هل قابلت المسيخ الدجال من قبل؟

فكرة المسيخ الدجال، مترسّخة في وعي غالبية البشر، بمختلف دياناتهم، وثقافاتهم، ومستوياتهم الإجتماعية، وهي تأخذ عند كل شريحة من أولئكم إسمًا ورسمًا مختلفَين.

“المقال في المنهج” كتاب للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596 ـ 1650) يطرح فكرة منطقية، مفادها: أننا في أحلامنا، نقابل أشخاصًا ماتوا، أو أشخاصًا لا نعرفهم، كما أننا نذهب إلى أماكن بعيدة (بمسافات متفاوتة) عن غرفة نومنا، وبعض تلك الأماكن نعرفها، ونجهل بعضها.

وعليه.. فلماذا نستبعد أن ما يجري في أحلامنا، قد يحصُل أثناء يقظتنا أيضًا ؟

في حياة كلٍّ منا، شخصٌ مـرّ مرةً واحدة، أو أكثر ـ على فترات متباعدة، تاركًا ذكرى أثيرةً عندك، كلما تذكرتَها، تحيّرت في محاولة فهم مَن كان ذلك الشخص؟ وأين ذهب؟ وكيف ذاب بهذا الشكل؟

في النصف الثاني من القرن ال18 ظهر في أوروبا شخص دُعِي بالكونت دي سان جيرمان، تنقّل بين معظم بلدان أوروبا، وكان ذا حظوة لدى العائلات المالكة، وكان واسع الثراء، واسع الحيلة، خفيف الظل، لديه معلومات مفصلة عن أحداث طاعنة في القِدم، ويُخبر عن أحداث قادمة في المستقبل، بكل دقة وإقناع.

يشبِّه البعضُ الكونتَ في نقطة التنبؤ بالأحداث المستقبلية، بمسلسل عائلة سيمبسون، الذي دومًا ما يثير لغطًا بتنبوئه بأحداث مستقبلية، ثم تحدث بالفعل، ويعتبرون أن كلًا من الكونت وصانعي مسلسل سيمبسون، ما هم إلا أدوات بيد المسيخ الدجال.

وكان يتقن كل لغات العالم تقريبًا، ويتقن العزف على أكثر من آلة موسيقية بمهارة إستثنائية، كما كان يتقن فن الخيمياء، وهو تحويل النحاس والقصدير إلى ذهب خالص، بإستخدام السحر، حتى لُقب بالشعلة البنفسجية (لهيب النار المتّقدة) معللين التسمية بالإشارة  إلى تحقيقه أعلى معدل لتكرار الطاقة الروحية، وذلك في أوساط ما كان يُعرف بالثيوصوفيا، المنتشرة في أوروبا ذلك الزمان.

وكان يقدم لعِلية القوم عقاقير تزيل تجاعيد الوجه وشيب الشعر، مدّعيًا ان عقاقيره تلك هي إكسير الحياة، فزاد ألَقُه في الأوساط الأرستقراطية، خاصة أنه لم يكن يطلب مالًا لقاء ما يقدمه، فقد كان واسع الثراء.

لعب سان جيرمان أدوارًا خطيرة في البلاطات الملكية الأوروبية، فبعد فراره من إنجلترا في 1743 حيث لعب دورًا في الثورة الإنجليزية التي عمّت البلاد آنذاك، توجّه إلى فرنسا حيث شغِل منصب سفير في بلاط لويس ال15 وكانت علاقته قوية بمادام دي بامبادور عشيقة لويس ال15 ثم إنتقل إلى روسيا، حيث لعِب دورًا في ثورة إندلعت هناك سنة 1762

ثم ما لبِث أن عاد إلى فرنسا في عهد الملك لويس ال16 وكان مقربًا من الملكة ماري أنطوانيت، وفي حديث دار بينهما، حذرها من أن ثورة ستقوم في فرنسا، وأن صولجان تلك الثورة سيكون سكين الجلاد، في إشارة رمزية إلى المقصلة التي إخترعها روبسبير، لقطع رؤس معارضيه،ثم قُطعت رأس روبسبير نفسه بها.

وكانت له علاقة قوية بالمشعوذة الروسية هيلينا بلافاتسكي (1831 ـ 1891) مؤسِّسة الثيوصوفيا، والتي كانت تعبد الشيطان، وإدعت أن سان جيرمان: واحد من سادة الحكمة، ومُعلِّم يأتي إلى الأرض كل ردح من الزمن، ويأتي من مستوىً أعلَى من الوجود، ليبين للناس أخطاءهم.

كذلك ورد عن كازانوفا العاشق الإيطالي الماجن الشهير (1725 ـ  1798) قوله: أنه قابل رجلًا عمره 3000 عام، وأن لديه القدرة على التحكم في الطبيعة !

حتى أنه رُوِي عن الفيلسوف والأديب الفرنسي فولتير قوله: أن سان جيرمان كان يعرف كل شيء، وأنه لا يموت أبدًا ! ! أفلا ينطبق هذا الوصف على المسيخ الدجال؟

وقد أعلن الكونت تشارلز أوف هيس كاسل، سنة 1784 وفاة صديقه سان جيرمان، وأنه دفنه بحديقة قصره، ليتبين بعدها أنه إعلان كاذب، فقد سُجّل ظهور سان جيرمان بعد ذلك التاريخ عدة مرات.

ورد إسم سان جيرمان في مذكرات كثيرين من وجهاء المجتمع الأوربي في مختلف الأزمنة خلال القرون الثلاثة الأخيرة، حتى بات الموضوع بالنسبة للباحث المدقق: متاهة، لا يعرف فيها الحقيقة من الخيال، ولا الدقة من المبالغة، فمنهم مَن ذكر سان جيرمان بالإسم، ومنهم مَن ذكره بإسم آخر وربطه في نفس الوقت بشخصية سان جيرمان.

ولكن إذا تفحصت تلك الروايات بتركيز، ستجد بعض العلامات التي قد تدل على ماهية الشخص المروِيّ عنه.

معظم الروايات تتفق على أن الشخص المروِيّ عنه، كان يبدو في سن الأربعين، نضِرًا ومملوءًا حيوية وذكاءًا، كما تركّز معظم الروايات على أنه كان واسع الثراء، وكان مصدر تلك الثروة مجهولًا للجميع، وأن وجوده في أي بلد كان يرتبط بنشوب حرب أو قيام ثورة في تلك البلد.

كما يتفق كل مَن تكلم عنه، على أنه كان يهوديًا، وأنه كان مندوب فرنسا في توقيع إتفاقية الماسونية العالمية سنة 1788 ومن المعروف أن الماسونية مرتبطة منذ نشأتها الأولى في أربعينات القرن الأول الميلادي، على يد الإمبراطور الروماني هيرودس أكريبا ومعاونيه اليهوديين: حيرام أبيود ــ موآب لامي، كانت ومازالت مرتبطة باليهود.

وهي معلومات حَدَت بالبعض لأن يعتبروا ذلك الكونت هو المسيخ الدجال.

وقد كان يمتلك من الحيَل ما يُذهِل به الناس ويأسِر ألبابهم، من ذلك مثلًا قدرته على التنويم المغناطيسي، وأنه كان يختفي لسنوات ثم يعود، في نفس السن الشبابية المفعمة بالحيوية والنضرة، ليقوم بأدوار مؤثرة في كل مرة.

كما يتفقون على أنه كان لديه معارف ومعلومات غاية في الدقة عن أحداث تاريخية، كان يرويها كما لو كان قد عاصرها وحضرها بنفسه، وكان يقِر بذلك أحيانًا.

قيل أنه ظهر في سبعينات القرن ال20 وكان على علاقة مع الفنانة الفرنسية المصرية الأصل داليدا، التي إنتحرت سنة 1987 والتي كان عشيقٌ لها قد انتحر سنة 1967 وعشيقٌ آخر إنتحر في السبعينات !

وفي قصته مع داليدا، يُلفِت النظر روابط معينة، إحداها أن كلًا من سان جيرمان وداليدا، كانا يتقنان أكثر من 10 لغات (وكذلك كازانوفا) ومن المعروف عن داليدا أنها غنت بحوالي 10 لغات، وكانت أغانيها تتردد في ال5 قارات، والرابط الثاني أن داليدا إنتهت حياتها هي وعشيقـيها بالإنتحار، كما إنتهت حياة عشيقة سان جيرمان بأن وُجدت مقتولة، وبجوارها ورقة مكتوب عليها: سآخذها معي، لأنها تشبهني.

كما يُلفت النظر أن كل علاقاته المروية، كانت علاقات مع شخصيات منحرفة إما عقائديًا، مثل هيلينا بلافاتسكي، أو أخلاقيًا مثل كازانوفا الذي كان يباهي بأنه عاشر 550 إمرأة، أو داليدا التي إتخذت عشيقًا بعد آخَر، حتى ماتت منتحرة، إنها أفعال المسيخ الدجال المضلة.

هذا.. ولم يصل بحثي لفهم سبب تسمية أهم وأكبر فرق كرة القدم الفرنسية، على إسم هذا الكونت المثير للجدل، فهل تعرف السبب؟ وهل تعتقد أن هذا الكونت هو المسيخ الدجال؟


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد