مصر تحتضن أول مسابقة أدبية للنشر الالكتروني.. والأدباء متفقون في جودة الفكرة & مختلفون في مستقبل الورفي والالكتروني

  • تقرير – إبراهيم فايد

في سابقة جديدة من نوعها ظهرت من مصر كعادتها أم الدنيا وحاضنة الآداب والفنون والحضارات العربية والعالمية، والتي لطالما أنجبت قامات لا حصر لهم في مختلف مناحي الأدب، خرج علينا الكاتب المصري الشاب المتألق دومًا “مروان محمد عبده” بفكرته الفذَّة والفريدة من نوعها؛ حيث سخَّر جلَّ جهوده لتأسيس أول مسابقة عربية لتكريم الأعمال الأدبية الالكترونية وكُتَّابها الذين لطالما ظُلِموا ودُهِسوا بين مطرقة غلاء الأسعار وسندان أطماع واستغلالات بعض دور النشر في شتَّى أنحاء الوطن العربي التي تسعى لوضع شروط ومعايير مجحفة لقبولهم بعض الأعمال الأدبية؛ حتى بات طموح الكُتَّاب الشباب في الحصول على كتب وروايات ورقية مطبوعة تُعْرَض في معارض الكتاب وعلى أرفف المكتبات، حُلمًا صعب المنال؛ لا سيَّما في مصر وبعض الدول العربية الأفريقية التي تعانى من اقتصاديات صعبة.

جائزة “منف للرواية العربية الالكترونية” أسسها الكاتب سابق الذكر وأطلق عليها اسم “منف” وهو اسم مدينة مصرية تعود للحضارة المصرية القديمة، وتعتبر أول مدينة أسُست في تاريخ البشرية حيث تعود لثلاثة آلاف عام مضت،  وهي إحدى عواصم مصر القديمة.
وكان “مروان” قد أعلن مسبقًا أن الفرق بين تلك المسابقة والمسابقات المعتادة، أنه لا توجد مراكز محددة يتم على أساسها تقييم كل عمل أدبي -كمركز أول وثاني وثالث وما إلى ذلك- ولكن سيتم التقييم باختيار أفضل عشرة أعمال روائية، موضحًا أنه يتم قبول مختلف أنواع الكتابات الأدبية على عكس المسابقات المعروفة أنه يتم في الغالب تسليط الضوء أكثر على الأعمال الاجتماعية.
وأضاف “مروان” أنه تواصل مع أكثر من خمسين دارًا للنشر الورفي لرعاية المسابقة ودعم الجائزة، ولكن لم يستجب منها سوي ستة دور فقط من مصر ومن دولة الإمارات الشقيقة وهى (( دار غراب للنشر والتوزيع – دار حسناء للنشر والتوزيع – دار الياسمين للنشر والتوزيع – دار الراوي للنشر والتوزيع – مدبولي للنشر والتوزيع – دار ملهمون للنشر والتوزيع ))، ورغم ذلك إلا أن عدد مَنْ تقدَّموا للمسابقة تجاوز المائة وتحديدًا 144 عملًا أدبيًا روائيًا، تم قبول 94عملًا منها، ورُفِضَت 50 رواية من الترشح للجائزة، مشيرًا إلى أنه عدد ليس بِهَيِّن؛ لا سيَّما أن المسابقة مازالت في طَوْر التنظيم الأولي.
أما عن الجائزة فستكون طباعة العشرة أعمال التي ستفوز، على أن تختار كل دار من الدور الداعمة عملًا أو أكثر وتحوِّلُه إلى ورفي تقديرًا لجهود كُتَّابها، ويشارك في معرض الكتاب القادم.

وفي هذا الصدد، ونظرًا لكثرة تجاذب أطراف الحديث حول تلك المسابقة داخل الوسط الأدبي وعلى منابر السوشيال ميديا؛ لا سيَّما من شباب الكُتَّاب الذين رَأَوْا فيها مُنْقِذًا ينتشلهم من اليأس والإحباط والتمييز ومعوقات الوصول، قررنا التعرف أكثر على آراء بعض كبار الأدباء والكُتَّاب الروائيين حول ذاك الحدث، وكانت لنا تلك الرؤى الثاقبة..

يقول الصحفي والروائي المصري “يوسف الرفاعي” عضو اتحاد كُتَّاب مصر، صاحب ومدير عام دار لمار للنشر والتوزيع والترجمة أن فكرة الجائزة في حد ذاتها تعتبر خطوة جادة للأمام يحتاج إليها مبدعون كُثُر، خاصةً ممن ينشرون أعمالهم إلكترونيًا؛ فهذا النمط من النشر تكتنفه صعوبات عديدة، أبرزها النسيان، ثم التجاهل، ومن ثم شعور سلبي لدى المؤلف بعدم الجدوى نتيجة عدم وجود عائد، كما أن العمل الإلكتروني أسوأ حظًا من المطبوع -على صعيد السرقات الأدبية- لسهولة نقله والاقتباس منه، والتناص، أو سرقته بالكامل ونسبته لشخص آخر؛ لهذا تحتاج مثل هذه الأعمال لنوع من التقدير المادي والأدبي الذي أرى أن الجائزة تحققه بقدر ما، لكن من المهم جدًا الالتفات لبعض الأمور عند اطلاق جائزة قَيِّمة كهذه.. على سبيل المثال..

  • أن يُسْنَد التحكيم لعناصر متمكنة من أدواتها، وقادرة على ممارسته، وتتسم بالنزاهة والخبرة.
  • أن تُتْرَك فرصة المشاركة متاحة لفترة كافية ليتمكن أكبر عدد من المهتمين من المشاركة.
  • أن يتم الاستناد إلى معايير مختلفة تميز الجائزة عن غيرها من الجوائز.
  • أن تُرْصَد مكافأة مجزية مادية ومعنوية للأعمال الفائزة لتُكَرِّس الجدوى.

وأضاف “الرفاعي” أنه إذا توافرت هذه العناصر على قدر مُرْضِي، فإن النجاح سيحالف هذه المبادرة التي أحسبها تفتح المجال لأدباء هم في أَمَسِّ الحاجة إليها بعد تَعَثُّر النشر الطباعي نتيجة لتضخم أسعار الطباعة وخاماتها وارتباك آليات التوزيع.

 

وفي السياق ذاته أَثْرَى الأديب القدير د. “يوسف حسن يوسف” -وهو كاتب روائي وشاعر ودكتور في القانون الدولي العام موضوع النقاش برأيه المميز حول تلك المسابقة؛ حيث أعلن عن مدى فخره واعتزازه بدور مصر واحتضانها لتلك المسابقة الذي وصفه بكونه “شئ هايل” -على حد تعبيره- وأنه سيفتح الأبواب للعديد من المسابقات في هذا الإتجاه.
وأضاف أن فكرة تلك المسابقة رائعة جدًا لا سيَّما أن المستقبل للنشر الالكتروني، وأن بالفعل هناك العديد من المِنَصَّات الإلكترونية المُخَصَّصة للكتاب، والتي انتشرت في العالم أجمع، محققةً نجاحات كبيرة، ومن خلالها برزت أسماء العديد من الكُتَّاب وأصبحوا معلومين لدى قُرَّائهم.
أما عن الأعمال الأدبية الالكترونية ونظرة دور النشر لها، فقد أكد أن هناك عزوف كبير لدى العديد من دور النشر عن رفض فكرة النشر الالكتروني وتحديدًا في الخمسة أعوام الأخيرة الماضية، موضحًا أن معظم دور النشر أصبح لديها وعي لقيمة الكتاب الالكتروني، لكن ثقافة الكتاب والروايات الالكترونية عند القارئ هي التي لا زالت في حاجة لبعض الجهد.

 

بينما كان للكاتب الكبير والسيناريست المتميز ومساعد المخرج “حسام حسين” رأيٌ مغاير قليلًا لِمَا سبقه، حيث اتفق بدايةً في أن تلك فرصة جيدة للغاية للكُتَّاب الالكترونيين في تحقيق أحلامهم وتسليط الضوء عليهم كما أنها تسهم في تشجيع شباب الكُتَّاب، إلا أنه انتقد وبشدة فكرة سيطرة أو اجتياح النشر الالكتروني بشئٍ من الحدة بقوله “أن الكتاب الورفي سيظل هو الأساس ولن يكون النشر الورفي بديلًا أبدًا، مستشهدًا ببعض العوارض التي قد تطرأ على وسائل عرض الأعمال الالكترونية كانقطاع شبكة الانترنت -كما اعتدنا في مصر- أو انقطاع الكهرباء، أو حتى المكان نفسه قد لا يكون مناسبًا لاستعمال الشبكة العنكبوتية في البحث وتصفح الأعمال الالكترونية كأن يكون القارئ في طائرة على سبيل المثال أو على ظهر سفينة في عرض البحر، وكلها أماكن تنعدم فيها شبكة الانترنت، مشيرًا إلى أن قراءة الأعمال الالكترونية تؤثر كثيرًا على صحة العينين بسبب الإشعاعات الصادرة عن التابلت أو الكمبيوتر، وكلها عوامل تجعل الأولوية للكتاب الورفي الذي يعشقه الجميع بلا استثناء. يسهل قراءته والاحتفاظ به.

 

وكالعادة كما عهدناهما متفقَيْن دومًا الأخَوَين في الرحم وكذلك في الفكر والرؤية، جاء رأي الكاتبة المتألقة ومساعدة المخرج “ميران حسين” مشابهًا لرأي “حسام” بالنسبة للأعمال الالكترونية والورقية؛

حيث أكدت بدايةً على فخرها باحتضان مصر لتلك المسابقة وأنه ليس بجديد بل أمرٌ معتاد من مصر قاطرة الأدب العربي في المنطقة، مشيرةً إلى أن الكُتَّاب الالكترونيين يستحقون كل تقدير؛ لأنهم طموحين للغاية ولديهم من الإرادة والعزيمة ما يدفعهم للإصرار على تحقيق طموحاتهم والوصول للجمهور بأي طريقة كانت بعد أن استعصى عليهم طبع أعمالهم ونشرها ورقيًا لسببٍ أو لآخر.
وأضافت “ميران” أنها تشجع جدًا مواكبة العصر ومسايرة ركب التقدم والاستعانة بالتقنيات الحديثة إلا أنها كذلك ترفض تمامًا التخلى عن فكرة النشر الورفي فهو الأساس وسيظل كذلك وأنها تتمنى لو يسير الاتجاهيت جنبًا إلى جنب، بحيث يتم استعمال التكنولوجيا في انتاج أعمال PDF تكتسب صبغة أو مظهر للورقى، بحيث يستشعر القارئ عند اطلاع عليها أنه يقرأ عملًا ورقيًا، وبهذا نكون واكبنا التظور واحتفظنا بتراث وأصالة الأدب العربى.

 

أما الكاتبة الشابة المتألقة “صفاء العجماوي” فقد أعربت عن سعادتها وبالغ تفائلها من تنظيم مسابقة “منف للرواية العربية الالكترونية” على مستوى الوطن العربى والتي تم تدشينها لأول مرة للأعمال الروائية الالكترونية سواءً فردية أو صادرة عن دور النشر، مؤكدةً أنها شيءمشرف لمصر.
وكانت “العجماوي” في لقائها مع تليفزيون دبي -الخميس الماضى- قد أوضحت سبب تدشين تلك المسابقة؛ إذ أكدت أن الكثير من الروائيين ذَوِي الملكات الأدبية والموهوبين بحق، لم تكن لتتاح لهم الفرصة لعرض أعمالهم ليس لشئٍ إلا لتكاليف الكتاب الورفي الباهظة ومصاريف الطباعة والنشر والتوزيع، ما كان يحرم الكثيرين من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم على أرض الواقع، وهو ما دفع الكاتب الروائى المصري “مروان عبده” للتفكير في تنظيم مسابقة كتلك.
وقالت “العجماوي” أن الكتاب الورفي يبقى له حُسْنه وجماله وبهاءه وَوَقْعُه على النفس وتأثيره في إسعاد القُرَّاء وإمتاع الكُتَّاب، إلا أن الظروف الحالية هى ما اقتضت اللجوء للمجال الالكتروني الرحب والاستفادة من التقنيات الحديثة في تخفيف الأعباء وتذليل الصعاب وتيسيرها.

وبعد استعراضنا لماهية المسابقة ورؤى عدد من أبرز الكتاب المصريين، نختتم بتوضيح بعض معايير وشروط الاشتراك في تلك المسابقة وقبول الأعمال -كما أعلنها مؤسسها “مروان عبده”– والذي أوضح بأن إدارة الجائزة تضع معاييرًا لقبول ترشح الأعمال منها على سبيل المثال: ألا يكون سبق للعمل أن نُشِرَ ورقياً، وأن يكون العمل مدققاً لغويًا ومُحَررًا أدبيًا، مشيرًا إلى أن هناك لجنة للتحكيم تتكون من ستة أشخاص يقومون جميعهم بتقييم جميع الأعمال التي تم قبولها في الجائزة، ويتم تقييم كل عمل على ثلاثة أوجه ((لغوياً، ونقدياً، وأدبياً)).
وأضاف أن لجنة التحكيم المُكَوَّنَة من ستة أشخاص تنقسم إلى ثلاثة فرق بحيث يضم كل فريق عضوين، وقد وضع كل فريق استمارة خاصة به في التقييم اللغوي والنقدي والأدبي.

خطوة جادة على طريق الاصلاح الأدبي والاستفادة من التقنيات الحديثة واعطائها قدرها بحق والاعتراف بها والترويج لها بكل صراحة ووضوح، اتفق من اتفق واختلف من اختلف، ولكن يبقى للتكنولوجيا دورها، ويبقى للكُتَّاب الالكترونيين إبداعهم ورُقِيُّهم الذي جذب آلاف مُؤَلَّفة من شباب التواصل الاجتماعي حتى أضحوا ضمن فئة القُرَّاء والمثقفين، والذين لولا المجال التقنى السماوى المفتوح ما أتيحت لهم الفرصة ولا لفت انتباههم دور النشر والمعارض والمكتبات.
وبعيدًا عن الفروق النسبية بين كلًا من الأعمال الورقية والالكترونية، دعونى أتوجه بخالص شكرى وتقديري وامتناني لصاحب تلك الفكرة والقائمين على المسابقة؛ إذ أنهم قدموا عملًا إنسانيًا جليلًا أعاد لمئات الموهوبين بهجتهم وطموحهم وإصرارهم على إكمال الدرب بعد أن كانت الأعين قد غفلت عنهم، وغُلِّقّت الأبواب أمامهم، وجاءت تلك المسابقة لتُنْزِلَهم منازلهم بحق.
وصدق الله تعإلى حين قال “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”، وكذا صدق رسوله الكريم إذا قال “أنزلوا الناس منازلهم”، وفي حديث آخر قال “…، وأعط كل ذي حق حقه” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد