أوبنهايمر.. الشخص والفيلم والأسطورة

حصد فيلم “أوبنهايمر” على نصيب الأسد من جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام (British Academy

فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب

Film Awards)‏ المشهورة باسم جوائز بافتا BAFTA Film Awards فى نسختها الـ 77 التي

احتضنتها القاعة اللندنية الشهيرة “رويال فيستيفال”.

فيلم أوبنهايمر - المصدر اليوتيوب
فيلم أوبنهايمر – المصدر اليوتيوب

 

7 جوائز لأعمدة صناعة العمل السينمائي، منها جائز أحسن فيلم، وأحسن مخرج كريستوفر نولان، وأحسن ممثل

كيليان مورفي، وأحسن ممثل مساعد روبرت داوني جونيور، وضف على ما سبق أحسن موسيقى أصلية، وأحسن

مونتاج، وأفضل تصوير سينمائي، تكفي أن توصل قناعة للمشاهد قبل أن يُشاهد الفيلم أنه مقبل على تحفة فنية مبهرة.. وهذه – للأسف – الحقيقة التي اعتمد عليها الغرب في تزييف الحقائق والوقائع من خلال مصنع الأحلام.. هوليوود.

الممثل كيليان مورفي- المصدر اليوتيوب
الممثل كيليان مورفي- المصدر اليوتيوب

الشخص أم الفيلم؟

الشخص “أوبنهايمر” أم الفيلم الذي يحمل اسمه.. بمن نبدأ؟!.. اتصور أننا نحتاج لأن نعرف جانبا من سيرة هذا الـ

“أوبنهايمر” الذي غيبه الموت قبل 77 عاما ويوم (ذكرى وفاته كانت بالأمس)، حيث رحل عن الدنيا في 18 فبراير

1967 عن عمر ناهز الـ 62 عاما، بعد أن خلف ورائه كابوس البشرية الأكبر، وهو التهديد بالفناء ونهاية العالم عبر تفجير نووى.

من هو أوبنهايمر؟

جوليوس روبرت أوبينهايمر- المصدر اليوتيوب
جوليوس روبرت أوبينهايمر- المصدر اليوتيوب

 

جوليوس روبرت أوبينهايمر (J. Robert Oppenheimer) ولد فى 22 إبريل 1904م، وتوفى في 18 فبراير 1967م، عالم في الفيزياء النظرية، أهم إنجازته العلمية أنه ساهم بشكل كبير في تطوير ميكانيكا الكم والفيزياء النووية، وقدّم مساهمات في نظرية النجوم النيوترونية والثقوب السوداء، لكنه اشتهر بلقب “أبو القنبلة الذرية” لِدورِهِ القيادي في مشروع مانهاتن.

 

 

ما هو مشروع مانهاتن؟.. وما دوره فيه؟

عام 1943 عُيِّن “أوبهايمر” مديرًا لمنشأة لوس ألاموس، ومن خلال المشروع قاد فريقًا من العلماء لتطوير أول

سلاح نووى في العالم، وجاءت محصلة الأبحاث مع اختبار القنبلة الذرية الأول “ترينيتي” عام 1945.

 

وفي يومي السادس والتاسع من شهر أغسطس عام 1945تم قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي فى هجوم نووي

شنته الولايات المتحدة ضد إمبراطورية اليابان التى رفضت أن تستسلم للحلفاء استسلاما كاملا بدون أي شروط،

وكان ما كان مما عرفته البشرية من سيرة الدمار والخراب وقتل الحياة بكل مظاهرها في المدينتين على أثر القصف

النووي.

 

وعاش “أوبنهايمر” بعد الكارثة ليواجه صراعًا داخليًا؛ بسبب دوره في تدمير هيروشيما وناجازاكي، ولم يشفع

للتخلص من عذاباته دفاعه عن السلام النووي ومعارضته تطوير القنبلة الهيدروجينية، حتى سُحِبَ منه تصريحه

الأمني فى بلاده (الولايات المتحدة) عام 1954؛ بسبب آرائه السياسية، هذا القرار الذي تم النكوص عنه عام 2022؛ تكريما لذكراه وردا لاعتباره.

 

الفيلم

شخصية مثيرة للجدل، مثل “أوبنهايمر” يُنظر إليها على أنها تحمل فى طياتها مزيجا من العبقرية والأخلاقيات

المعقدة، وتُمثل رمزا للتقدم العلمي والتحديات الأخلاقية في عصرنا، لابد أن تُثير شهية الدراميون، ويسعون

لاقتباسها فى أعمالهم الدرامية، ومن ثم جاء الفيلم الذى نحن بصدد مراجعته فى الآتى:

الممثل كيليان مورفي- المصدر اليوتيوب
الممثل كيليان مورفي- المصدر اليوتيوب

 

من إبداعات المخرج كريستوفر نولان، يأتى فيلم “أوبنهايمر” حيث يمزج بين التجريدية والإثارة في آن واحد، حين يفجر شعور الذنب بوضوح لدى شخصية الفيلم (وينجح فى نقلها للمشاهد) عبر كوابيس نهاية العالم التي تُعرض بتقنية “IMAX” والتي تعرض الصور بشكلٍ أكبر بكثير في الحجم والدقة من أنظمة السينما التقليدية، ومن خلالها يُقدم الفيلم رؤيته المُقلقة والساحرة للكارثة التي جلبتها البشرية على نفسها.

 

تم اقتباس سيناريو فيلم “أوبنهايمر” من كتاب “بروميثيوس الأمريكى American Prometheus” للكاتب كاي بيرد، وهو بمثابة كتاب لسيرة “أوبنهايمر” الذاتية.

فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب
فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب

 

وتُحدد المشاهد الافتتاحية لفيلم “أوبنهايمر” الدراما التي سوف يتناولها العمل، حيث تبدأ القصة بثلاثة مسارات زمنية

متشعبة، ثم تعود بلقطات “فلاش باك” لتقدم الشخصية الرئيسية، شخصية بطل العمل روبرت أوبنهايمر الذى يلعب

دوره الممثل العبقرى كيليان ميرفي.

يعرض الفيلم أوبنهايمر في شبابه، خلال أيام دراسته الجامعية في عشرينيات القرن الماضي، ويُجسد الفيلم

شعور الشاب “أوبنهايمر” بالوحدة والاضطراب.

فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب
فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب

 

ونتوقف هنا عند رمزية المشهد الأول فى الفيلم، ويرى فيه المشاهد بطل الفيلم في أول ظهور له، ينظر إلى الأسفل، إلى قطرات مطر تتساقط فى بركة ماء، لتعكس الصورة الهادئة تناقضًا حادًا مع نيران الجحيم المنبعثة من الجسيمات دون الذرية التي ستصبح هاجسًا يطارد “أوبنهايمر” فيما تبقى من حياته، بعد تفجيري نجازاكى وهيروشيما.

مشاعر ممزوجة بعد أول تجربة نووية:

الممثل كيليان مورفي- المصدر اليوتيوب
الممثل كيليان مورفي- المصدر اليوتيوب

 

وفي مشهد أخر لمقابلة أجراها “أوبنهايمر” مع محطة NBC، عام 1965يستذكر أبو القنبلة النووية، مشاعره بعد أول تفجير لجهاز نووي على الإطلاق، ويقتبس عبارة من كتاب “بهاجافاد جيتا Bhagavad Gita ويرددها قائلا: “الآن أصبحتُ الموت، مدمر العوالم”.

 

ويظهر وجه “أوبنهايمر” يملأ الشاشة حيث يكسوه الألم، فى لحظة محورية في تاريخ البشرية، حيث أدى تفجير القنبلة النووية إلى تغيير مسار العالم إلى الأبد، ومشهد مثل هذا لابد أن يخلق تفاعلاً عاطفيًا قويًا مع المشاهد.

 

وتُثير هذه المشاعر الدرامية مثيل واقعي لدى المتلقي، وهو يتابع مشاهد الدمار الشامل التي تُعرض على الشاشة الكبيرة، وتأملات أوبنهايمر في المسؤولية الأخلاقية للعلم، ومعاناته من مشاعر الذنب والندم على دوره في تطوير القنبلة النووية.

فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب
فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب

 

وتتقاطع وتتماهى مشاهد الفيلم التي تجسد الغرور والندم والقوة مع مشاهد تُبرز التناقض بين الحجم الهائل للدمار الذي يمكن إحداثه من شيء صغير للغاية (انشطار الذرة في القنبلة النووية).

 

ومن خلال جلستي استماع حكوميتان، يأخذ الفيلم المُشاهد إلى ماضي روبرت أوبنهايمر، والجلستان كليهما بعد عدة سنوات من تفجيري هيروشيما وناجازاكي، الأولى منهما تُركز على تحدي ولاء “أوبنهايمر” للولايات المتحدة في عام 1954، والثانية تُركز على لويس شتراوس، حليف سابق ثم خصم – لاحقاً – لـ “أوبنهايمر” وهو يواجهه بوابل من الأسئلة خلال الجلسة المنعقدة عام 1959.

النهاية

فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب
فيلم أوبنهايمر- المصدر اليوتيوب

 

والنهاية التي سوف نسردها في التالي، ليست نهاية العمل الدرامي، ولكنها النهاية الحقيقية لرحلة “أوبنهايمر” فى علاقته بالسلطة، حيث تولى عام 1947رئاسة اللجنة الاستشارية العامة لهيئة الطاقة الذرية الأمريكية، ولم يمضي عامين على توليه المنصب حتى عارض تطوير القنبلة الهيدروجينية، مما أثار غضب بعض أطراف الحكومة الأمريكية والجيش عليه.

 

وفى عام 1953 تم فتح تحقيق مع أوبنهايمر حول علاقاته السابقة بالحزب الشيوعي الأمريكي، وفى عام 1954 خضع “أوبنهايمر” لجلسات استماع أمنية، تم إلغاء تصريحه الأمني، وفى 1963 مُنِح “أوبنهايمر” جائزة إنريكو فيرمي كبادرة حكومية لإعادة اعتباره السياسي، وعاش معذبا حتى توفي عام 1967على أثر إصابته بسرطان الحنجرة.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد