كيف يؤثر الزلزال على نفسيتك؟ حتى لو كنت أحد الناجين من الزلزال، ولم يُصبك أذى “لا أنت ولا أي فرد من أفراد أسرتك”؟

قد تكون شعرت بالزلازل التي ضربت تركيا وسوريا، وعندها تملك القلق والخوف منك، رغم أن الحدث لم يتجاوز عشر ثوان، وربما كنت في منزلك في مأمن، ولكنك فجأة شعرت بالرعب ولم تعد تعرف إلى أين تهرب، بالتأكيد كنت خائفا مذعورا، ويدور في ذهنك أفكار وأفكار، ما ذا يحدث، هل أوقظ عائلتي ونهرب؟ ولكن إلى أين نهرب؟ هل نهرب إلى الدرج أم تحت الطاولة؟

فالزلازل تكسر اتزان الإنسان وتحكمه، قد تكون شعرت بالخوف عند حدوث الزلزال حتى عندما كان الزلزال ضعيفا على مقياس ريختر، وفي حالة أنك لم تشعر بأي زلزال ولم تخف، فهنيئا لك، ولكن إذا كنت من أحد الناجين من الزلزال، وخاصة النوع القوي والمدمر منه، ففي العادة لن تكون على طبيعتك في السنوات القادمة.

آثار الزلزال على النفسية
آثار الزلزال على النفسية

ما هي الأضرار النفسية التي تقع على الناجين من الزلزال؟

للوهلة الأولى قد تظن أن الزلزال يكون مفزعا ومؤلما فقط في حالة وجود ضحايا من الوفيات أو من المصابين، وأنه إذا نجا أحد من الزلزال ولم يفقد أي فرد من أفراد أسرته، فسيكون في أفضل حال، فهو لم يُصَب ولم يمت، ولم يتذوق مرارة الفقد، لكنه وبكل أسف فالحقيقة تقول أنه قد يعيش السنوات المتبقية من حياته في ترقب ورعب مستمر بسبب هذا الحادث والذي استغرق بضع ثوان قليلة فقط.

فيما يلي نوضح لكم بعض الأضرار النفسية التي قد يسببها الزلزال على حياة الناجين منه، فهذه الأضرار تتمثل في ما يلي:

  1. الاكتئاب والقلق

يصاب الناجون من الزلزال بالاكتئاب والقلق وتظهر هذه الاضطرابات النفسية في شكل بعض الأعراض مثل:

  • قلة النوم والأرق.
  • الإرهاق.
  • عدم القدرة على التركيز.
  • فقدان الرغبة في ممارسة الأنشطة اليومية أو فقدان العاطفة.
  • عدم الشعور بالراحة.
  • قد تحدث هذه الأعراض في بعض الأحيان وتختفي في أوقات أخرى، ولكن إذا استمرت لفترات طويلة، فعليك الذهاب فورا إلى طبيب نفسي مختص.
الاكتئاب
الاكتئاب
  1. اضطراب ما بعد الصدمة 

هو اضطراب نفسي يحدث بعد التعرض لموقف نفسي مرهق مثل: رؤية مشاهد الموت ومشاهدة أعمال العنف، أو التواجد في أماكن النزاعات، بالإضافة إلى التعرض إلى الكوارث الطبيعية التي تهدد حياة الإنسان مثل الزلازل والبراكين.

و في العادة ما يصاب حوالي 15 ٪ من السكان بهذا الاضطراب بعد الزلزال، وتظهر أعراضه على النحو التالي:

  • كثرة الكوابيس.
  • الشعور بالوحدة والعزلة.
  • الانزعاج وعدم الشعور بالاستقرار.
  • التفكير في ذكريات سيئة من الماضي باستمرار.
  • الشعور بالذنب.
  • قد يتعافى البعض بعد زلزال من اضطراب ما بعد الصدمة، وقد يظل البعض الآخر أسيرا لهذا الاضطراب لسنوات عدة.
  1. رهاب الزلزال.

الرهاب هو خوف شديد جداً يؤثر على حياة الإنسان بشكل سلبي، وغالبا ما يرتبط الرهاب بحدث مؤلم ومخيف للغاية ويبقى مع الشخص حتى في وقت عدم حدوث هذا الحدث، وفي حالة حدوث الشيء الذي يخاف منه الإنسان، كالزلازل مثلا يزداد الخوف بشكل كبير، ويصبح الخوف مستمرا، فيستيقظ الشخص خائفا ويرى الكوابيس، بل قد تتوقف حياته.

  1. الحاجز العقلي والتفكير في مشاهد الزلزال فقط.

الناجي من الزلزال يكرر مشاهد الزلزال في ذاكرته بطريقة مستمرة تشبه السجن والحواجز ولكن هذه الحواجز في عقله، فيذكر نفسه بكل ما حدث ولا يفكر إلا في هذا المشهد.

ولذا يفضل وضع الناجي في روتين يومي يساعده على العودة إلى حياته الطبيعية، وإخراج مشهد الزلزال الذي يهيمن على ذاكرته من عقله؛ حتى يشعر بالأمان في منزله مرة أخرى بدلا من الشعور بالتهديد والقلق المستمر.

  1. اليقظة المفرطة

الناجون من الزلزال يعانون من اليقظة المفرطة بشكل متزايد، أي أن حواسهم تكون في أقصى درجات اليقظة لتوقع أي حافز أو إشارة خطر، كما حدث في وقت سابق من الزلزال الذي نجوا منه، وعندما يسمعون أي ضجيج، حتى لو كان بسيطا، فإنهم قد ينهضون ويهربون من مكانهم مذعورين خائفين من تكرار مشهد الزلزال المؤلم.

بل قد يصاب الناجي بالذعر من مجرد اللمس المفاجئ من أحد أفراد أسرته أو صديقه، فجسده في حالة من التحفيز المستمر والمفرط وفي وضع توقع أي خطر قد يهدد حياته وسلامته.

تأثير الزلزال على الأطفال الناجين منه

تتأثر نفسية الأطفال كثيرا بالزلازل، فليس الأمر كما يعتقد البعض أنهم مجرد أطفال وأنهم سينسون ما حدث بسرعة، ولكن الحقيقة هي أن هذا الحدث قد يظل محفورا في ذاكرتهم لفترات طويلة، ويجعلهم يصابون باضطراب ما بعد الصدمة كما يحدث مع البالغين تماما، بل وإن الفئات الأكثر ضعفا وتعرضا للأمراض النفسية في حالة وقوع الزلزال هم الأطفال وكبار السن.

وكشفت إحدى الأبحاث التي حاولت معرفة الأثر النفسي للزلازل على الأطفال أن هناك معدلات عالية من اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والخوف المرتبط بالزلازل لدى الأطفال والمراهقين كذلك، وأن العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على السيطرة على هذه المشاعر قد يساهم بشكل كبير في علاج الخوف أو الرهاب من الزلازل.

و ذلك لأن الزلزال حدث كوني طبيعي؛ فلا يمكن التنبؤ به، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليه، ولكن مع اتباع بعض الاحتياطات واتباع إرشادات السلامة، من الممكن التحكم في تقليل نسب الخسائر.

و يعتمد العلاج السلوكي الذي يركز على التحكم في المشاعر على تشجيع الأشخاص المصابين برهاب الزلزال على التعرض بشكل تدريجي للوضع المخيف؛ لتعزيز سيطرتهم الداخلية على مشاعرهم، وبعد ذلك يمكن تسهيل فرص التعافي من صدمة الزلزال.

إن تأثير الزلزال لا يؤثر على النفسية فحسب، بل قد يمتد ويؤثر على النمو البدني والمعرفي للطفل أيضا، خاصة إذا فقد الطفل أحد أفراد أسرته من الوالدين أو الإخوة، ويصعب التعافي من هذا الأمر إذا لم يتم التعامل مع الحالة مبكرا وعلاجها من الصدمة.

الآثار التي يسببها الزلزال من أمراض جسدية على الناجين منه

لا يقتصر تأثير الزلزال على الجانب النفسي للناجين فحسب، بل يمتد أيضا إلى الإصابة بالأمراض الجسدية، بما في ذلك ما يلي:

  1. الأمراض المزمنة

وُجِد أن الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل أمراض الضغط والقلب والسكر هم الأشخاص الأكثر عرضة لتفاقم أوضاعهم عند حدوث الزلزال، كما تزداد فرص إصابتهم بالسكتات الدماغية والنوبات القلبية خلال الشهر الأول بعد حدوث الزلزال، وحتى بعد 3 سنوات من وقوع الزلزال.

كما وُجد أن الناجين من الزلزال هم الأكثر عرضة للإصابة بمرض السكري، وأن الإصابة هذه تكون ناتجة بسبب العامل النفسي نتيجة التعرض للإجهاد العصبي الكبير.

كما أن حالة الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة كالضغط والسكر وغيره تتدهور بسبب هدم المؤسسات الطبية وضياع السجلات الطبية، مما يؤدي إلى فقدان المعلومات حول كل حالة وعدم معرفة الأدوية المناسبة، وبالتالي إهمال حالتهم الصحية وبذلك تزداد الأمور سوءا.

كما أن الانتقال من مكان إلى آخر وعدم وجود روتين يومي عادي كما كان من قبل بعد هدم المنازل يجبر الناجين من الزلزال على تغيير نظامهم الغذائي عكس إرادتهم، مما قد يكون سببا لتدهور حالتهم الصحية.

  1. العدوى بالأمراض المعدية

تخلق الزلازل جوا مناسبا لانتشار العدوى وخصوصا الأمراض التي تنقلها المياه مثل: مرض الكوليرا وفيروس التهاب الكبد أ؛ وذلك بسبب تدمير نظام الصرف الصحي، كما أن الملاجئ المزدحمة قد تكون سببا في نقل المزيد من الأمراض المعدية مثل: مرض الحصبة وأمراض الجهاز التنفسي.

  1. عدوى الجروح

يتسبب انهيار المنازل في حدوث وفيات وإصابات مفاجئة، وكدمات طفيفة وجروح وإصابات خطيرة وكسور وحروق، بالإضافة إلى استنشاق كميات هائلة من الغبار.

ولكن حتى لو كانت الجروح طفيفة، فإنه إذا لم يتم علاج هذه الإصابات والجروح على الفور حتى لو كانت بسيطة، وظلت على حالتها لأيام وأسابيع أخرى، فإنها قد تتفاقم بسبب التلوث بالبكتيريا التي توجد في الغبار وفي الحطام المنزلي، والتي بدورها قد تؤدي في النهاية إلى بتر الأطراف، أو إلى الإصابة بتعفن الدم الذي يسبب الوفاة.

اليقظة العاطفية

عندما يصاب الناجون بمرض جسدي ونفسي بسبب الزلزال، فقد يُحدث الضرر تغييرا كبيرا في العاطفة ” أي ما يسمى باليقظة العاطفية”.

حيث أنه وفقا لإحدى الدراسات التي حاولت معرفة السمات النفسية والعصبية وكذلك العاطفية لبعض الطلاب الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الزلازل، فقد اكتشفت الدراسة أن هؤلاء الطلاب يوجد لديهم قدرة عالية على توقع التهديدات، بالإضافة إلى قدرتهم العالية على التعرف على تعابير الوجه المختلفة.

حيث برع الناجون من الزلزال في هذه الدراسة في التعرف على الوجوه وتعبيراتها بشكل يفوق الغير، كما أنهم برعوا في تقييم المشاهد العاطفية التي عُرضت عليهم مقارنة بمجموعة أخرى لم تتعرض للزلازل من قبل.

إن التعرض لصدمة الزلزال يجعل الحواس تكون أكثر انتباها وتيقظا لأي تهديدات.

وأخيرا، إذا كنت من الناجين من الزلازل المدمرة وتشعر بالتعب النفسي والإرهاق ولا تستطيع ممارسة حياتك بشكل طبيعي، فلا تتردد في اللجوء فورا إلى طبيب نفسي لطلب المساعدة.

الاكتئاب
الاكتئاب

المصدر


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد