وعد الله لبني إسرائيل “لتفسدن في الأرض مرتين” بين تفاسير السلف القديم والتفسير الحديث

يجتهد العلماء في تفسير آيات القرآن الكريم، ويقف الكثير منهم حائرون أمام العديد من المعاني الإلهية، حيث جاء بعضها مجملا وجاء بعضها مفصلا، والمعروف أن الرسول الكريم (ص) لم يفسر القرآن الكريم، واجتهد الصحابة في ذلك، ومن الآيات ما يخضع لأسباب النزول ومنه ما لا يخضع، ومن ثم يتعرض المقال للتفاسير المختلفة لأربع آيات هامة في سورة الإسراء تتحدث عن المسار السياسي لبني إسرائيل من قوة وهزيمة، وتعد هذه الآيات قضاء من الله إليهم سجلته الكتب السماوية وكان وعد الله مفعولا.

لتفسدن في الأرض مرتين

لتفسدن في الأرض مرتين

من الآية 4 إلى الآية 8 من سورة الإسراء

قال تعالى ( وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا (4) فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا (5) ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا (6) إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا (8)).

لتفسدن في الأرض مرتين
فساد اليهود

معاني الآيات الكريمة

  • يقصد بقوله سبحانه “وقضينا إلى بني إسرائيل”: بمعنى إعلامهم أو إخبارهم بهذا القضاء.
  • في الكتاب: ربما يقصد الله سبحانه التوراة، أو اللوح المحفوظ الذي يكتب فيه أقدار البشر.
  • لتفسدن في الأرض: أختلف العلماء بالمقصود بالأرض، وكانت الآراء ما بين بيت المقدس أو أرض الشام أو مصر.
  • لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا: وهنا يبدوا تفسير الآية واضحا هو أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض، وهذا الإفساد سيكون فيه علو شأن كبير لهم، ولكن اختلف العلماء في تحديد المرتين المقصودين في الآيات الكريمة، فمنهم من قال أنها حدثت بالفعل ومنهم من يقول أنها لم تقع بعد.
لتفسدن في الأرض مرتين
تهجير فلسطينيين 1948 م

مرتي الإفساد بين تفاسير السلف والتفاسير الحديثة

أغلب كتب التفاسير القديمة مثل الطبري وابن كثير والقرطبي، تعتقد أن مرتي الإفساد لبني إسرائيل، حدثت بالفعل قبل نزول القرآن الكريم، وتنوعت الآراء وكانت كالتالي:

  • الإفساد الأول: تنوعت تفاسير السلف للإفساد الأول لبني إسرائيل بين قتل أشعيا أو حبس أرميا، أو مخالفة التوراة وأحكامها ، وبعضهم أيضا يقول أن إفساد بني إسرائيل الأول كان في قتل نبي الله زكريا.
  • الإفساد الثاني: وتنوعت آراء علماء السلف أيضا في إفساد بني إسرائيل الثاني، حيث يعتقد البعض أنها كانت في قتل يحيي عليه السلام، والآخر يعتقد أنها حدثت وقت محاولة صلب نبي الله عيسى عليه السلام.

 الإفساد مرتين في التفسير الحديث

أعتقد المفسرون في العصر الحديث أن بعض التفاسير القديمة تأثرت بالإسرائيليات، وما يكتبونه اليهود بأيديهم في التوراة، وأن مرتي إفساد بني إسرائيل المقصودة، تحسب من بعد نزول القرآن الكريم وليس قبله، حيث قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسير قول الله تعالى ” فإذا جاء وعد أولهما”، أن  كلمة ” فإذا “، يأتي بعدها أحداث لابد أن تكون في المستقبل، فهي ظرف زمان لما سيحدث، ومن هنا يعتقد الشيخ الشعراوي أن مرة الإفساد الأولى لبني إسرائيل هي التي حدثت بعد وعد بلفور، وقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948.

لتفسدن في الأرض مرتين
حرب 1967

عبادا لنا أولي بأس شديد

ذكرت بعض تفسيرات السلف أن الله تعالى بعث إلى بني إسرائيل

  • بعد الإفساد الأول جالوت وجنوده، أما في الثانية فبعث الله عليهم بختنصر الذي قتل منهم سبعون ألفا.
  • ويعتقد آخرون بأن الله أرسل عليهم بختنصر في المرة الأولى، أما الإفساد الثاني فقد بعث الله عليهم الملك بيردروس الذي أذاقهم العذاب والقهر.
  • والحقيقة أن ما أكثر عدد المرات التي أفسد فيها بني إسرائيل، ولذلك فإن علماء السلف يعتمدون على تفسيرهم للآيات الكريمة على قراءة التوراة، واستخراج منها أكبر الأحداث التاريخية التي مرت بها اليهود، ومن ثم يستنبطون منها تفسير الآيات الكريمة، وهذا قد لا يكون دقيقا، في ظل تحريف اليهود لكتابهم المقدس.

    لتفسدن في الأرض مرتين
    تجمع يهودي

التفسير الحديث لعباد لنا

حيث استند علماء التفسير في العصر الحديث، عند تفسير الآيات الكريمة من سورة الإسراء لمعنى “عباد لنا ” في القول بأن من سيرسله الله لهزيمة بني إسرائيل هم المسلمون المؤمنون، لأن لفظ عباد جمع لكلمة عابد، قال تعالى ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)، وليس عبد، لأن عبد جمعها عبيد، ومن هنا فإن الله يبعث على بني إسرائيل في الإفساد الأول، عباد مؤمنين ذو بأس شديد، ومن ثم لا يكون المقصود بختنصر أو بيردوس.

الكرة تعود لليهود

كما ذكر الشيخ الشعراوي في الفيديو الشهير على اليوتيوب في تفسير الآية ( ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا )، أن هذا ما حدث بعد هزيمة 1967م، وأن اليهود بعدها أصبحوا قوة عظمى لها تأثير عالمي، وهذا المقصود بأكثر نفيرا فنجد أن إسرائيل اليوم، وراءها الولايات المتحدة ودول أوروبا وغيرهما.

لتفسدن في الأرض مرتين
الأمام الجليل الشيخ متولي الشعراوي

وإن عدتم عدنا

هذا هو قضاء الله في الكتاب إلى بني إسرائيل، فأي كان المقصود الإلهي لمرتي الإفساد لبني إسرائيل، فإن الله تعالى وعدهم بالهزيمة في كل مرة يعودوا فيها للإفساد، فكلما تكرر إفسادهم في الأرض سيبعث الله عليهم من ينكل بهم ويردهم عن الفساد.

وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة

كان دخول المسلمون المسجد الأقصى في أول مرة، بعد هزيمة الدولة الرومانية، في عصر الخليفة عمر بن الخطاب، ولم يكن نتيجة حرب مع اليهود، ولكن الله وعد المسلمين بدخول المسجد الأقصى مرة أخرى، حيث يكون الحرب فيها بينهم وبين اليهود، ومن ثم فإن القرآن الكريم يبشرنا في الآيات الكريمة أن دولة إسرائيل حتما إلى زوال، وأن المسجد الأقصى سيعود في أراضي المسلمين، ( فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا (8)).

لتفسدن في الأرض مرتين
الصلاة في المسجد الأقصى

نصر الله لعباده المتقين

حيث يقول بعض المفسرون أن هزيمة المسلمين لليهود لن تكون إلا بعد أن يكون المسلمون عباد لله، مطيعين له، وأن يتوب المسلم عن المعصية، ويلتزم بتقوى الله تعالى ومنهجه، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الحديد ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (28) لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ (29) ).



عن الكاتب:
اترك رد