زواجٌ مبنيٌّ وفقًا لمودةٍ وتوافقٍ أو لنفاقٍ اجتماعيٍّ

لقد سعى الدِّين الإسلاميّ إلى إبراز أهميَّة الزَّواج، وإعلاء أهميَّة الأسرة، فقرن الزَّواج المبنيِّ وفقًا لدين الله عزَّ وجلَّ ولسُنَّة نبيه الكريم عليه الصَّلاة والسَّلام– بإكمال نصف الدِّين للشَّباب والفتاة، وحدَّد للزَّواج عددًا من المواصفات التي يجب أن تكون لدى الفتاة والشَّاب، وقرن قبول الزَّواج برضا كُل من الطَّرفين، وبناء الأسرة وفقًا للمودَّة وطيب الأخلاق، بين الزَّوج والزَّوجة، وها نحن نشهد مع كُلِّ فصل صيفٍ في البلاد الكثير من الزِّيجات وحفلات الخطوبة التي تُعقد وفقًا للدِّين الإسلاميّ، ولكن يظهر سؤالٌ جليٌّ بعد أن نلحظ كميَّة الخلافات وحالات الطَّلاق التي تحصل بعدها، ألا وهو:

علامً بُنيت تلك الزِّيجات؟ و كيف أصبح مفهوم الزَّواج في عصرنا الحاليّ؟

لا نُنكر أنَّ الزَّواج فرحٌ يُكلِّل قلوب أسرتين وقبيلتين، تسكن فيه روحين إلى بعضهما ويزدهر بيتٌ وتنمو أسرة جديدةً في المجتمع، كما تزداد أواصر المجتمع عبر الرَّبط بين أسرتين أو قبيلتين قد لا تكن بينهما أيّ علاقات أو روابط اجتماعيَّة من قبل، فيعدُّ الزَّواج من أكثر الرَّوابط التي تجمع بين عائلتين، ولا ننكر عبر التَّاريخ كيف كانت تقوم سياسات أو تتوافق دول عبر الزَّواج، ووصف الدِّين الإسلاميّ الزَّواج بالميثاق الغليظ وذكر ذلك في قوله تعالى في محكم تنزيله: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، ومعنى الغلظة الشَّديد المتين الذي لا يُمكن أن يُحبطه أو يأخذ به شيءٌ.

وعندما تحدث حالة زواد في عائلة ما نلحظ أنَّ حالات الزَّواج فيها تكثر، لأنَّ من تزَّوج يكون قد حثَّ قريبه على فعل حثَّ عليه الرَّسول الكريم عليه أتمُّ الصَّلاة والسَّلام، فيه نحمي الشَّباب من المحرمات، ونُعجل في بناء مجتمع إسلاميٍّ وزيادة عدد أفراد المجتمع، لكن يظهر لدينا هنا أيضًا سؤالٌ جديد يُمكن أن نضيفه للأسئلة السَّابقة، وهي:

ما البُنى التي تقوم عليها الزِّيجات؟ وما آثار تلك الزِّيجات في المجتمع؟

وهنا نلحظ في المجتمعات العربيَّة أنَّه لا يوجد تأهيلًا كبيرًا للشَّباب والشَّباب للحياة الزَّوجيَّة، وإيضاح حقوقهم التي يجب أن يحصلوا عليها، وواجباتهم التي يجب أن يقدموها، كما يجب إيضاح كميَّة التضحية التي يجب أن يقدمها كلا الطَّرفين لبناء أسرة إسلاميَّة ناجحة، وكيف يتعالم كُلُّ طرفٍ مع الآخر، حتّى نتفادى المشاكل الأسريَّة، ونُكوِّن أسرةً متفاهمةً.

إرشاد الأهل لأبنائهما المقبلين على الزَّواج:

إنَّ الأبوين هما أكثر النَّاصحين لأبنائهما، وأكثر من يكون أمين على ابنه وساعٍ إلى تحقيق حياةٍ هادئةٍ وآمنةٍ لهما، لذلك فإنَّهما يعملان على تقديم عُصارة خبرتهما في الحياة؛ حتّى يعيش أبنائهما في هناءةٍ وراحةٍ بالٍ، وفيما يأتي نصائحًا قدَّمها أبوين لابنيهما المقدمان على الزَّواج:

النَّصيحة الأولى قدمتها أمٌ لابنتها يُمكن أن نُلخصَّها في النِّقاط الآتية:

قالت لها، بعد أن فارقت بيتك الذي به كبرتِ إلى بيتٍ لم تألفيه، وشابٍ لم تعرفيه من قبل، عليك أن تتحليّ بالصِّفات الآتية:

1- أن تكون مطيعة له:

(فكوني له أمة يكن لك عبدًا)، أي يجب أن تكوني مطيعةً لزوجك حتّى يُطيعك بالمقابل، وذلك يكون في حدود شريعة الله سبحانه وتعالى، وسُنَّة رسوله الكريم.

2- الصًّحبة بالقناعة:

ومن أهم العوامل التي تبني أسرةً ناجحةً هي أن يكون الزَّوجين صاحبين قادرين على أن يتحاورا ويتناقشا في أصغر الأمور وفي أكبرها كذلك الأمر، مما يقوي الرَّوابط بينهما.

3-  المعاشرة بحسن السمع والطاعة

وهي أن تكوني له مُطيعة ومُحققةً لأمانيه، فيما حدَّ الله ورسوله عليه الصَّلاة والسَّلام.

4- فالتعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه

فيجب على زوجك أن يراكِ دائمًا بأبهى حُلةٍ يُمكن أن يراكِ بها، فتكونين دائمًا مُتزِّنة ومُرتبة، كما يجب أن تكوني دائمًا ذو ريحٍ طيِّبة، كما يجب أن تهتمي بأناقة بيتك ورتابته، وطيب رائحته كذلك الأمر.

5- العناية بمنزله ويأموره المنزليَّة:

أي يجب عليك أن تهتمي بنظافة منزلكِ كما ذكرنا من قبل فتعرفي كيف تُحققي هدوء المنزل، وكيف تعملين على تأمين راحته في المنزل، بالإضافة إلى الاهتمام بغذائه من تقديم أفضل الأطعمة المتوافرة، وتأمين مستلزمات المنزل بالقدر المُتاح لكما. فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مكربة

6- فالعناية ببيته وماله، والرعاية لنفسه وعياله:

الاهتمام بالمنزل يجب أن يكون من أوَّل اهتماماتك؛ لأنَّه مسكنكما الأوَّل، ومسكن أطفالكما، كما يجب أن تهتمي بالأطفال وتعملين على تنشئتهما وفقًا لمبادئ الدِّين الإسلاميّ الحنيف.

7- حفظ أسراره:

يجب أن تكوني مخزن أسراره ومستقرَّ كلامه، فيعرف أنَّ كُلَّ ما يقوله لك يبقى بمأمن عن العالم الخارجي، فيحبّ أن يُفضي إليك، وحتّى أن يستمع لنصائحك.

8- مراعاة مشاعره:

فيجب عليك أن تكوني مراعيةً لحزنه، ومواكبةً لفرحهِ.

9-إيثاره على نفسك:

فتفضلين أن يكون بخيرٍ أكثر منك، ومرتاحًا أكثر منك كذلك الأمر.

وفي المقابل نرى في النَّاحية الأخرة نصيحة أبٍ لابنه المقبل على الزَّواج، ومن نصائحهِ نذكر:

1- إيضاح الحُبِّ:

إذ إنَّ المرأة تُحبُّ أن تكون مُدَّللةً لدى زوجها، كما تُحبُّ أن يُعبِّر زوجها دائمًا عن حُبِّه لها، وإعجابه الشَّديد بها.

2-اللين في المعاملة:

إذ إنَّ الحزم الشَّديد والقسوة في التَّعامل من أكثر الخصال التي يجب أن يتوخاها الإنسان في التَّعامل وزوجه.

       3-الاهتمام بالنَّفس:

فكما على المرأة أن تهتم بنفسها من زينة وريح طيبة كذلك على الرَّجل أن يهتم بهندامه وطيب ريحه وأن يبقى ذو منظرٍ حسن ما استطاع.

     4 ترك شؤون المنزل للمرأة:

فالمرأة تعرف كيف تُدير منزلها، وهي أكثر معرفة بتفاصيله، وكما يُقال هي ربَّة المنزل ومدبرة أموره، فلا يجب على الرَّجل أن يتدخل في تفاصيل المرأة أولى فيها.

    5- احترام أهل الزَّوجة:

بالإضافة إلى الاهتمام بالزَّوجة فإنَّ احترام أهلها وتقديرهم، وعدم الدّخول في مقارنة بينط وبينهم من أهم أسباب نجاح الزَّواج وبناء أسرة سليمة.

6- تحمُّل مشاعر المرأة:

فكما يُذكر من أنّ المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج، فيجب احترام ضعفها وشدَّة حُبها فهي غالبًا ما تنجرّ وراء عاطفتها، وتُغلب مشاعرها على عقلها، وعليه فإنَّك يجب أن تكون متفهمًا لهذا الأمر ومراعيًا له.

7- مراعاة المرأة عند الخصام:

فمن المعروف عند النِّساء إنهنَّ يُنكرن كُلَّ فضلٍ قُدِّم لهنَّ عند الخصام، وتذكر كُلَّ زللٍ قام به الرَّجل ولو من غير قصدٍ، ولذلك عليك أن تكون مراعيًا لهذه الخصلة وعارفًا بها حتّى لا تحمل كثيرًا على زوجك.

8- مراعاة ضعف المرأة الجسديّ والنَّفسيّ:

إنَّ دورة حياة المرأة أكثر تعبًا من الرَّجل وجسدها ضعيفٌ حيال ما يمرُّ به، كما إنَّ مشاعرها دائمة التّقلب نتيجةً لعوامل عدَّة منها الأمومة وسواها من العوامل البيولوجيَّة التي تمرّث بها، كما أنَّ الله سبحانه وتعالى أسقط عنها الفرائض الدِّينيَّة عند تعبها الجسديّ، وعليه عليك أنت كذلك أن تُراعي تعبها، وأن تساندها في وقته.

إنّ المرأة تمر بحالات من الضعف الجسدي والتعب النفسي، حتى إنّ الله سبحانه

من السَّابق يُمكن أن نلحظ أنَّ الآباء كانوا خير مرشدين لأبنائهم، وخير ساعين لبناء أسرٍ إسلاميَّة متفهمة وواعية لما يجري في المحيط، ولكن اليوم نلحظ أنَّ أغلب الشَّباب يغرهم ما يرونه في مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، فيقدمون على الزَّواج دون أن يدركوا كميَّة التَّضحية التي يُمكن أن يُقدمونها، معتقدين أنَّ الزَّواج عبارةٌ عن حياةٍ كُلُّها رفاهيَّة وتقتصر على صورةٍ يُمكن أن يلحظونها في الإنترنت، دون يدروا ما خلفها من تعبٍ ومشاكلٍ ومسؤوليَّات، ولغياب كُل تلك المعارف ولغياب التَّوعية نلحظ كثر ةا لمشاكل بعد الزَّواج، وكثرة حالات الطَّلاق في صفوف الشَّباب، وعليه كان من الواجب أن تقوم مراكز للرعاية الأسريَّة وحماية الشَّباب، لحماية المجتمع ولبناء مجتمع إسلاميّ يقوم على أسرٍ متفاهمةٍ.

إنَّ الزَّواج من الأمور العظيمة التي قدَّرها الإسلام، لأنَّه عفافٌ للنَّفس، ولأنَّه اللبنة الأولى لبناء مجتمعٍ إسلاميٍّ واعٍ ومحافظٍ، وعليه ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}[الفرقان:54]، ومما سبق نلحظ أنَّ الأسرة من أهم مكوِّنات المجتمع الإسلاميّ وأحد أهم عوامل نجاحه واستقراره.

وفيما يأتي عددًا من المقترحات التي يُمكن أن تُقدَّم للحفاظ على المجتمع الإسلاميّ وحماية الشَّباب من حلات الطَّلاق، ومنها:

1- تأهيل الزَّوجين للحياة الأسريَّة عبر دورة لإيضاح مفاهيم الحياة الزَّوجيَّة وكيف يجب أن يسعى الزَّوجين إلى معرفة حقوق بعضهما وواجباتهما كذلك الأمر.

2- متابعة الزَّوجين في بداية حياتهما الزَّوجية تفاديًا للمشاك التي يُمكن أن تحصل في المرحلة الأولى منه.

3- تأهيل الزَّوجين لكيفيَّة تربية الأبناء وكيف يجب أن يتعاون الأم والأب على تنشئة أبنائهما وفقًا لتعاليم الدِّين الإسلامي.

4- تأهيل الزَّوجين لإدارة المنزل بشكلٍ جيّد، فيحمي التأهيل الأسرة من الوقوع في التَّبذير ويرشدها إلى طريق الإدارة الماليَّة السليمة فيما يتوافق مع ميزانيَّة الأسرة.

5- توضيح الطَّرائق السَّليمة لتفادي المشاكل والعقبات التي يُمكن أن تعترض طريقهما فلا يوجد حياة زوجيَّة دون مشاكل وعقبات.

إنّ مثل هذه الدَّورات قد تساعد الزَّوجين الحديثين على تفادي العقبات وبناء أسرة مسلمة داعمة للمجتمع ومساهمة في بنائه.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد