أطفالنا والخلافات الزَّوجيَّة.. عذابٌ كبيرٌ وتوترٌ نفسيٌّ

الأسرة أحد أهمّ الأركان التي أوصى بها الإسلام، وأحد أهم الدَّعائم التي يقوم عليها المجتمع، فباستقرارها تعمر الأمم وتزدهر وبانهيارها تندثر وتُصاب بالكثير من المشاكل، فكلُّ طفلٍ لا ينشأ في بيئةٍ سليمةٍ مستقرَّةٍ، ولا يحصل على القدر الكافي من الرِّعاية والاهتمام والحبّ من كلا الأبوين، لا يكون شخصًا متوازنًا نفسيًّا، بل تحدث له الكثير من المشاكل والاضطرابات، وإن كان في بيئة غير جيَّدة فقد يجرّه رفاق السُّوء إلى الكثير من الأخطاء التي قد تجعله في مشاكل كبيرة.

فالمشاكل التي قد تنشأ فيما بين الزَّوجين تكون بركانًا يودي بالأسرة ككل ويصيب الأطفال بالكثير من الخوف والقلق والاضرابات، ويمحي عن وجههم الابتسامات ومن قلوبهم الفرح والأمان.

وضحَّت العديد من الدِّراسات أنَّ الأطفال ال1ين يعيشون في بيئة منزليَّة متوترة، الآباء فيها في حالة صراع دائم وهناك مشاكل كثيرة فيما بينهم، يعانون من الكثير من الأزمات الاجتماعيَّة مثل عدم القدرة على التَّأقلم مع المحيط بسبب التَّوتر الدَّائم الذي هو فيه وعدم شعوره بالحب وفقدان الثِّقة والأمان في محيطه، كما أنَّ الطفل يُمكن أن يتراجع دراسيًّا أو حتّى يفشل دراسيًّا لأنَّ الدَّافع غاب عنه في حبّ العلم والدِّراسة لأجل إسعاد الأهل مثلًا، إضافة إلى أنَّ الرِّعاية والاهتمام من قبل الأهل الأطفال تكون قد غابن في ظل الخلافات العائليَّة التي تكون شاغلة لهما في تلك المدَّة، كما إنَّ الأطفال يُمكن أن ينحرفوا وخصوصًا المراهقين منهم، فإمَّا أن ينجروا وراء الإدمان على الإنترنت دون رقابة من الأهل فينحرفوا إذ إنَّ الكثير من المواقع الإلكترونيَّة لا رقابة عليها وكذلك الألعاب الإلكترونيَّة التي تحتوي الكثير من المخاطر التي تحرف الأطفال والمراهقين نحو العنف والتَّنمر والانعزال وسواها من الأمور التي تجعلهم ينشؤون بطريقة غير سليمة، كذلك يُمكن أن يجرهم رفاق السُّوء ورائهم  في الكثير من الأمور والسُّلوكيَّات الخاطئة مثل المخدرات أو السَّرقة أو السُّلوكيَّات المنحرفة.

وكلُّ ما سبق يكون إن كانت الخلافات بين الأبوين ظاهرة، تكون عن طريق الكلام بصوتٍ عالٍ جدًا، أو عن طريق التَّعنيف من قبل الأب مثلًا، لكن الأبناء يشعرون بالخلافات التي لا تكون ظاهرة كما سبق، أيّ تكون عبارة عن صمت وقلَّة تواصل بين الطَّرفين، فمهما حاول الآباء أن يخفوا خلافاتهم، إلَّا إنَّ المشاعر لا يُمكن أن يتمُّ إخفائها عن الأطفال، فينشأ لدى الأطفال حالة من الحزن وشعور بعدم الاستقرار والضَّياع ربما، لأنَّهم يعيشون في وضعٍ مرتبكٍ غير مريح للأبوين فكيف للأبناء.

ومن الأفضل أن يعيش الأطفال في جوٍ مريح، وهذا الجو عكس ما يمكن أن يتخيلَّه البعض، أيّ جو لا خلاف فيه ولا مشاكل، بل على العكس، فإنَّ المشاكل تحدث، وشعور الغضب والحزن والتَّوتر يكون في الأسرة لكن تلك المشاعر تُفرَّغ بطريقة سليمة ويتعلَّم الأبناء كيف يعبرون عن مشاعرهم بطريقة صحيحة دون أن يؤذوا أحدًا، كما يتعلمون كيف يواجهون مشاكلهم، وكيف يصرحون للشَّخص المقابل بأنَّهم تعرضوا للأذى منه، وكيف يجب أن يبادر الشَخص المُخطئ للاعتذار عمَّا فعل مدركًا حجم غلطه، أمَّا أن يعيش الطفل في أسرة لا تحدث فيها كل ما سبق ولا يعرف كيف يُعبر عن مشاعره، فإنَّه سيمر بنفس اضطرابات الطفل الذي يعيش في جوٍ ملؤه التَّوتر؛ لأنَّه لم يتعلَّم كيف يُعبر عن مشاعره وغضبه بطريقة سليمة، وكيف يُقدِّم الاعتذار إن غلط.

ومنه فإنَّ ه على كُلِّ أبٍ وأمٍّ حتّى ينشؤوا أسرة سليمة وأطفال قادرين على مواجهة مشاعرهم دون خوف، وأن ينشؤوا أطفالًا متوازنين نفسيًا، عليهم أن يتبعوا الخطوات الآتية:

أولًا: منح الحبّ للأبناء:

ويبدأ منح الحبّ للأبناء من خلال أن يمنح الأبوين الحبَّ لبعضهما البعض، بإخلاص وصدق دون غلوٍ أو مبالغة أو نفاق؛ لأنَّه كما ذكرنا فإنَّ كُلّ المشاعر المزيفة الطفل قادرٌ على أن يكشفها، ومهما طال التَّمثيل بين الأبوين فإنَّ الطفل سيكشفهما عاجلًا أو آجلًا، كما إنَّ من أهم الأمور التي تجعل الطفل مستقرًا نفسيًا هو وجود الأم والأب في محيطه يدعمانه في كلّ لحظة من لحظات حياته، ويقدمان له الحبّ قولًا وفعلا، وعليه فإنَّ الحب يكون في تلك الصُّورة متكاملًا غير ناقصٍ.

ثانيًا: التَّراضي والتَّنازل بين الطَّرفين:

إذ إنَّ الحياة الزَّوجيَّة تقوم على التَّكافل والتَّعاون من قبل الطَّرفين، إذ يعملان سويًّا على تقديم التَّنازلات لبعضهما، حتّى يكون كلا الطرفين راضٍ، فلا يوجد ما يُسمَّى في الحياة الزَّوجيَّة أنا أريد هذا الأمر والشَّخص الآخر لا يُهمنّي، لأنَّ راحة الزَّوج من راحة الزَّوجة والعكس صحيح، وهذا الانسجام والتَّنازل والتَّضحية من قب الطَّرفين لبعضهما ينعكس على الأبناء، فمثلًا الأم مرهقة جدًا وهي عائدة من عملها ولم تحضر الغداء، فإنَّ الأب يُضحي بالقليل من وقت راحته ليساعد الأم في تحضير وجبة طعام، هذا التَّعاون ينعكس على الأبناء فنلحظ أنَّهم هبُّوا للمساعدة دون أن يطلب أحدٌ منهم هذا الأمر، وقس على هذا المنوال.

ثالثًا: حلّ الخلافات بعيدًا عن الأطفال:

إن كان ولا بدّ أن يحصل شجار بين الأم والأب، فإنَّه من الأفضل للأبناء أن يكون الخلاف في مكانٍ بعيدٍ عنهم، ربما يكون في وقت نومهم، دون أن يشعروا أو أن يكون في وقتٍ هم يكونون فيه خارج المنزل، لكن يجب أن ينتهي الشِّجار ويُحلّ قبل عودة الأطفال، حتذى لا يشعروا بأي نوع من التَّوتر، وإن كان الأبناء شبابًا فيمكن أن نشركهم في المشاكل علَّهم يجدون حلولًا ويساهموا في الحفاظ على جو الأسرة سليمًا.

رابعًا: احترام الزَّوجين لبعضهما:

ويكون الاحترام بالشُّكر للآخر على كُلّ عملٍ يقوم به، كذلك يُمكن أن يكون باحترام الاختلاف، وتقدير المجهود المبذول في أيّ شيء والابتعاد عن الانتقاد على التَّصرفات أمام الآخرين، بل احترام الآخي، ومحاولة مساندته عندما يكون مرتبكًا وقد تحصل هذه الأمور في الكثير من الحالات، فربما هماك عزيمة في البيت والأم حُرق معها صنف من الطَّعام فيعمل الأب على مداراة الوضع والمساعدة باستبدال الطَّبق بآخر دون الانتقاد والتَّجريحوالإهانة، أو ربما ينسى الأب بعض الأغراض التي قد تكون ضروريَّة فتعم الأم على مداراة الوضع ومحالة تلبية متطلبات المنزل بالحاضر، فهكذا يكون التَّسامح بين الزَّوجين هو القائم، ومحاولة تفادي المشاكل والهفوات التي قد تحصل هو الغالب.

خامسًا: احترام مشاعر الطَّرف الآخر:

إنَّ  الأم والأب يمران بضغوط حياة يوميَّة هائلة، بسبب المسؤوليَّات الكبيرة الملقاة على عاتقهم، لذللك ففي الكثير من الأحيان قد يُساب أحدهما بنوع من التَّوتر أو الغضب أو… وعلى الآخر أن يحترم تلك المشاعر وأن يُبادر إلى معالجتها بالطريقة المناسبة للطرف الذي يعاني فهناك أشخاص تحب أن تبقى وحيدة حتى تهدأ وأخرى تُحب أن تتكلم عمَّا تشعر به وأخرون يحبون أن يقضوا وقتًا خارج المنزل مع رفاقهم وهكذا فإنَّ التَّفريغ عن المشاعر السَّلبية أمرٌ مهمٌ جدًا، ومراعاته أساس لبناء أسرة سليمة.

سادسًا: القدوة الحسنة:

على الآباء أن يكونا القدوة الحسنة لأبنائهما في مراعاتهما لبعض كما ذكرنا سابقًا في التَّفريغ عن المشاعر، وفي التَّعاون والتَّضحية، وذلك عن طريق تطبيق الآباء للأفعال السَّابقة وليس عبر الكلام فقط.

سابعًا: عدم إدخال الأطفال في المشاكل:

ذكرنا سابقًا أنَّه يُمكن عندما يكون الأبناء شبابًا أن نجعلهم يدخلون ليقولوا آرائهم فيما يحصل من خلافات بين الأم والأب، ولكن هذا الأمر عند الشَّباب يجب أن يكون دون استمالة أحد الطَّرفين لهما، وعند الأطفال الأمر أخطر، فقد يعمل الأم أو الأب على أن يقدم للأطفال كل ما يرغبون رغبةً في أن يستميلوهم إلى جانبهم أكثر، ويصبحون جزءًا من الخلاف بين الأم والأب، وهذا أمرٌ خطيرٌ جدًا، ويعمل على هدر تربية الأطفال، إّ يمكن أن يستغل الأطفال هذا الأمر لتحقيق ما يرغبون به دون وعي منهم لما يفعلون.

إنَّ الاهل هم القدوة للأطفال في كلّ التَّصرفات لذا يجب  أن تكون هناك أسرة تعمل على تأهيل الشَّباب المقبلين على الزَّواج حتّى يكونوا على دراية بطرائق التَّربية وكيفيَّة مواجهة المشاكل الزَّوجية في أقل الأضرار الممكنة لكلا الطَّرفين وللحفاظ على الأسرة.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد