فن التحطيب ومهارة استخدام العصا

الذكريات لها رائحة تشبه طمي النيل الذي كان يأتي مرتحلا مع مياه الفيضان ليعطر أرض الصعيد وأصلاب أبنائه بالطمأنينة والقوة وعزة النفس. دائما ما ترتبط الذكريات بـ فن التحطيب سواء للمقيمين بالصعيد حاليا أو للمرتحلين إلى أقصى الشمال أو المهاجرين بأجسادهم إلى الخارج من فلذات أكبادنا من علماء وأطباء، ولكن تبقى قلوبهم ومشاعرهم تغازلها الذكريات فجميعهم ترتبط ذاكرته بالتحطيب إما مصاحبا والده في مولد سيدي عبد الرحيم القنائي أو مشجعا أحد أعمامه كلاعب في حلقة العصرية أمام الديوان.

فن التحطيب

فن التحطيب

هو فن ومهارة في استخدام العصا للدفاع عن النفس فقديما كان الرجل الصعيدي يذهب إلى الأرض التي تبعد عن المنزل كيلومترات ليباشر أعماله بالزراعة وتصاحبه عصاه ليدافع بها عن نفسه في حالة وجد لصوص من بني البشر أو معتدين من أي من الكائنات فـ العصا ترتبط بالإحساس بالأمان وتمثل الشرف فلا يستطيع التخلي عنها ويكون المحافظة عليها ميراث يفتخر به الأبناء.

التحطيب من عهد القدماء المصريين

لا شك أن لكل شيء جذور حتى وان لم نعلمها، ولكن اكتشف بعض الصور على جدران المعابد الفرعونية والنقوش التي تبرز أن المصري القديم كان يمارس فن التحطيب ولديه مهارة عالية في استخدام العصا كسلاح للقتال في المعارك.

حلقة التحطيب

وتسمى الحلقة وهى المكان الذي يبدأ فيه التحطيب ويطلب فيه لاعب من لاعب أخر أن يلعبان بالعصا لإبراز المهارة وسمية الحلقة لأنها تسبه الدائرة ويجلس حولها المتفرجين من أبناء القبيلة والمدعوين للعب بالعصا.

الزمارين

استخدم المزمار حتى لا ينشغل الجمهور الأحاديث الجانبية أثناء اللعب مشتتين للاعبين أو متحدثين بما يضر باللعبة واشتهرت قرية جرا جوس بمدينة قوص بأفضل الفنانين في المزمار الذين يلعب على أنغامهم أفضل اللاعبين يعزفون سيمفونية محددة لكل لاعب يلعب على أنغامها ملهمة روحة في إخراج أفضل ما لديه محرك اللاعب بإشارة بفهمها الزمار وكأنه مايسترو الفرقة.

لاعب التحطيب (العصا)

لاشك أن التحطيب كموروث فني وثقافي ورياضي ينتقل من جيل إلى أخر بالتعلم ويكون على يد الأب أو احد الأقارب أو أفضل اللاعبين والذي يطلق عليه (عوّال) وهو شيخ التحطيب وهو الذي يختتم التحطيب في جميع المناسبات وينادى بالعم ( عم العصاية) وهو لقب ليس لدرجة القرابة ولكن احتراما وتقديرا للمعلم ويكون عم العصاية له الكثير من الجمهور والمحبين ويستقبل في الأفراح والموالد كاستقبال الأبطال لما له من مكانة وهنا تبرز قيم فن التحطيب في تشكيل شخصية الرجل الصعيدي من احترام الكبير والثقة بالنفس وإكرام الضيف.

شيوخ وأعمام التحطيب في الصعيد

 من أشهر شيوخ فن التحطيب بمحافظة أسوان العوّال فيصل الأنصاري وحمدي أبو سرور ونور أبو شقير وممدوح أبو بعجر وأيضا محافظة الأقصر بها العوّال المميز يوسف الشبلي الذي يطلق عليه جمهوره لقب ( الدولي) والعوّال خميس الرافعي الشهير بالخزان والعمدة الشاطر ومحمد سعيد بقوص وأمين الفيومي والعمدة معتمد بسوهاج والكثيرين من الأعمام في فن التحطيب.

مباراة التحطيب

تبدأ اللعبة بكل ود وحب بين لاعبين وغالباً ما تكون في الاحتفال بالأفراح أو موالد الأولياء والصالحين الممتدين في جميع إقليم الصعيد وتبدأ المباراة بأن يفتتح اللعب الأكبر سنا ومقاما ويستحيل أن يتعدى الصغير في البدء باللعب أما العم حتى وان لم يكن معلمه بشخصه فالأعمام تحترم.

يبدأ العم برفع العصا موجها التحية للزمارين وجميع الحاضرين من الجمهور ويبدأ ما يسمى ب (السلام) بين اللاعبين ويكون بملامسة العصا إلى الأخرى كشكل السلام بالأيدي وبعد ذلك يبدأ ( الرش ) وهى ما يشبه التمهيد للنزال وكأنه تحريك للعضلات حتى يدخل على المرحلة الأكثر صعوبة وهى ( المسالفة) ويبدأ كل لاعب في عرض مهاراته في الصد لعصى الخصم ويطلق عليها ( فتح الميزان) لاستقبال عصا الخصم وهذه المهارة لابد منها للحماية وتبرز المهارة في قدرت اللاعب في جعل العصا تغطى جميع أجزاء جسده من الرأس إلى الضلوع إلى الرجل  ويجب أن يتحلى اللاعب بالسرعة والقوة في هذه المرحلة ويبدأ تبادل الأدوار في المسالفة بالضرب والصد والمهارة في الضرب بأن يجعل العصا تلامس الجزء المكشوف من الخصم بالشكل الذي لا يصيبه بأذى ولكن العصا تتحدث بأنه يجب عليك الحذر من هذا الجانب. وتنتهي المباراة بكل ود وحب والسلام والتصافح بين اللاعبين بعد أن يكون بين كل منهما مهارته للحاضرين.

كلمة أخيرة

فن التحطيب مثل باقي الفنون الرياضية التي تجعل الشخص يتحلى بقوة التسامح وينقى النفس من الضغائن حينما يشعر الشخص بقدرته ولكنه يصفح من موضع القوة وليس موضع الضعف.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

2 تعليقات
  1. Khaled Ahmed Amar يقول

    جميل وبالتوفيق ان شاء الله

    1. أحمد طه مسعود يقول

      مرورك أسعدني يا بن العم