مسؤولية الآباء اتجاه أبنائهم

إن مسالة تصدير فرد صالح للمجتمع هي من أهم مسؤوليات الأسرة، بل تقع المسؤولية الكبرى على عاتقها بالمقارنة مع المؤسسات التربوية الأخرى في المجتمع وخصوصا أن التربية على حد قول الأخصائيين تكون في السنوات السبع الأولى من حياة الطفل ولهذا يجب على الآباء الوعي بأن تربية الأبناء ليست مهمة هينة وعشوائية إنما مسؤولية مجتمعية تقوم على أسس مدروسة.
ويجب أن يعي الآباء أيضا أن العالم ليس حدوده الأب والأم بل مجتمع كامل يحتك به أبناؤهم يوميا بمختلف شرائحه، مجتمع حقيقي ومجتمع افتراضي فيجب أن يحاول الأهل احتواء سلبيات هذا الاحتكاك والاستثمار في إيجابياته وتربية النشأ بالأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الحاصلة في المجتمع بصفة عامة وخصوصا أن هذا الأخير متغير بطريقة زئبقية ولا يشبه المجتمع الذي تربى فيه آباؤنا، فالتربية تكون بما يتماشى مع متغيرات المجتمع وطبيعته ولهذا على الآباء مسؤولية الوعي بسمات المجتمع الذي يعيشون ويعيش أبناؤهم فيه وهذا يفرض على الآباء مجموعة من المهام التي يجب أن ينجزوها مع أبنائهم ومجموعة من التعليمات التي عليهم اتباعها في تربية النشأ ويمكن تلخيص مسؤولية الآباء إتجاه أبنائهم فيما يلي:
مسؤولية الآباء اتجاه أبنائهم
1- الوعي بالثوابث الدينية والوطنية والإنسانية وتربية النشأ عليها وغرس فيهم القيم السامية في المجتمع من تضامن وتآخي وتعاون وتسامح وتقبل واحترام للإختلاف في الدين والشكل، العادات والتقاليد.
2- مساعدتهم في بناء شخصيتهم ومعرفتها واكتشاف ذواتهم.
3- دعم مواهبهم ومساعدتهم في صقلها والاستثمار فيها.
4- تعليمهم قيمة الأشياء من حولهم أي أهمية كل شيء ذو قيمة في الحياة حتى يقدروا قيمة النعم الموجودة في حياتهم فيستمتعوا بها ويحمدوا الله عليها.
5- توسيع مداركهم عن طريق توجيههم للقراءة واختيار المشارب التربوية والفكرية الصحيحة، بالإضافة إلى مراقبة ما يشاهده أبناؤهم من قنوات وأوقات المشاهدة وحجم المشاهدة.
6- الاحتواء العاطفي للأبناء وليس المادي فقط أي ايصال إحساس أننا معكم في السراء والضراء ونحس بحزنكم وفرحكم ويجب أن يكون الآباء بالنسبة لأبنائهم الجانب الغير متغير من الحياة ركيزة الأمان والثقة في حياتهم وبهذا يزرعون الثقة بينهم وبين أولادهم ويعطونهم الإحساس بالاحتواء والأمان وبأن هذه العائلة هي الملاذ الوحيد لهم وأنه مهما حصل معهم هذا البيت هو الملجأ، حتى لا ينهدم جدار الثقة فيهم لأن انعدام أو انهدام هذا الجدار فيهم سيهدم الثقة مطلقا في أنفسهم وفي الغير ما يسبب للطفل الوحدة والاكتئاب والانطواء والعنف والضياع العاطفي والفكري لأنكم كآباء لن تكونوا مثل أعلى بالنسبة لهم.
7- بناء نفسيتهم وتجهيزها لتحمل الألم والفقد ومصاعب الحياة، فكل شيء في هذه الحياة وارد.
8- الابتعاد عن العنف ومنه أن لا تتشاجروا أمامهم فالطفل يتعلم من المشاهدة وليس الكلام، بالإضافة إلى عدم التعنيف اللفظي ولا الجسدي للأبناء حتى لا يظهر الآباء بمظهر الأعداء بالنسبة لأبنائهم ويخافون من العقاب وبالتالي لا يصارحوهم بما يحدث معهم والبديل هنا هو تحسيسهم بالأمان واعتماد لغة الحوار والنقاش على حسب فهم الطفل ومستوى استيعابه.
9- إعطاء أهمية لكل ما يهتمون به.
10- رعايتهم ماديا وتعليمهم والاهتمام بصحتهم.
11- التعامل مع أبنائهم باحترام لشخصهم ككيان مستقل محترم لينمو فيهم احترامهم لذاتهم وتقديرها ولا يكونوا سببا من أسباب ضعف تقدير الذات وعدم الشعور بالاستحقاق عند أبنائهم.
12- استيعاب خصوصية أبنائهم والوعي بأن الأبناء سواء أبنائهم أو أبناء غيرهم ليسوا متشابهين، فلا داعي للمقارنة فهذا قد يطفئ مشاعر التميز أو الشعور بالتميز عند الأبناء ويتحول الأمر عندهم إلى خجل من التميز، بل على العكس يجب أن يحرص الآباء على تعزيز التميز عند أبنائهم ونحن في زمن التميز، هناك مثلا أطفال مرضى ولأن أهلهم واعون أفهموهم أنهم متميزون وليسوا مرضى وهناك أطفال أصحاء أفهمهم أهلهم لأنهم ببساطة عجزوا عن استيعابهم أنهم في الطريق الخطأ ولقبوهم حتى بالمجانين وأحطوا من شأنهم وقارنوهم سلبا بغيرهم من الأطفال وهم الأفضل لأنه ببساطة يجب أن يكونوا ذواتهم وماهم عليه وليس ذوات الآخرين.
13- من مسؤولية الآباء اتجاه أبنائهم أيضا أن يتدارسوا معهم مخططاتهم ولا يقفوا عائقا أمام أحلامهم وأهدافهم يجب أن يكونوا موجهين ومصححين وداعمين وإن لم تكن لديهم هذه الكفاءة فليلجؤوا للمساعدة من الأخصائيين ويجب الأخد بعين الاعتبار بأن حياة اليوم معقدة وليست مثل وقتهم وتتغير بشكل سريع ومستمر وعلى الفرد وحتى الأطفال مجاراة هذه الخاصية وإلا بقوا على الرف وعلى هامش الحياة وغيرهم يتطور وينمو، وهناك في هذا الباب من غير دولة السكن وليس الولاية من أجل طموح أولاده وخصوصا لما تكون بنت.
14- شرح التغيرات التي ستقابل الطفل في كل مرحلة من مراحل حياته وإعطائه اللازم من التوجيه والمعلومات عنها، حتى يكون مستعدا لاستقبال هذه المرحلة والتعامل معها بطريقة سليمة كالمراهقة مثلا، الإقبال على الزواج، إنجاب طفل جديد…
15- تعليمهم كيفية العناية بجسمهم وجمالهم وصحتهم.
16- تعليمهم حدودهم مع الآخر أي الحقوق والواجبات إتجاه الأفراد، الوطن والمجتمع الإنساني ككل وأن لا يؤذوا الناس وأن يرحموا ولا يحكموا عليهم، تنمية الحس المجتمعي فيهم وكذا الإنساني بالإنخراط مثلا في جمعيات نشاطات ثقافية وإنسانية ومجتمعية وتعزيز الشعور بالوطن والمواطنة.
17- عدم منع الشيء بل شرح مساوئه وإن لم يقتنعوا يتركوهم دون فرض لا على أن يعمله ولا على أن لا يعمله وتركهم للتجربة، فيمكن أن يكون تقدير الأهل خطأ فأحيانا يكون تقدير الأبناء أفضل وطالما رأينا أبناء ينجحون في أعمال وزواج لم يكن يعجب الأهل، صديقتي مثلا لما خطبها إبن عمتها لم تكن أمها ترضى بهذا الزواج وحاولت منع زواجهم لأنه لم يكن لديه شهادة جامعية وصديقتي أكملت تعليمها ولكن هذه الأخيرة أصرت وتزوجته وكان لها نعم الزوج والأب والصديق وقد مر على زواجهما الآن خمسة عشر عاما مع العلم أنها واجهت مشاكل في الإنجاب في سنواتها الأولى ولم تنجب إلا بعد 6 سنوات من زواجها وأحيانا يجبر الآباء الأبناء على خيارات تفشل مع الوقت وتكون رؤية الإبن أفضل وهنا أيضا سأعطيكم مثلا: قريبة لي لم تكن ترغب في الزواج بالشخص الذي تقدم لها لأن فيه عيوبا رأتها ولكن أهلها أصروا عليها لتقبل به وتتجاوز عن هذه العيوب وهي الآن تعاني الأمرين بسبب هذه العيوب التي تفاقمت مع مرور الزمن.
18- تعليمهم تحمل المسؤولية، إبراز أهمية المال وتعليمهم طرق كسب المال فهذا الأخير غائب عن ثقافتنا العربية عموما فليست وظيفة الآباء توفير الثروة المالية للأبناء بل إعدادهم لكسبها بمفردهم.
19- لا يجب أيضا أن نغفل عن هذه النقطة ونحن بصدد الحديث عن مسؤولية الآباء إتجاه أبنائهم وأنا أراها مهمة جدا، ففي بعض المجتمعات الفتاة هي من يتحمل كل أعباء المنزل وهذا خاطيء فهي فرد فقط في المنزل وعلى الكل إناثا وذكورا بما أنهم يعيشون في نفس المنزل أن يتقاسموا هذه المهام فالفتاة عليها مسؤولية تكوين نفسها أيضا وليس معناها أنها فتاة تقوم بكل أعباء المنزل والذكر يعمل أو يدرس فقط.
20- عدم الكذب عليهم والوفاء بالوعد إن وعدوا.
21- عدم السخرية منهم بل النصح والإرشاد.
22- يجب على الآباء ترك مساحة من الحرية للأبناء لاستكشاف أنفسهم وذواتهم وعدم الضغط عليهم وهذا يستلزم الالتزام بنهج النصيحة والمتابعة، بل تشجيعهم على معرفة ذواتهم أفضل فكلما عرفوا ذاتهم أفضل كانت قراراتهم أصح وأسلم، مثلا في المراهقة يحتاج الأبناء لمساحة أكبر من الحرية والخصوصية لأنهم بصدد اكتشاف أنفسهم من جديد وأيضا في علاقاتهم بالطرف الآخر والزواج..
23- هناك للأسف ظاهرة لا يشار إليها كثيرا ولكنها موجودة وجوهرية ومشكلة كبيرة وأحيانا مأساوية في حياة بعض أطفالنا وهي غيرة الآباء من أبنائهم، لذلك أقول هنا يجب أن نتقي الله في أطفالنا ولا نتعامل مع الأبناء من منطلق الغيرة منهم فسيحس الأولاد بهذا ولو لاحقا وسينفرون من كل العلاقة ويتدخل العامل الخارجي أكثر وقد يتعلقون لتعويض التقدير والاحترام والحنان والأمان بأشخاص وأشياء خطأ أو الهرب بأي طريقة لأي مجال كالمخدرات.
24- أن لا يعامل الآباء أبناءهم بأي طريقة أو بطريقة الاضطهاد لما يكونوا أطفال فيكسرون الثقة والتواصل فيما بينهم ولما يكبر الأولاد يرغبون في التواصل معهم كأصدقاء، بهذا يكون الآباء قد قطعوا حبل المودة فيما بينهم وبنوا جدارا من عدم الثقة والأمان.
25- يجب على الأولياء أن يكونوا ملهمين لأولادهم، قدوة لهم وهذا يأتي بمراقبة تصرفاتهم الشخصية والاعتراف بالنقص والتعلم منه ويحملوا الأسرة وتربية الأولاد وتصرفاتهم وحياتهم على محمل الجد ليكونوا المثل الأعلى والقدوة لأولادهم.
باتباع هذه التوجيهات والتعليمات يؤدي الآباء مسؤوليتهم إتجاه أبنائهم على أكمل وجه وينجحون بإذن الله في زرع المبادئ والقيم التي توجه سلوكهم وأفعالهم وتحميهم من الانحراف في مسارهم وبالتالي ينجحون في تصدير فرد صالح يفيد نفسه ومجتمعه.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد