قراءة في رواية طيور بلا أعشاش لكلوريندا ماتو دي تورنر

نجح بعض الروائيين في تخليد أسمائهم في سماء الأدب بجملة ما قدموه من أعمال عظيمة، لكن يحدث نادرا أن تخلد رواية واحدة إسم صاحبها وتحدث ثورة في عالم الأدب، رواية طيور بلا أعشاش للكاتبة البيروفية كلوريندا ماتو دي تورنر، رواية بنكهة الثورة، نفيت بسببها كاتبتها وأسست لنوع جديد من الأدب، فما قصة هذه الرواية؟ ولماذا كان لها كل هذا التأثير؟
رواية طيور بلا أعشاش لكلوريندا ماتو دي تورنر
كلوريندا ماتو دي تورنر
كلوريندا ماتو دي تورنر مؤلفة رواية طيور بلا أعشاش هي أديبة وصحفية بيروفية ولدت سنة 1852 وتوفيت سنة 1909 عن عمر ناهز 57 سنة.
كتبت كلوريندا ماتو دي تورنر في السياسة والثقافة والأدب والمجتمع والمرأة، كرست جهودها لتغيير ما يسود مجتمعها من فساد سياسي وأخلاقي والظلم الذي يمارس على السكان الأصليين (الأنديجان) من طبقية وعنصرية تحت غطاء الدين والعادات، محاولة توحيد الجميع حول مشروع وطني ثقافي سياسي اقتصادي يخرج البلاد من تخلفها.
كلوريندا ماتو دي تورنر كاتبة رواية طيور بلا أعشاش
رواية طيور بلا أعشاش
صدرت رواية طيور بلا أعشاش سنة 1889، شكلت هذه الرواية لدى صدورها ضجة واسعة واعتبرت تحديا للسلطات السياسية، القضائية والكنسية وللمجتمع الأوروبي، لأن رواية طيور بلا أعشاش تعتبر صرخة في وجه الإقطاع، الذي كانت تعاني تبعاته بالخصوص فئة الهنود أو السكان الأصليين (الأنديجان) بمباركة رجال الدين والسلطة وملاك الأراضي، عالجت رواية طيور بلا أعشاش أيضا موضوع عزوبية الكهنة واعتبرته ضد الفطرة البشرية وسبب في فساد الكثير من رجال الدين واستغلالهم للهنديات الفقيرات.
هوجمت الكاتبة بسبب رواية طيور بلا أعشاش حيث أصدرت الكنيسة قرار حرمان كنسي بحقها وخربت أملاكها، مما أجبرها على الهروب خارج البلاد حيث استقرت بالأرجنتين حتى وفاتها.
ألغي وجود كلوريندا ماتو دي تورنر لسنوات من الذاكرة الرسمية والشعبية للبيرو قبل أن يقرر البرلمان البيروفي استعادة جثمانها لتدفن في وطنها لتعود كرمز أدبي بعد وفاتها وبعد تراجع الإقطاعية وتزايد الحريات المدنية.
اعتبر الكثير من نقاد الأدب اللاتيني رواية طيور بلا أعشاش الرواية المؤشرة والرائدة لما سيعرف بعدها ب “الأدب الأنديجاني” وهو نوع أدبي انتشر خاصة في النصف الأول من القرن العشرين ويتناول ظروف المجتمعات الهندية ومعاناتهم في بلدان القارة الأمريكية.
السكان الأصليون للبيرو
ملخص رواية طيور بلا أعشاش
ترسم لنا الكاتبة في قرية كياك وهي إحدى القرى الصغيرة في المناطق الداخلية للبيرو، لوحة من التناقضات المجسدة لواقع هذه القرى من صراع بين الخير والشر والرغبة والدين والتسلط والعبودية.
وابتدأت الحكاية لما لم تستطع عائلة يوبانكي الهندية المتكونة من الزوج خوان والزوجة مارسيلا وبنتيهما مارغاريتا البنت الكبرى وروزاليا البنت الصغرى تسديد ديونها للسلطة ولما أتى محصل الديون ولم يجد المال أخد ابنتهم الصغرى ليبيعوها لتجار الماخينيوس، فطلبت العائلة النجدة والمساعدة من عائلة مارين، المتكونة من الزوجة لوسيا وهي إمرأة متعلمة وطيبة والزوج دون فيرناندو وهما بيروفيان مولودان بالعاصمة تنقلا للعيش في كياك، قدمت العائلة المساعدة ودفعت الدين عنهم وتم استرجاع الطفلة روزاليا وهنا قررت عائلة يوبانكي أن تكون في خدمة عائلة مارين للأبد وأن لا يتخلو عنهم مهما حصل.
لم يعجب كاهن كنيسة قرية كياك ماقامت به عائلة مارين واعتبره وقوفا في وجه الكنيسة وكذا لم يرقه أمر التآلف والوفاق الذي بدأت تجنيه عائلة مارين من مختلف فئات الناس في القرية، فقام بتحريض الدون سيباستيان مع بعض الموالين وقرروا وضع حد لعائلة مارين.
فقاموا بالهجوم عليهم في منزلهم بإطلاق النار، هبت عائلة يوبانكي لمساعدتهم أين أصيب الزوج خوان وتوفي على الفور، أما زوجته مارسيلا فماتت فيما بعد متأثرة بجراحها بعدما أفشت سرا كانت تحتفظ به للوسيا.
تبنت عائلة مارين بنتي عائلة يوبانكي كحفظ عرفان لوالديهما اللذين ماتا في الدفاع عنهما، عائلة مارين التي نجت بأعجوبة لدى تدخل الشاب مانويل ابن الدون سيباستيان بالتبني من زوجته دونيا بيترونيلا التي لم يكن يعجبها ما يفعله زوجها مع الدون فيرناندو، أما الكاهن باسكوال فأصابته نوبة توبة مرض على إثرها وسافر لمدينة أخرى أين مات هناك متأثرا بمرضه.
توالت الأحداث… وقررت عائلة مارين ومانويل وأمه السفر ومغادرة القرية المليئة بالظلم واللاعدالة ضد العرق الهندي وبمجيء نائب المحافظ الجديد توالت سلسلة من الانتهاكات والمكائد، كان أولها وليس آخرها إلصاق إطلاق النار والموتى اللذين وقعوا في حادثة الهجوم على عائلة مارين لقارع الأجراس “تشامبي” من عرق هندي، هنا وفي هذا المكان والوضع أين لا أحد يصلح والكل يتبع السلطة الفاسدة الكنسية، السياسية والقضائية، استنكرت بشدة “سلسلة الخير” المكونة من عائلة مارين ومانويل وأمه الوضع القائم وقرروا أن يقفوا في وجه “سلسلة الشر” المكونة من الدون سيباستيان والكاهن الجديد ونائب المحافظ الجديد وأن لا يذهبوا إلا بعد قطعها.
حققت في الأخير العدالة وأرجع لكل ذي حق حقه في أحداث شيقة أترك للقارئ متعة اكتشافها بقراءة الرواية، وانتهت الرواية بالكشف عن هوية مانويل ومارغاريتا اللذين وقعا في حب بعضهما واتضح أنهما أخوان من نفس الأب وهو الكاهن باسكوال.


فلسفة رواية طيور بلا أعشاش
ضمنت كلوريندا ماتو دي تورنر رواية طيور بلا أعشاش، الكثير من الرؤى الفلسفية كان أهمها:
• لا يمكن أن نطلب من شخص ما التخلي عن عاداته السيئة دون أن نعطيه المفاهيم الإنسانية ونعلمه المحبة الأخوية والكرامة التي يحترمها الإنسان في حقوق إنسان آخر.
• وجود فلسفة رد الجميل أو العرفان بالجميل عند بعض الناس كما يقول الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا
• تنكسر القلوب الطيبة الجميلة وتستغرب من الشر ولا تقر به، رغم كل الصعاب التي تعترضها لا تبيع ذمتها وانسانيتها أبدا.
• الشر يولد الشر.
• فوائد التعليم الجيد والقراءة.
• البشر أو الأنفس صنفين: الأولى تفضل خسارة كل شيء إلا مبادئها وانسانيتها والثانية تزهق الأرواح من أجل أحقادها ونظم بالية تصونها لا لشيء إلا لأنها تحفظ مصالحها بالدرجة الأولى.
• مثلما هناك سلسلة الشر التي تحاك في الظلام وتنجب الموت والبؤس والظلام والأسى هناك سلسلة الخير التي تحاك في السر والعلن لتزف الخير لهذا العالم.
• هناك دوما مخلوقات جميلة تطل علينا من بين الظلام بأجنحة بيضاء ملائكية تنشر النور والخير على كل محيطها، تعزز النور الملقى في هذا الملكوت المليء بظلام أنفس تزرع الحقد والبؤس والأسى في قلوب الناس، اليد الحانية تحاول وقف النزيف في كل زمن، هناك الكفتان تتنافسان من تسقط الأخرى ولولا هذا النور لساد كل هذا الكون الظلام.
• للخير صحوة.
• من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
• ما أحلى أن نرعى النور كمشكاة تكبر لزرع النور بدورها في قلوب من ظلام.
• الفاسدون يستقطبون بعضهم البعض لتوسيع رقعة الرذالة، فالأيادي المتسخة لا تنفعها اليد النظيفة لتمد يدها لها، بل الوسخة مثلها لتتوحد نحو مصير مشترك “عفن”، أما الأيادي النظيفة لا يمكن أن تتشابك إلا مع مثلها من أجل انجاز أمر خير.
• هناك أناس لا تثمر فيهم الصحبة والعشرة.
• كيف يتحكم فيك مولدك في عالم يقسمك إلى ملك وعبد.
اقتباسات من رواية طيور بلا أعشاش
جاءت في رواية طيور بلا أعشاش العديد من الحكم والمقولات المهمة:
• إن الله وضع بريقا خاصا على الوجوه التي تتنفس فيها الأرواح المميزة.
• لندعو الله أن يساعدنا في تقبل الشر لنستمتع بعدها بالخير.
• ساعدني لأنك تؤمن بالله ولأن الله يأمرنا بالإحسان قبل كل شيء.
• أن نهاجم العادات السيئة لشعب ما دون أن نضع قواعد تعليم مبني على الإيمان بكائن أعلى، سنرى حينها جدارا من المقاومة الأنانية يرتفع ولا يمكن تخطيه وسنجد الحملان التي كانت وديعة بالأمس تتحول إلى ذئاب متوحشة.
• هذه الفوضى نتيجة خطأ يستحق المغفرة أكثر من العقاب.
• الفطنة هي أثر يتركه التعليم الجيد في مدرسة منهجية وتنافسية.
• تذكري يا ابنتي أن مهمتنا في الحياة هي الكفاح وأن قبر الخير يحفره الجهل وأن النصر يكمن في رفضنا أن ندفن.
• هذا ليس أمرا إلهيا بل هو انحراف بشري.
• سنضعهما في مدرسة بهدف تكوينهما كزوجات وأمهات لكن بدون الاحتشام المبالغ والافراط في الصلوات الفارغة من الإحساس.
• إن التعامل مع الكتب كما التعامل مع الناس يجعلنا أكبر سنا، يعطينا خبرات ويجعلنا نفكر.
• إنهم يبحثون عن الوظيفة والراتب والراحة دون أن يكون أي منهم على علم أن “الرجل هو الذي يشرف الأقدار”.
• هنا من الجيد أن نصافح الأيادي التي نتمنى رؤيتها مقطوعة.
• الوقت للحقائق والله للعدالة.
• الغيرة دمار ونبل في نفس الوقت، في أعماق الحب الرفيع المطمئن تنام ملتوية مثل أفعى وفي سطح حب مبتذل تزحف وتلدغ بسمها.
رواية طيور بلا أعشاش هي رواية من أدب الواقع الذي ينتفض للواقع المعاش بهدف تغييره أو تحسينه بوصفه واستهجانه وتبيين أذاه على الفرد والمجتمع.

رواية طيور بلا أعشاش للكاتبة البيروفية كلوريندا ماتو دي تورنر


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد