الإٍسراف ومشاكل الحياة الزَّوجيَّة

إنَّ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ ومع الأسف أصبحت تُصدِّر لنا الكثير من مظاهر التَّرف التي قد لا تمت إلى الواقع بصلةٍ، وهذه المظاهر تدفع بالكثير من الزَّوجات والأزواج حتّى إلى الاهتمام بمظاهر الحياة وقشورها وزخارفها التي قد لا تُغني الحياة الزَّوجيَّة ولا تؤثر فيها، ومنه الحصول على الملابس من دور الأزياء العالميَّة التي تكون مبالغها طائلة والحصول على أغلا الأثاث المنزليّ وأغلا أنواع الأدوات التكنولوجيَّة وما سواها من مصادر الرَّفاهيَّة.

وكلُّ ما سبق يُمكن أن يكون دون حدود قدرة الزَّوج أو مصاريف الأسرة، ممَّا يُشكل عبئًا على الزَّوج، وعليه قد تزداد المشاكل الزَّوجيَّة لأنَّها تضع الأسرة على محكٍّ اقتصاديٍّ، تحوِّل الحياة الزَّوجيَّة إلى حياة ملؤها المشاكل نتيجة لعدم قدرة الأسرة على تلبية متطلبات الحياة المُرفهة أو المزخرفة.

فلا ننكر أنَّ للوضع المالي الكثير من الأهميَّة في بناء الأسرة السَّليمة، فالكثير من الزَّوجات قد يتهمن أزواجهنَّ بالبخل الشَّديد أو التَّقصير في أمور المنزل إن لم يسعوا إلى تلبية طلباتهم والتي تكون غالبًا كثيرة ولا أهميَّة لها، سوا أن تظهر أمام صديقاتها أو جيرانها، كما إنَّ الكثير من الأزواج يتهموا زوجاتهم بالإسراف فتحصل الكثير من المشاكل الأسريَّة، لعدم التَّوافق والتَّفاهم بين الزَّوجين على الميزانيَّة التي يُمكن أن تُحدَّد لتفاصيل الحياة التي يُمكن أن تُصنَّف ضمن إطار الرَّفاهية والتي يمكن أن يتمّ الاستغناء عنها أو استبدالها بما هو أوفر إن لزم.

عوامل تدفع الزَّوجين للتَّبذير:

وممَّا سبق تنشأ المشاكل بين الزَّوجي لظنّ أحدهما أنَّ الآخر يظلمه لتقصير اتجاهه في أحد الأمور الماليَّة دون وجه حقٍّ، وعليه يُمكن أن نُحدِّد العوامل التي قد تدفع الزَّوجين للتَّبذير:

أولًا: حرمان الزَوجة:

إنَّ الفقر لم يُعدُّ في يومًا عيبًا، والكثير من الفتيات الفقيرات غاضات للبصر وعارفات لحدود النِّعمة أكثر من الفتيات الغنيَّات، والكثير من الفتيات الغنيَّات لا يعرفن حدود الله تعالى في الصَّرف واستهلاك الأموال، وقد يأتي الإسراف تعبيرًا عن الحرمان العاطفيّ أو تعبيرًا عن أحد المشاكل النَّفسية التي قد تكون الفتاة أو المرأة تتعرَّض لها فتحاول أن تُغطي تلك المشاكل بإظهار ثرائها وقدرتها على البذخ والإسراف على أشياء قد تكون قليلة القيمة ويُمكن الاستغناء عنها.

وفي المقابل لا يُمكن أن ننكر أنَّ الفتاة الفقيرة التي تجد الأموال قد تبدأ بالبذخ والإسراف دون أن تعلم قيمة ما بين أيديها، معتقدةً أنَّ زوجها يقدر على أن يصرف دائمًا على المنزل مبالغًا طائلةً دون الشُّعور بالذَّنب، بل على العكس تمامًا يزيد طلبها للمال، وتزيد متطلباتها التي لا طائل منها.

ثانيًا: إسراف الزَّوجة:

اعتياد الزَوجة على الإسراف والتَّبذير لأنَّها تكون قد نشأة في بيئة غنيَّة، ولم يُعلَّمها والديهما أنَّ المال وسيلةً لكسب غاياتٍ مهمَّة، وأنّض الحصول عليه يحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ وبذلٍ للطاقات، لكنَّ الفتاة التي تنشأ على الإسراف والتَّبذير تبقى هكذا طيلة حياتها، وعندما يبدأ الزَّوج بوضع حدود للإسراف تعتقد الزَّوجة بأنَّه بخيلٌ، دون أن تدري أنَّ للأسرة وبنائها قواعدٌ عليها أن تُراعيها وأن تُراعي قدرات زوجها الماديَّة وأن من أهمِّ واجباتها أن تحفظ مال زوجها، وأن تهتم ببناء أسرةٍ صالحةٍ تعرف مبادئ الدِّين الإسلاميّ.

ثالثًا: حبُّ المظاهر:

وهي المرأة التي تعتقد أن كُلَّ ما في الحياة يجب أن يكون بالمظاهر الخارجيَّة، وأنَّ النَّاس تُقيَّم من خلال لباسها وطعامها ومسكنها، لذلك فلا تقبل إلَّا أن تكون ثيابها من دور الأزياء العالميَّة، ولا تقبل أن يكون أثاث منزلها إلَّا من أهم دور الإكساء والأثاث، وتهتم برفاهيَّات الحياة الصَّغيرة والتي يُمكن الاستغناء عنها في الكثير من الأحيان، وقد تطلب أكثر من سيَّارة بدلًا من واحدة تعمل على خدمتها، وأن تطلب أجهزة إلكترونيَّة كثيرة قد لا تستخدمها إلَّا في الأمور الثانويَّة وغير المفيدة، فقط لكي تبدو في مظهرٍ جيِّدٍ أمام أسرتها وصديقاتها وجيرانها.

رابعًا: كرم الزَّوجة:

وهذه الزَّوجة تكون كريمةً لكن بشكلٍ مُسرفٍ، أيّ أنَّها تعمل على أن تُقدِّم كُلّ ما تستطيع لأيّ ضيفٍ يُمكن أن يحلّ عليهم ولأهل زوجها ولأهلها كذلك الأمر، دون أن تُراعي مقدرات زوجها الماديَّة، فتُقدِّم أكثر ممَّا يستطيع، وهذا يعدُّ كذلك الأمر من الإسراف إذ يجب أن يكون الجود في حدود الموجود.

إذ إنَّ الأسرة يجب أن تقوم على التَّفاهم على كُلِّ تفاصيل الحياة، ويجب أن يتصارح الزَّوجين في كُلّ الأمور التي قد تزعجهم وتعمل على خلق مشاكل فيما بينهما، حتّى تبقى حياتهما هانئة، وحتى يتجاوزا أيّ مشكلة يُمكن أن تعترضهما، فتنشأ أسرة ملؤها التَّفاهم والمودَّة.

للحفاظ على زواجٍ مُستقرٍ:

إنَّ الأسرة اللبنة الأولى من لبنات بناء المجتمع، وهي من أهمِّ أركان المجتمع المسلم، وقد حرص الدِّين الإسلامي على إظهار أهميَّة الأسرة، وأعلا شأن الزَّواج وأظهر أهميَّة استقرار المجتمع النَّابع من استقرار الأسرة، وعليه فإنَّنا يجب أن نسعى بكلِّ ما أوتينا من قوَّة وجهد في كُلِّ مكان أن نُقدِّم نصيحةً للشَّباب حديثي الزَّواج للحفاظ على أسرهم دون تفكك ولتقليل نسب المشاكل الأسريَّة الطَّلاق كذلك الأمر، ومن أهمّ هذه النَّصائح يُمكن أن نذكر النِّقاط الآتية:

أولًا: بناء ميزانيَّة للأسرة:

إنَّ العمل على بناء ميزانيَّة لمصروفات الأسرة يجب أن يُعدُّ من أهم الأمور التي يجب أن يسعى إليها الزَّوجين، في بداية حياتهما الزَّوجيَّة، وإن لم يعرفا الطَّريق لبناء ميزانيَّة الأسرة يجب أن يلجأا إلى خبيرٍ يُساعدهما في هذا الأمر، فيحدِّدان كم يمكنهما أن يصرفا في كُلِّ شهرٍ، وما هي الأمور التي يُمكن أن يحصلا عليها في حدود ميزانيتهما.

ثانيًا: الابتعاد عن الدَّين

إنَّ تحديد ميزانيَّة للأسرة تحمي الأسرة من الوقوع في الدَّين، إلَّا إن سعت الأسرة من الزَّوج أو الزَّوجة إلى شراء شيءٍ كبيرٍ، أو صرفٍ مبلغٍ ماليٍّ دون تقديرٍ يجعلهما يخضعا لدينٍ، وبالتَّالي فإنَّ الأسرة قد تقع في المستقبل بضائقة ماديَّة، تجعلها تًقصِّر في أمورٍ أخرى في المستقبل.

وهنا يجي على الزَّوجة أن تبتعد قدر المستطاع لديها عن حبِّ المظاهر والبذخ أمام مجتمعها، وأن تعلم كيف تُدبر أمور بيتها وأن تحافظ على أموال زوجها وجهده دون هدرٍ، فلكلِّ شيءٍ بدائل يُمكن أن تكون في حدود قدرة كُلِّ إنسان دون أن يقع تحت أسر دينٍ أو التزاماتٍ ماديَّةٍ كبيرةٍ قد لا يكون أهلًا لها وفقًا لدخله، ولذلك عليك قبل أن تُقدمي على شراء شيءٍ ما أن تُفكري في هذه الأسئلة:

1- هل هذا الشيء مهمٌّ لي ولا يمكنني الاستغناء عنه.

2-  هل سعر هذا الشيء مناسبٌ للميزانيَّة المتاحة له.

3- هل يُمكن أن استبدل هذا الشيء بشيءٍ آخر؟

4- هل يُمكن أن أؤجل شراء هذا الشيء؟

ووفقًا للإجابات السَّابق عليك أن تُقرري شراء ما تردين من عدمه، في سيبل الحفاظ على أموال زوجك من الهدر، وتوفيرها لأسرتك في أمور أكثر أهميَّة بالنِّسبة لها.

وكذلك على الزَّوج أن يمتلك التَّفكير نفسه، فقد يكون الإسراف وحب المظاهر والبذخ من الزَّوج أيضًا، فيجب عليه أن يُفكِّر فيما بنفعه دون اللجوء إلى قرضٍ أو دينٍ قد يأٍسره لأشهر وربما لسنين.

وعليه نلحظ أنَّ بناء أسرة متوازنة اقتصاديًا يكون أساه تفاهم الزَّوجين على ما يُمكن أن يصرفا في أثناء الشَّهر، وأن يعلم كلا الزَّوجين أنَّهما الآن بانيان لأسرة فعليهما أن يوفرا ما كان سابقًا ربما لرفاهيتهما ليكون اليوم في خدمة الأسرة ومتطلباتها والأبناء، حتّى تحافظ على استقرارها.

واجبات الزَّوجين للحماية الأسرة من خطر التَّبذير:

وللحماية من الخطر السَّابق فإنَّ المهمة موكلة إلى كلا الزَّوجين، ويُمكن أن نُحدِّد دور كُلٍّ منهما في النِّقاط الآتية:

عل الزَّوجة أن تعرف متطلبات المنزل، وأن تُقدِّر الأفضل له، وأن تعمل على شراء حاجيات المنزل بذكاء وحنكة، فيمكن أن توفر المال مثلًا عبر إعدادها لمؤونة المنزل، أو عبر شرائها من متجر فيه الأسعار أرخص وهناك الكثير من الأساليب التي يُ/كن أن تتبعها الزَّوجة لتوفير مستلزمات أسرتها بأفضل جودة ممكنة وبأقل سعر كذلك الأمر.

على الزَّوجة أن  تُعلِّم أبنائها حدود الله في الإسراف، وأن تُرشدهم إلى كيفيَّة الحفاظ على هذه النِّعمة، وكيف يُمكن لهم أن يصرفوا أموالهم المُحدَّدة لهم في مصروفٍ يوميٍّ أو شهري، وأن تذكر لهم قول الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم:

{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:7]

وعليه فإنَّ الزَّوجة المسلمة الصَّالحة التَقية ترضى بما أراده الله سبحانه وتعالى لها، وتعمل جاهدةً على كفاية نفسها وأسرتها بما أكرمهم به الله سبحانه وتعالى.

فتكون بذلك خير داعمٍ لزوجها، لا تهتم بالمظاهر الخارجيَّة وتعمل على بناء أسرة مسلمة صالحة قدوتها فيها رسول الله صل الله عليه وسلَّم وصحابتها الكرام رضوان الله تعالى عليهم.

أمَّا الزَّوج فعليه أن يسعى إلى تأمين مستلزمات المنزل بكل طاقة وهبها إيَّاه الخالق، وأن يعمل جاهدًا على الابتعاد عن مظاهر البذخ والرَّفاهيَّة إن لم تكن في حدود مقدرته.

وأخيرًا فإنَّ الأسرة المسلمة هي الأسرة التي تُراعي حدود الله سبحانه وتعالى في كُلّ نعمة وهبها إياها، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن الإسراف والتَّبذير لذا يجب أن نكون حذرين في هذا المجال.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

تعليق 1
  1. عبدالفتاح ماهر عنتر 50047464 حلم،) ابو مازن مازن الخواجه يقول

    حلم 🎁 😍