تحليل رواية أولاد حارتنا

الإسلام.. أهو كلمة؟ أهو مصطلح؟ أم تعاليم يجب أن تطبق بشكل سليم، لإنشاء أمة إسلامية صحيحة قائمة على مبادئ الإسلام والتي من أهمها الحرية في التعبير عن الرأي والحرية في الفكر، فقد أجمع العلماء والأدباء  على أن حرية الفكر تقتضي أن يكون للإنسان الحق في أن يفكر بشكل مستقل في جميع ما يكتنفه من شئون، وما يقع تحت إدراكه من ظواهر، وأن يأخذ بما يهديه إليه فهمه، ويعبر عنه بمختلف وسائل التعبير.. ومن هنا جاء الإسلام معلناً حرية التفكير، فدعا الإنسان إلى التأمل والتفكير والنظر إلى ما وراء الأشياء وإلى غايتها.

هكذا جاء الإسلام ليحرر العقل البشري، ويضع عنه القيود والأغلال التي عطلته زمنا طويلاً، الأمر الذي بسببه جاد العقل الإسلامي الصحيح بأروع حضارة بشرية، وخرجت نوابغ في كافة الميادين، فلم يكن الإسلام يوماً ليطبق على أنفاس الحرية في التفكير، لذلك لا يمكن أن يذبح شخص لمجرد أنه فكر، والمثال في هذه الحالة ينطبق على الكاتب الكبير « نجيب محفوظ » – رحمه الله – في روايته أولاد حارتنا.

شخصيات الرواية المثيرة للجدل

أولاد حارتنا.. رواية من أربع روايات جلبت المجد والشقاء معا للكاتب الكبير، حيث تسببت هذه الرواية إلى جانب ثلاث روايات أخرى في نيل محفوظ جائزة نوبل عن الأدب في عام 1989، لكنها أثارت العديد من الجدل كذلك، بل وتعرض محفوظ بسببها لمحاولتي اغتيال، حيث رأي البعض أن شخصيات الرواية المتمثلة في « الجبلاوي » و« جبل » و« رفاعة » و« قاسم » هي إشارة إلى الله سبحانه وتعإلى وإشارة إلى أنبياء الله موسى وعيسى – رضوان الله عليهما – والنبي محمد – صلي الله عليه وسلم -، بينما فسرها نجيب محفوظ وبعض الأدباء القليلين في تحليل رواية أولاد حارتنا على أنها محاولة لتصوير العلاقة بين الدين المتمثلة في شخصية الجبلاوي، والعلم المتمثلة في شخصية عرفه، ومحاولة تجسيد حال المجتمع المتمثل في أولاد الحارة حين تمسكوا بالدين وحده إلى أن جاء الفتوات وقاموا بالسيطرة على الدين لأجل مصالحهم الشخصية والسيطرة على الحارة، ويستمر الحال هكذا إلى أن يأتي عرفه ويقرر الاستعانة بشيء جديد ألا وهو السحر بدلاً من الاعتماد على الجبلاوي، فقضي عرفه على الجبلاوي (أي قضي العلم على الدين ).

رأي محفوظ في محاولة الفصل بين العلم والدين

كان يرى نجيب محفوظ بأنه لا يمكن بناء أمة إلا بالإعتماد على كلا من العلم والدين معا، وأنه لا يمكن الفصل بينهم، وما يؤكد على ذلك حديث محفوظ مع د/ أحمد كمال أبو المجد في إحدى اللقاءات بينهما في تحليل رواية أولاد حارتنا، حيث يقول محفوظ:

“إن كتاباتي كلها القديم منها والجديد تتمسك بهذين المحورين:- الإسلام الذي هو منبع قيم الخير في أمتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا “، وأضاف محفوظ في حديثه “إنه حتى رواية أولاد حارتنا التي أساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية، ولقد كان المغزي الكبير الذي توجت به أحداثها أن الناس حين تخلوا عن الدين ممثلا في الجبلاوي، وتصوروا أنهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلا في عرفة أن يديروا حياتهم على أرضهم (التي هي حارتنا)، فاكتشفوا أن العلم بغير الدين قد تحول إلى أداة شر، وأنه قد أسلمهم إلى استبداد الحاكم المتمثلة في شخصية الناظر الذي استغل العلم للقضاء على الدين والسيطرة على الحارة بدون روابط أو قيود، بل وسلبهم حريتهم فعادوا من جديد يبحثون عن الجبلاوي “، كما أضاف في حديثه مع د. أبو المجد في 29 ديسمبر 1994 “إن مشكلة أولاد حارتنا منذ البداية أنني كتبتها رواية وقرأها بعض الناس كتاباً، والرواية تركيب أدبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال ولا بأس بهذا أبداً.. ولا يجوز أن تحاكم الرواية إلى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا أصلا وهو يعبر عن رأيه في رواية “.

السر وراء رواية أولاد حارتنا

مربط الفرس هو في جملة محفوظ الأخيرة في تحليل رواية أولاد حارتنا “يعبر عن رأيه في رواية “، فبالتأكيد لا يقبل أحد التجاوز أو حتى المساس بالذات الإلهية ولو بالتجسيد، أو حتى التطأول على أنبياء الله ورسله – رضوان الله عليهم جميعاً – إذا كان هذا هو المقصد من الرواية، لكن هل حقاً أراد نجيب محفوظ التطأول على الله ورسله؟ أم أنه فقط طرح تساؤلات نطرحها جميعاً؟ ففي كل يوم نسمع عن محاولات ورغبات في تجديد الخطاب الديني، ومحاولات الاستفادة من العلم بصورة أفضل، والمناداة بالمزج بين العلم والدين معا.

ألا تطرح تلك التساؤلات الآن؟ فقط الفارق الوحيد أن محفوظ طرح هذه التساؤلات في رواية قد نشرت لأول مرة في جريدة الأهرام عام 1959 من القرن الماضي، وها نحن الآن وبعد أكثر من 59 عام لازالت نفس التساؤلات تطرح.. لم نحرك ساكناً، فقط ننقد من يحاول التفكير، من يطرح تساؤلا آخر.

هذا المقال ليس دفاعاً عن الكاتب الكبير أو هجوماً عليه، إنما هو تذكير بالمقولة الشهيرة للأديب العالمي في روايته أولاد حارتنا بأن كانت ولا تزال “آفة حارتنا النسيان “.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد