قرن شطة ع المحطة.. واللي صايم يفطر.. واللي صايم يفطررررر”


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد