الحكومة العالمية والحكومة الخفية: هل هما وجهان لعملة واحدة؟

من الصعب تصور أن هذا العالم المليء بالهويات المختلفة والأنظمة السياسية والاجتماعية المتباينة، أن يحكمه حكومة عالمية ويتحول المواطن إلى مواطن عالمي، ويكفي أن ننظر شمالًا وشرقًا وغربًا لنرى صراع القومية الروسية والصين ودول الناتو حول مناطق النفوذ في المنطقة، فمن غير المتصور أن يكون هناك زعيم أو حاكم واحد لكل هذه القوميات المتصارعة، ولكن من زاوية أخرى يرى البعض أن هناك حكومة عالمية حقيقية، ولكنها خفية وعميقة، وأنها تحكم العالم من الخفاء دون أن تتصدر المشهد، وفي هذه السطور التالية نستعرض تلك التصورات وكذلك المزاعم.

المصدر: youtube.com/watch?v=6ZOjOhp9HMU

إرهاصات لدولة عالمية عبر التاريخ:

إذا قبلنا هذه الفرضية لوجود حكومة عالمية، فإنها فرضية مقبولة في حالة حكومة يمكن أن تتمدد لتمارس السلطة على شعوب مناطق أخرى دون موافقتهم، وذلك إذا كان لديها قوة مهيمنة على تلك الشعوب، سواءً كانت هذه القوة المهيمنة تلك قوة باطشة أو قوة خيرية، فعلى سبيل المثال، سيطرت الإمبراطورية الرومانية على مناطق شاسعة لعدة قرون بقبضتهم القوية، وادعى أباطرة الصين تفويض السماء لهم، فقد افترضوا أنهم مُنِحوا السلطة للحفاظ على نظام الأرض، وحضارات أخرى مثل مصر القديمة وغيرها عبر التاريخ.

وقد توسعت الإمبراطورية الأوروبية بالادعاء بأنها جلبت الحضارة إلى رعاياها، وعلى أنقاضها وكان أنصار الإمبراطورية البريطانية يحلمون بسيادة العالم بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.

فلاسفة ومفكرين أسسوا لفكرة دولة عالمية:

كان لدى لينين وماو رؤية خاصة للدولة العالمية من خلال دولة شيوعية تنهار معها الحدود الوطنية، وقد كان من أحلام أمانويل كانط دولة عالمية من خلال تعاون الدول لتقاسم القيم الليبرالية عن طيب خاطر، وغيلاهما كثيرين.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تحدث رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وودرو ويلسون أمام الملايين برؤيته الخاصة لنظام عالمي يتمتع بالليبرالية والديموقراطية، وتعمل الدول معًا ضد التهديدات المشتركة للإنسانية من المرض إلى الحرب.

أراء وأحداث تهدم فكرة قيام دولة عالمية:

يرى “توماس هوبز” وأتباعه أن حالة الفوضى بين الأمم المختلفة هي كل ما يمكننا أن نأمل فيه، حيث لم تمنع عصبة الأمم حدوث الحرب العالمية الثانية، وواجه العالم من بعدها تحديات هائلة لمحاولة منع نشوب حرب عالمية ثالثة تزداد إرهاصاتها يومًا بعد يوم، حيث كان في عام 1945 العالم ممزقًا، وسعى الرئيس الأمريكي روزفلت لبناء الأمم المتحدة الجديدة لتتمتع بسلطة أكبر من عصبة الأمم، حيث أقام المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، إلا أنها دمجت بين الاستبداد والديموقراطية، حيث كان آنذاك رجال شرطة العالم (بريطانيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ثم أضيفت فرنسا على سبيل المجاملة بعد ذاك)، كأعضاء دائمين، وكان ميثاقها ومسئوليتها الأساسية الحفاظ على الأمن، وبحلول 1948 أنشأت الأمم المتحدة قوات حفظ السلام الخاصة بها، وانبثقت من الأمم المتحدة العديد من المنظمات والوكالات مثل: منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية، كما أصر روزفلت على عقد الجمعية العامة بحيث تجلس جميع الدول من أكبرها لأصغرها على قدم المساواة، ومع مرور الوقت أصبحت الأمم المتحدة أداة لممارسة الدول دائمة العضوية الضغط على بعض الدول الأخرى، إلا أنها تبقى هي النواة الوحيدة لمعالجة الانقسامات العالمية، فهي تعتبر منتدى يضم 193 دولة.

فالحكم العالمي يشمل أكثر بكثير من مجرد مؤسسات دولية، بل يتخللها شبكات مصالح، فالحكومة العالمية يجب أن تكون سلطة سياسية واحدة ولها ولاية قضائية على العالم كله.

مصطلح حكومة العالم الخفية:

هو مصطلح نشأ نتيجة اعتقاد الكثيرين بوجود حكومة سرية تتحكم في الأحداث سواءً بالتخطيط أو بالتنفيذ، وذلك من أجل تحقيق مصالح قوى عالمية نافذة سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا واقتصاديًا، وتُستخدم من أجل ذلك هياكل ومنظمات سرية وأحيانًا علنية، ويصفونها بأنها الحكومة العالمية العميقة التي تسيطر وتنظم تقسيم ثروات ونفوذ العالم، وكذلك يطلق ذات المصطلح داخل الدولة الواحدة إشارةً إلى قوة مسيطرة على الداخل وعلى رسم سياسة الدولة وصناعة القرار فيها.

نشأة ودلالة مصطلح حكومة العالم الخفية:

تعود التسمية والمصطلح الخاص بالحكومة الخفية إلى تحذير الرئيس الأمريكي روزفلت الذي حذر من سيطرة وهيمنة شبكات مالية أمريكية على سياسة البلاد، ثم ظهر المصطلح مرة ثانية عام 1926 في كتاب “حكومة العالم الخفية” للكاتب “شيريب سبيريدوفيتش” الأسكتلندي والذي من وجهة نظر المؤيدين لفكرة الحكومة الخفية أنه عُثر عليه مقتولًا في فندق ستاتين آيلاند في 22 أكتوبر 1926 بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن وجهة نظر أخرى وحسب ما صرحت به صحيفة نيويورك تايمز أن الوفاة كانت نتيجة اختناق عرضي من خلال خط غاز، أما التحقيقات الرسمية وبعد تسع أيام من هذا الخبر صرحت الشرطة أنه مات منتحرًا، وجاءت روايات أخرى أنه تم تسميمه بالغاز.

وكذلك كتاب “أحجار على رقعة الشطرنج” لمؤلفه وليام غار كار والذي أصدره في عام 1958 والذي قيل أنه تم اغتياله أيضًا، وقد توفي في  2 أكتوبر 1959 عن سن 64 سنة في أونتاريو بكندا، وجاء الكتاب توثيقًا لأسرار ما يجري من أحداث جسيمة في هذا العالم، وكشف من خلاله عن هذه الأيادي الخفية التي تقف وراء الأزمات والحروب والاغتيالات والتي تتحكم في حكومات هذا العالم، ومع مرور الوقت ترسخ هذا المصطلح بكل مترادفاته للدلالة على هيمنة هذه النخبة الإعلامية والمالية والسياسية ونفوذهم داخل المؤسسات الأممية والتي تجعلها قادرة على التحكم في مقدرات ومصائر الشعوب، باستغلال هذه المؤسسات علنيًا وسريًا مثل: المؤسسات الشرعية للمنظمات الإغاثية الدولية، ووسائل الإعلام والبنوك والبورصات الكبرى، وأجهزة الاستخبارات والعصابات والمليشيات وشركات الأمن الكبرى العالمية واستخدام القوة العسكرية والتقلبات الاقتصادية.

وترى هذه الكتابات أن الحكومة الخفية تضم أباطرة النفوذ المالي أي العائلات المصرفية الكبرى وكذلك الشركات المتعددة الجنسيات والمنتديات الدولية، والمنظمات الدولية السرية سواء في تنظيمها ونتائجها وكذلك العلنية مثل المنظمات الأممية الرسمية. وتشير تلك الكتابات لوجود اجتماعات ومؤتمرات غير معلنة وغير مغطاه إعلاميًا، ولا تنشر نتائجها وقراراتها، ولا يحق لأعضائها تداول تلك النتائج والقرارات خارج اجتماعاتهم.

وهي منظمات في حقيقتها تضم عقول بشرية وخبرات كبيرة في تخصصات متعددة وسياسيين كبار وأصحاب نفوذ، أي كلهم من مجالات بالغة الأهمية، ويراها البعض من خلال الشواهد أنهم يمثلون الحكومة الخفية ممثلة في منتديات سرية مثل: تكتلات عائلية ثرية مثل آل مورغان وآل روتشيلد، والمحافل الماسونية العالمية، وتشام هاوس ببريطانيا، ومنتدى دافوس الاقتصادي، ومؤتمر بيلدربيرغ، ومجلس الشئون الخارجية الأمريكي، ومنتديات الصهيونية العالمية.

ويتم توجيه الانتقادات الحادة لتلك الهيئات، ومن مُنتقديها صاحب كتاب “سلطة زعماء بيلدربيرغ”، لكاتبه “فيشنيفيسكي”، وصاحب كتاب القصة الحقيقية لمجموعة بيلدربيرغ” لكاتبه “دانييل إستولين”، حيث يستعرضون في نقدهم غموض تلك المؤتمرات وعدم السماح للمجتمع المدني بالتواجد فيها، وعدم السماح للإعلام بتغطيتها، ومقراتها التي في طي الكتمان، وقراراتها ذات التأثير السلبي على الشعوب والتي تعطي مصطلح “الدولة العميقة للعالم” مصداقية ووجود. وفي المقابل يقول أصحاب هذه المنتديات أن هدفهم هو تبادل الخبرات والمعلومات فقط، لحل قضايا العالم الكبرى وليس كما يدعي البعض بالتآمر على شعوب العالم ومصالحه، وأن الطابع السري لا يزيد عن تسهيل الحوار وضبطه وأن هناك الألاف من الاجتماعات السرية حول العالم ولا تخرج مناقشاتها للعلن.

الخاتمة:

لا يمكن تجاهل أن التكتلات المالية التي سيطرت على اقتصاد العالم لن تقف عاجزة عن حماية إمبراطوريتها ودون السيطرة الإعلامية والسياسية والعسكرية بطريقة ما، فما بين تصارع الهويات المختلفة، وهذه التكتلات المالية التي تحمي مصالحها يكمن الصراع الحقيقي، وكيف يتحايل رأس المال ليغزو صراع الهويات ويجعله صراع من أجلها ويصب في مصلحتها وليس ضدها، مما يبرهن على أن العالم رغم كل هذه الصراعات المحتدمة إلا أنه واقع تحت سيطرة حركة الاقتصاد التي يسيطر عليها حفنة قليلة من أباطرة العالم.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد