قصة صعود إيلون ماسك وتكوين الثروة

إذا حصلت على قدر من التعليم والخبرة بأي مجال، وكنت على استعداد لبذل المجهود باستمرار، فأنت على الأرجح تستطيع تأمين مصدر دخل يضمن لك حياة طيبة مستقرة، أما أن تتحول إلى رائد أعمال فهذا أمر مختلف، أنت هنا تحتاج إلى مقومات إضافية مثل:
الكاريزما، المهارات الإدارية، المخاطرة، الذكاء، العلاقات العامة…
أما عن إيلون ماسك Elon Musk فهذه قصة أخرى تختلف حتى عن قصة أي رائد أعمال آخر،
إيلون ماسك أحد أهم رجال الأعمال والمصنف كثاني أغنى رجل في العالم لعام 2023 بحسب موقع فوربس Forbs والذي سبق أن احتل المركز الأول في قائمة أغنياء العالم في العام السابق بحسب نفس الموقع.
هو أيضاً صاحب الأفكار الجديدة وغير المتوقعة الذي يستطيع أن يحتل عناوين الأخبار لعدة أيام بمجرد تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، هو مؤسس “باى بال”، ورئيس “تسلا” و”ستار لينك”، وهو البديل لوكالة ناسا من خلال شركته “سبيس إكس”، وهو الذي يسعى لدمج الذكاء الصناعي بالعقل البشري من خلال شركته “نيورو لينك”
نحاول هنا سرد قصة صعود إيلون ماسك وأهم المحطات في رحلة تكوين الثروة، والسمات الشخصية التي ساعدته في ذلك، ليس الهدف التسلية، ولكن تتبع مسيرة الرواد والناجحين في أي مجال ربما يكون عامل إلهام وتحفيز لصناعة رواد جدد، لعلك أحدهم عزيزي القارئ.

Elon Musk

 

الاسم: Elon Reeve Musk
تاريخ الميلاد: 28 يونيو 1971 [Britannica]
التعليم: جامعة بنسيلفانيا، فيزياء
الثروة في 2023: 180 مليار دولار [Forbes]

 

التعليم والإنجازات المبكرة

في جنوب إفريقيا حيث نشأ الطفل إلون، وفي سن العاشرة بدأ اهتمامه بالتكنولوجيا، اقتنى جهاز كمبيوتر منزلي، رخيص نسبياً، وأخذ في تعلم البرمجة حتى استطاع صناعة لعبة فيديو، ثم باع كود اللعبة المصدري إلى مجلة ” PC magazine” الشهيرة مقابل 500 دولار [Investopedia].

كان إيلون مع أحد إخوته يخططان في ذلك الوقت لافتتاح أول مركز لألعاب الفيديو بالقرب من مدرستهم، لكن والدهما أحبط الخطة.

في السابعة عشر من عمره، وبعد أن أمضى خمسة أشهر من الدراسة في جامعة Pretoria حصل إيلون على جواز سفر كندي، معتمداً على والدته المولودة في كندا، كانت هذه هي الخطوة الأولى في طريق هجرته إلى الولايات المتحدة.

وصل إيلون إلى كندا في يونيو 1989 حيث سكن مع أحد أقربائه، وتنقل في عدة أعمال بين المزارع ومصانع تقطيع الأخشاب، بعد عام التحق بجامعة كوينز (أونتاريو- كندا) لمدة عامين ثم انتقل إلى جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة ليحصل بعدها على درجة البكالوريوس في علم الفيزياء ودرجة أخرى في الاقتصاد من مدرسة Wharton School، في أثناء فترة دراسته، لتغطية النفقات الدراسية كان إيلون يقيم الحفلات في مسكنه، ويتربح من بيع التذاكر.

في عام 1994 حصل إيلون ماسك على فرصتين للتدريب في وادي السيليكون (حيث تقع مراكز أهم شركات التكنولوجيا في العالم)، الفرصة الأولى كانت في شركة Pinnacle Research التي تعمل في مجال تخزين الطاقة، والفرصة الثانية في شركة Rocket Science Games علوم وألعاب الصواريخ، لا شك أن إيلون لاحقاً سيستفيد كثيراً من هذه الخبرات عند تأسيس شركة السيارات الكهربائية “تسلا” وشركة إطلاق صواريخ الفضاء “سبيس إكس”.

في عام 1995 تم قبول طلب إيلون لدراسة الدكتوراه في علوم المواد بجامعة ستانفورد، لكنه ألغى الفكرة بعد يومين فقط وبدلاً من ذلك قرر ركوب الموجة الصاعدة واللحاق بعصر الإنترنت، تقدم لشغل وظيفة في شركة Netscape (متصفح الانترنت الأشهر في ذلك الوقت)، يقال أن إيلون لم يحصل على رد من مدير التوظيف حتى الآن، ومن هنا ستبدأ رحلة رائد الأعمال الملياردير إيلون ماسك.

 

أهم المحطات في رحلة أعمال إيلون ماسك بحسب مجلة [Time]

1995: Zip2

في عام 1995 قام إيلون ماسك بالاشتراك مع أخيه بتأسيس Zip2، وهذا الأخير عبارة عن دليل أعمال على الإنترنت بديلاً عن الصفحات الصفراء (yellow pages) المعروفة حينها، بعد أربع سنوات فقط باع ماسك شركته بأكثر من 300 مليون دولار لشركة Compaq.

2000: PayPal

بجزء من أرباحه في الصفقة السابقة أسس ماسك في 1999 شركة X.com التي سرعان ما اندمجت مع شركة Confinity لتكوين منصة PayPal كمنصة مدفوعات آمنة عبر الإنترنت، كانت البداية صعبة، وتم وصف باى بال كأسوأ الأفكار التجارية في ذلك العام، كما تم عزل ماسك من منصبه كمدير تنفيذي للشركة مع احتفاظه بحصته كاملة من أسهم الشركة، سرعان ما تحسنت الأوضاع، وصعد نجم باى بال، فتم بيعها لشركة eBay في 2002 مقابل 1.5 مليار دولار.

 

2002: SpaceX

قرر ماسك غزو الفضاء تمهيداً لاستعمار المريخ في المستقبل فأسس SpaceX، ورغم حالات فشل إطلاق الصواريخ التي واجهتها الشركة إلا أنها أصبحت شركة راسخة في صناعة الفضاء، ولها سجل كبير من الأعمال الناجحة بما في ذلك كونها أول شركة خاصة ترسل مركبة إلى محطة الفضاء الدولية، وترسل رواد فضاء خارج الأرض، وهي معروفة أيضاً بصواريخها القابلة لإعادة الاستخدام، فضلاً عن كون SpaceX وراء تطوير Starlink (كوكبة الأقمار الصناعية التي تهدف إلى تقديم خدمة الإنترنت لجميع أنحاء الأرض)

 

2004: Tesla

كان ماسك مهتماً بالسيارات الكهربائية وكثير التفكير في إمكانية تطوير أدائها لتصبح سيارة صديقة للبيئة يعتمد عليها كبديل للسيارات التي تعمل بالوقود، وفي 2002 واتته الفرصة عندما أصبح أحد الممولين الرئيسيين لشركة Tesla Motors التي أسسها اثنين من رواد الأعمال ثم تم تغيير الاسم إلى Tesla

في عام 2006 قدمت تسلا سيارتها الأولى رودستر Roadster والتي تستطيع السفر لمسافة 394 كم بشحنة واحدة، توالت نجاحات تسلا حتى طرحت Model 3 في 2017 والتي أصبحت السيارة الكهربائية الأكثر مبيعاً على الإطلاق.

 

2016: Neuralink

في 2016 شارك ماسك في تأسيس Neuralink بهدف العمل على تكنولوجيا التواصل بين الدماغ البشري والآلة أو BMIs (brain-machine interfaces) ورغم تشكك علماء الأعصاب في أبحاث وادعاءات نيورولينك، إلا أن نجاح تجارب الشركة قد ينذر بتغيير مستقبل البشرية بطريقة قد  تكون مخيفة، يكفي فقط أن تتذكر الفنان محمد صبحى في مسرحية تخاريف عندما تم زراعة جهاز كمبيوتر في رأسه، ثم تخيل أن هذا الجهاز متصل بالإنترنت، ويستطيع إرسال واستقبال وتبادل البيانات مع رؤوس أخرى.

 

2017: The Boring Company

أسس ماسك شركة Boring Company بهدف إنشاء أنفاق وتسيير مركبات تحت الأرض بسرعة تصل إلى 240 كم/ ساعة، بعد عدة تجارب وافق المسؤولون في 2021 على أن تبدأ الشركة نشاطها الفعلى في بناء الأنفاق.

 

2022: Twitter

في البداية استحوذ ماسك على 9.2% من أسهم شركة تويتر (Twitter، Inc) مالكة منصة التواصل الشهيرة twitter.com، كأحد كبار المساهمين عرضت الشركة على ماسك مقعد في مجلس إدارتها، وافق ماسك على الانضمام لمجلس إدارة الشركة لكنه سرعان ما تراجع، وبعد عدة أيام أرسل خطاب إلى مجلس الإدارة يعرض شراء الشركة كاملة مقابل 54.2 دولار لكل سهم، بعد عدة مفاوضات أثبت خلالها ماسك تخصيص مبلغ 46.5 مليار دولار لتمويل الصفقة وافق مجلس إدارة تويتر على البيع، وفي يوليو 2022 حاول ايلون ماسك إلغاء الصفقة بحجة أن الشركة لم تقدم له معلومات كافية عن الحسابات المزيفة، إلا أن الشركة رفعت دعوى قضائية للمطالبة بإتمام الصفقة، في النهاية تمت الصفقة في أكتوبر 2022 واستحوذ ماسك على Twitter، Inc وغير اسمها إلى X Corp ولكن بالطبع استمر اسم منصة twitter.com كما هو.

الحقيقة أن قصة ماسك مع تويتر لم تنته بعد، بل يبدو أن القصة قد بدأت للتو، فبعد أقل من عام على إتمام صفقة استحواذ إيلون ماسك على تويتر ظهر منذ أيام قليلة ما يعكر صفوه، فقد أعلنت شركة Meta مالكة موقع التواصل الاجتماعي الأشهر facebook، أعلنت عن إطلاق تطبيقها الجديد Threads الذي يقدم خدمة مشابهة تماماً لتويتر، ردود فعل إيلون ماسك في الأيام الأولى تنوعت بين التهديد باللجوء للقضاء بسبب تعيين Meta لعدد كبير من الموظفين السابقين في تويتر والذين سبق أن فصلهم ماسك من وظائفهم، ويدعي ماسك أن ميتا استغلت معرفة الموظفين السابقين للكثير من المعلومات والتقنيات الخاصة بتشغيل تويتر واستخدمت تلك المعلومات في تشييد منصة منافسة، وبين تسريب محادثات سابقة لمارك زوكربيرج Mark Zuckerberg مؤسس ميتا عندما عرض على أحد أصدقائه معلومات وبيانات عن مستخدمي فيسبوك، كل أي حال السجال بين إيلون ومارك ما زال في البداية، ونتوقع جولات صعبة من المنافسة بين اثنين من أغنى وأنجح رواد الأعمال في العالم.

 

إلى أي طراز من القادة ينتمي إيلون ماسك؟

يوصف إيلون ماسك بأنه يستخدم طراز القيادة التحويلي (Transformational Leadership Style)، إيلون يعتقد أن هناك طريقة للقيام بأي شيء أفضل من الطريقة الحالية، وعندما يصل إلى الطريقة الأفضل يبحث عن طريقة أفضل منها، وهكذا، هو ببساطة يؤمن بأهمية التحسين المستمر لكل شيء، لديه أهداف كبيرة، ويسعى دائماً لتوحيد فريقه حول رؤيته وأهدافه وإن كانت تلك الأهداف تبدو مستحيلة في كثير من الأحيان، يشتهر ماسك أيضاً بكونه مبتكر وملهم لمن حوله، يشجع فريقه على المجازفة والتفكير خارج الصندوق، وإن كان كل هذا لا يمنعه أحياناً من ممارسة أحد أسوأ أساليب الإدارة، وهو الإدارة التفصيلية (Micromanagement) التي تجعله يراقب موظفيه عن قرب ويوجه لهم تعليمات تفصيلية عما يجب أن يقوموا به مهما كانت كفاءة وخبرة الموظف.

 

كيف يفسر علم النفس نجاح إيلون ماسك

بحسب المتخصصين، لا يمكن إجراء تحليل نفسي دقيق لأى شخص دون التفاعل معهم مباشرة وإجراء تقييم شامل، ومع ذلك حاول البعض فحص بعض العوامل النفسية المحتملة التي يمكن أن تكون أثرت في نجاح إيلون ماسك، يمكن تلخيص تلك العوامل في ثلاث نقاط:

1- المستوى العالى من الذكاء والإبداع والذي منحه القدرة على التفكير خارج الصندوق وإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات المعقدة.

2- التركيز على الهدف، حيث اشتهر إيلون بقوة إرادته وإصراره على الوصول لأهدافه، هذا الإصرار يمكن أن يكون سمة إيجابية في كثير من الأحيان، لكنه في أحيان أخرى يمكن أن يتحول إلى هوس يؤدى إلى عواقب وخيمة.

3- طبيعة شخصية إيلون التي تتسم بالطموح والانفتاح، تلك السمات التي قادته للهجرة من جنوب إفريقيا إلى كندا ثم إلى الولايات المتحدة، ومنحته القدرة على التعرف إلى ثقافات مختلفة وتكوين صداقات وشراكات مع أشخاص من مختلف جنسيات العالم [the international psychology clinic].


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد