8 مبادئ بسيطة في التربية الإيجابية لصنع شخصية عظيمة

يقول ألفريد أدلير: “إن من أهم الأهداف الإنسانية هو الشعور بالانتماء والتأثير”

هذه المقولة تعتبر هي المبدأ الرئيسي التي يقوم عليها علم التربية الإيجابية، والتي كان قد صاغها أدلر وتلميذه دريكرز والتي كانت حجر الأساس الذي طورت عن طريقه «جين نيلسن» أبحاثها في كتبها عن «التربية الإيجابية» والتي كانت محط اهتمام كبير من قبل العديد من الآباء والمربين والمعلمين في جميع أنحاء العالم.

و التربية الإيجابية تهتم بالكثير من المهارات مثل التفاعل في العلاقات والتأثير في الحياة ومهارة الانضباط الذاتي وكيفية فهم المشاعر الشخصية والقدرة على ضبط  النفس والتحكم فيها، كما تشجع على كل ما يقوي المشاعر الإيجابية عند الطفل وينحي المشاعر السلبية جانبا، وفيما يلي تلخيص لأهم مبادئ التربية الإيجابية وفقا ل«جان نيلسن».

١.الاحترام المتبادل ما بين الآباء والأبناء

تركز التربية الإيجابية على أهمية وجود الاحترام المتبادل ما بين الآباء وأبنائهم، وعلى أن يتم الموازنة في التربية ما بين اتباع نموذج الحزم واللطف، فالحزم يكون عن طريق احترام الكبار واحترام ما يتطلبه الموقف، واللطف يكون عن طريق احترام الطفل واحتياجاته.

و الأطفال يشعرون بالراحة أكثر في البيئة التي تحكمها القوانين والمبادئ التي تكون واضحة أمام الجميع ويتم تطبيقها بالعدل، كما أن القوانين هذه لابد أن يشارك في وضعها الأطفال كما يجب أن يتم تطبيقها على الكبار مثل الأطفال، لأن هذا يصنع الاحترام المتبادل فيما بينهم كما يخلق الثقة الكبيرة في الأبوين، ويجنب المربي الكثير من الغضب والجدال الناتج عن الحزم في المواقف الصعبة.

كما أن من أهم مسببات وجود الاحترام هي ثقافة الاعتذار من قبل الأبوين في حالة الخطأ، فهي تؤكد للطفل أنه طرف فعال في المعادلة لا مجرد شخص مفعول به، كما تُشعر الطفل كذلك بأنك إنسان مثله تخطئ وتصيب مما يجعله يحاول إصلاح أخطائه بطريقة إيجابية بدلا من إعطاء الحلول الوقتية.

فقط عامل طفلك بلطف ولا تقلل من مشاعره وأحاسيسه، ولكن بحزم بما يتوافق مع مصلحته ومصلحة الأسرة وكذلك مع القوانين الخاصة بها، إن أهم ما يوضح هذا المبدأ هو ما تقوله جان نيلسن: «أنا أحبك، ولكن لا» وهذا هو الرد الأمثل على رغبة الطفل في فعل تصرف لا يناسبه ولا يناسب المصلحة العامة.

التربية الإيجابية
التربية الإيجابية
  1. فهم عالم الطفل

إن الطفل في عمر السنتين ليس عنيدا ولكنه يبحث عن الاستقلال، كما أن طفل التسعة أشهر لا يعتبر فوضويا ولكنه يقوم بإرضاء شغفه وحبه لاستكشاف ما حوله، وطفل الرابعة كذلك ليس كذابا بل إنه في مرحلة الخيال.

فالثقافة التربوية هي التي ترشدك لمثل هذه المعلومات، كما أن معرفة مراحل تطور الطفل النفسية والبدنية تجنبك العديد من المشاكل مع الطفل، الذي قد يكون تصرفاته بسبب مروره بمراحل نمو حساسة ولها متطلبات محددة، ويسيء الوالدان فهمها بسبب نقص معلوماتهما عنها، مما يسبب له ولك المشاكل.

فعلى سبيل المثال فإن الطفل في السنة الأولى من عمره يبحث عن الأمان والثقة، فكلما ألصقته الأم بجوارها في الشهور الأولى من عمره، كلما كان أقدر على أن يستقل عنها بعد ذلك لأن الاستقلال سوف ينبع من ركيزة قوية يشعر بها الطفل وهي إحساسه بالأمان، وهذا بالطبع على عكس الدارج وما  يظن به البعض أن من الخطأ  حمل الطفل والاستجابة السريعة له عند البكاء لكي لا يعتاد ذلك.

  1. الإنصات الفعال وتعليمه مهارات حل المشكلات

من أهم مبادئ التربية الإيجابية هي التعاطف مع الطفل، وهو ما تسميه جان نيلسون أحيانا «التواصل الذي قبل التصحيح»، إن هذا التواصل له قواعد عدة منها الاستماع الجيد ومن ثم إظهار التعاطف باستخدام تعبيرات الوجه ونبرات الصوت، ومعرفة مشاعر الطفل وأفكاره عند عدم التمكن من معرفتها، وعدم إصدار الأحكام، ومن ثم توصيف مشاعره ومساعدته على فهمها مما يجعله يستطيع التعامل معها بعد ذلك، مثل القول: «يبدو أنك قد شعرت بالظلم!».

كما أنه من المفيد جداً مساعدة الطفل على إيجاد حلول تكون نابعة من نفسه لا من والديه، وذلك عن طريق الأسئلة لا باتباع طريقة التوجيه المباشر، كأن تقول له: «هل ترى أن الغضب قد قام بحل مشكلتك؟

«كيف تحب أن تواجه هذه المشكلة في المرة القادمة؟»، إن مثل هذه الأسئلة تجعل الطفل يدرك ما هي أبعاد الموقف وهل يستحق الموقف مشاعره تلك، مما يجعل من السهل عليه أن يجد الحلول لما يقابله من مشكلات بعد ذلك بمفرده.

٤.التشجيع والتحفيز بدلا من المدح

إن التشجيع يعتبر من أحد وسائل التهذيب النفيسة والقيمة جدا، والمقصود بالتشجيع هنا هو تشجيع الطفل على الفعل الحسن بدلا من القيام بمدح الطفل، كأن تقول له: «لقد أصبحت ماهرا جداً في حل هذه المسألة»، لا أن تقول له: «أنت عبقري!»

فقد لوحظ أن الاكتفاء بإصدار تعبيرات التفهم، مثل: «أرى أنك متميز جداً في عملك هذا»، تؤدي آثارا جيدة على المدى البعيد أفضل بكثير من مدح الطفل المستمر بصفات لا  يتصف بها.

لأن مدح الطفل بشكل متكرر بصفات ليست فيه سوف يؤدي إلى مشكلة كبيرة تتلخص في أن الطفل سوف يبحث دوما عن الحافز الخارجي والمشجع لكي يقوم بفعل التصرف الصحيح، وستكبر هذه المشكلة معه مما يجعله شخصا يعتمد كل الاعتماد على غيره حتى يشعر بالرضا النفسي وبالإنجاز، أو قد ينتج عن هذا الفعل شخص منافق يسعى لإرضاء الناس من حوله بفعل أشياء لم يقتنع هو بها.

أما مدح الفعل فقط فإنه يشجع الطفل على تعلم المزيد والمزيد وعلى شعوره بالثقة في نفسه وإحساسه بقدرته على الإنجاز، ومن مشاكل المدح كذلك أن توقفك عن المدح أو قيامك بالذم في وقت الفعل الخاطئ يوصل  للطفل شعورا أن حبك له مقرونا بإنجاز الفعل الصحيح فقط، مما يشعره بعدم الأمان في علاقته معك.

٥.فهم الاعتقاد الذي خلف السلوك

لكل سلوك ظاهري للطفل (خصوصا السلوكيات السيئة) أفكارا داخلية ثابتة وراسخة نشأ عنها هذا السلوك، فمثلا رد الفعل الغاضب الدائم من قبل الطفل، والذي قد يبدو وكأنه انتقاما قد يكون سببه الرئيسي هو الشعور بالإحباط بسبب نقد الأبوين للطفل بشكل دائم، فهذا التصرف ما هو إلا رغبة في إظهار شخصية قوية يختبئ خلفها شخصية هشة وضعيفة ولا تشعر بالثقة ولا بالأمان.

فالتربية الإيجابية تحث وتشجع على تغيير المعتقدات، بدلا من التركيز فقط على تغيير السلوك الظاهري، حتى لا يكون هذا التغيير مؤقتا، ومن ثم يعود الطفل للسلوك مجددا، فاختيار الحلول التي تكون فعّالة على المدى البعيد ينتج عنه تغيير المعتقدات ومن ثم تغيير السلوكيات الخاطئة واستبدالها بسلوكيات أفضل.

فنوبات الغضب مثلا هي سلوك سلبي ناتج عن طفل يشعر بالإحباط، قد يكون الحل لها على المدى القريب هو أن تعطيه كل ما يريد حتى يهدأ، وحينها سوف يتكرر هذا الفعل دوما طلبا للمزيد، بينما الحل الفعال لها على المدى البعيد هو أن تخبره أنك تعترف وتشعر بما يشعر به من مشاعر وبما يرغب به للقيام بهذا الفعل ولكنك لا تستطيع الاستجابة له الآن حتى يهدأ أو حتى تتغير الظروف، وحينها سوف يتعلم السيطرة على رغباته ومن ثم تهدئة نفسه بنفسه.

٦.اتباع أسلوب العواقب لا العقاب.

اتباع أسلوب «العاقبة» هو من أنجح أساليب التهذيب والتربية وهو أن تجعل لكل تصرف خاطئ عاقبة تتناسب معه، تكون بمثابة نتيجة مباشرة ومنطقية له، كأن تكون عاقبة إساءة استخدام الألعاب (تكسيرها على سبيل المثال) هو أخذها بعيدا مع الإشارة والتوضيح لأسباب تصرفك بهذا الفعل، وأن تخبر طفلك أنها متاحة حين يود استخدامها بشكل جيد، وذلك بدلا من العقاب اللفظي أو البدني أو  النفسي، مثل التجاهل أو وضع الطفل في خانة العقاب، فكل هذه الطرق تجعل الأمور تزداد سوءا وتنتج شخصية مشوهة وهشة إما شخصية ساخطة أو متمردة أو منسحبة أو راغبة في الانتقام، وكلها نتائج سلبية جداً لا يود الأبوين الوصول إليها بالتأكيد.

على عكس أسلوب العاقبة الذي يتبعه تفسير منطقي بحيث يجعل اعتراض الطفل عليها في حال إن اعترض اعتراضا مؤقتا، يتبعه اقتناع بأن هذا التصرف من والديه كان عادلا وحكيما، أما التساهل وعدم اتباع أسلوب العاقبة، فإنه يصنع الأطفال الذين يتصرفون بحرية مطلقة ويفعلون ما يريدون بدون إرشاد ولا توجيه، كما أنهم لا يشعرون بالأمان لأن القوانين الموجودة في الأسرة تعطي الطفل الإحساس باهتمام الوالدين وبمسؤوليتهم تجاهه.

  1. التركيز على الحلول بدلا من إلقاء اللوم

عندما يخطئ الطفل يسيطر عليه الشعور بالذنب بشكل كبير كما يشعر بالعجز، ولومك له يزيد بداخله هذا الشعور ولا يجعله يحسن التصرف في المرة القادمة، فالطفل ينتظر منك أن تشاركه في اقتراحات حلول للمشكلة التي نتجت بسبب خطأه، لا إلقاء اللوم عليه والصراخ، مما يعزز ويقوي  مهاراته في حل المشكلات ويرسخ لديه الثقة في قدراته على تجاوز الأزمات على المدى البعيد، فالصراخ وكثرة اللوم لن تغير أبدا من السلوك بل سوف تصنع طفلا يشعر بالإحباط وعدم الثقة بالنفس وينتقص من قدر  نفسه ولا يحب سماعك أبدا في المرات القادمة لأنك سوف تزيد مشاعره السلبية أكثر تجاه نفسه، وأسوأ ما يمكن أن يفعله الآباء هو أن يطبعوا ويشكلوا أطفالهم بصفات قد تصبح لصيقة بهم بسبب تكرارهم لها عند كل خطأ، كأن يخبر الأبوان الطفل أنه «مهمل» أو «فاشل» أو «أنه لا يحسن التصرف أبدا» فتتبرمج سلوكياته على ذلك، وعواقب هذه القولبة والتطبيع وخيمة للغاية.

8.الطفل يتصرف بشكل أفضل عندما يشعر بشعور جيد

 

تقول جان نيلسن: «أن الطفل سيء السلوك هو طفل ينقصه التحفيز والتشجيع»، وهناك عوامل أخرى تساعد في أن يكون شعور الطفل جيدا، مثل تقدير أفكاره ومهاراته، وشكره على مجهوداته.

كما أن اجتماعات الأسرة بشكل دوري وإنشاء الاجتماعات مع الطفل وأحد والديه، بغرض مناقشة ما يمر به الطفل ويشغل باله وفكره، يفعل ذلك، بل مجرد العناق الصامت يشعره بأهميته.

و هذه البيئة الممتلئة بمبادئ التربية الإيجابية ينتج عنها تعليم الطفل مهارات الحياة والمهارات الاجتماعية التي تبني شخصية سوية وفعالة، مثل الاحترام وحل المشاكل والاستقلالية والتعاون مع الآخرين ومراعاة شعورهم، وكل هذه المهارات تعطي بيئة جيدة يشعر فيها الطفل بأهميته كفرد فعال ومؤثر ومشارك فيما حوله.

المصدر


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد