الخضر عليه السلام.. هل كان نبيًا؟ أم وليًا؟ وهل هو لم يزل حيًا؟

 

الخضر مشهور عند عدة ديانات، وفي كل ديانة له إسم وقصة، وقد ثار حوله جدل كبير، هل هو نبي؟ أم ولي؟ أم ملاك؟ وقيل: هو حارس البحار، وقيل: مُعلّم المعرفة السّريّة، فأين الحقيقة؟

لقد إختُلِف في نَسَب الخضر، قال إبن عساكر: هو إبن آدم لِصُلبه، و ورد عن عبدالله بن عباس: “أنه إبن آدم لِصُلبه، وأنه نُسِـيء له في أجَله، حتى يُدرك الدجال فيُكذّبه، وأنه من سَـبط النبي هارون”

وقد سُـمّي بالخضر عند المسلمين لقول الرسول (ص): “إنما سُمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز تحته خضراء” حديث صحيح ــ البخاري (3402) و وردت قصته مع النبي موسى، في سورة الكهف.

وقال القرطبي بأن الخضر لم يزَل حياً، وذَكَر في تفسيره: “أن علي بن أبي طالب قال: لما تُوفي النبي (ص) وسُـجّيَ بثوب، هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون (يقصد الصحابة) صوته ولايرون شخصه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم أهل البيت، كُلُّ نَفسِ ذَائِقَةُ المَوتِ، إن في الله خَلَفَا مِن كل هالك، وعوضًا من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة، فبالله ثِقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب”

وقد أخرج الخطيب وإبن عساكر، عن علي بن أبي طالب، قال: بينما أنا أطوف بالبيت إذا رجل معلق بأستار الكعبة يقول: “يا من لا يشغله سمع عن سمع، يامَن لا يُغلِطُه كثرةُ السائلين، يا مَن لا يتبرّم بإلحاح المُلِحّين عليه، أذِقني برد رحمتِك وحلاوة إستجابتِك” فقلت يا عبد الله أعِد الكلام، قال: وسمعت؟ قلت: نعم، قال: والذي نفس الخضر بيده – وكان هو الخضر- لا يقولهن عبدٌ دُبُر الصلاة المكتوبة إلا غُفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج ومثل عدد المطر وورق الشجر.

وقد إستدل القرطبي على نبوة الخضر، بقوله تعالى: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) (82)الكهف، فدلّل بذلك على أنه نبيٌّ يوحَى إليه بالتكليف والأحكام، غير أنه ليس برسول.

كما قال النووي والثعلبي، بأن الخضر نبيٌ، وأنه لم يزل حيًا، وزاد الماوردي على ذلك: بأن الخضر إما أنه كان نبيًا أو وليًا أو ملاكًا.

وكان “كعب الأحبار” ممن قالوا بنبوّة الخضر، و وَرَد عنه أنه قال: “أربعة من الأنبياء أحياءٌ أمانٌ لأهل الأرض، إثنان في الأرض: الخضر وإلياس، وإثنان في السماء: إدريس وعيسى”

وقد إتفق جمهرةٌ من علماء المسلمين على أن الخضر قد مات، في حين كثُرت روايات العوام والصوفية بأنه مازال حيًا، ولمّا سٌئِل إبن تيمية عن الخضر وإلياس، أجاب: إنهما ليسا في الأحياء وليسا بمعمّرين، ولما سُئِل الجوزي، تلا قول الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ (34)الأنبياء

وبهذا قال أيضاً إبن قيّم الجوزية والبخاري، وأنكرا أن يكون الخضر لم يزل حيًا، وإستدلّا بحديث الرسول (ص): “لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد” رواه الشيخان.

وقَولُنا في ذلك: أن الإيمان بالله يقتضي الإيمان بالغيب (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون)َ (3)البقرة، وقد يكون أمر الخضر من أمور الغيب المشار إليها في الآية: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إلّا مَنٍ ارتَضَى من رَسُولٍ فَأِنّهُ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ رَصَدًا(27)سورة الجن.

وأمور الغيب هي مما لا يُجدِي فيها التعقّل (إستخدام العقل) فهي أمور خارجة عن الأمور الحسية، وقد لا يليق إنكارها بالكلية، فالغيب هو ما غاب عن الحسّ وعجَزَ عن معرفته، أو عُلم بواسطة الخبر اليقيني أو بالعقل أو بالكشف الربانيّ، وبحسب علم العقيدة: ينقسم الغيب إلى: مُطلَق ونسبي، والى ما دلّ عليه دليل، ومالم يدلّ عليه دليل، كما يُقسم إلى ما وَجَبَ الإيمان به فيَـكفُر مُـنكِرُه، وما لا يُكـفِّر جاحِدَه ومُـنكِرَه.

وإن مِن المؤمنين مَن هم أهلُ تزكية روحية، زَكَوا بفضل إخلاصِهم لله، وتفانيهم في طاعته وعبادته، ممن قال تعالى عنهم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (69)سورة الروم، أولئك يكافئهم الله بالبُشرَى، فيكشف لهم أو يفيءُ عليهم بما شاء، مما يَخفَى على كثيرين، يقول الرسول (ص): إتّـقُوا فَراسَـة المؤمِنِ فأِنّه يـنظُرُ بِنـُورِ الله”

وفي موضوعنا هذا نجد تباينًا في الآراء، وكلها آراء منسوبة لخيار الناس من المسلمين المتقدمين والأتباع، بما قد يصِحّ معه القول بأن الرأي بين.. بين.

وفي مثل هذه الحالة، قد يكون الأصوَب أن نَدَع لكل إمريءٍ أن يرى ما يراه، إلا أن يكون شِركًا بالله والعياذ بالله، فإذا كان الخضر لم يزل حيًا كما يُفهم مما ورد عن عليّ بن أبي طالب وعن كعب الأحبار، فلينفعنا الله ببركاته، وإن كان قد مات كما قال إبن كثير والبخاري، فليرحمه الله.. ويرحمنا.

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

تعليق 1
  1. حسام حداد يقول

    زادك الله من فضله أنجزت واحسنت فهذا الموضوع كثر الجدال فيه