تعدد الزوجات في عيون الرجال والنساء

موضوع تعدد الزوجات من المواضيع الشائكة الذي ينظر إليه بعض الناس في المجتمع العربي نظرة دونية على أنه جريمة في حق المرأة وإهانة لكرامتها وخيانة عظمى لها من قبل زوجها، بينما ينظر إليه البعض الآخر على أنه حق مكتسب للرجال قد أباح لهم الشرع ذلك، سنحاول في هذا المقال دراسة هذا الموضوع من الناحية الشرعية والمجتمعية، نسأل الله التوفيق والسداد.

التعدد قبل الإسلام:

كان الرجال في الجاهلية يتزوجون ما طاب لهم من النساء بدون حد أقصى، وكان بعض الرجال يجمع على ذمته أكثر من عشر زوجات هذا بالإضافة إلى الجواري (ملك اليمين)، وكان بعضهم يجمع بين الأختين على ذمته في وقت واحد {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}، والآية الكريمة تشير إلى نهي الله سبحانه وتعالى عن الجمع بين الأختين وهو صورة من صور التعدد قبل الإسلام.

التعدد في الجاهلية:

كان للتعدد قبل الإسلام صوراً وأشكالاً كثيرة اتخذها العرب في الجاهلية من أجل التمتع بالنساء بالطرق التي ترضي شهواتهم دون مراعاة لكرامة المرأة ورغبتها ودون الحفاظ على حقوقها المادية والمعنوية، بل تعاملوا معها على أنها سلعة يتم تداولها بين الرجال، سنستعرض بعض هذه الأشكال على سبيل المثال لا الحصر:

نكاح التبضع:

كان الرجل يرسل زوجته إلى رجل آخر له صفات معينة كالشجاعة والفروسية والحكمة والعقل لكي تتبضع منه (تجامعه) رغبة في إنجاب أبناء بهذه الصفات ثم يمتنع هو عن جماع زوجته حتى يتأكد حملها، ثم ينسب الولد إلى نفسه.

نكاح البدل:

وهو أن يتفق رجلان على تبادل زوجتيهما إرضاءً لشهواتهم وغرورهما بأن يقول أحدهما للأخر (أنزل لي عن زوجتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك) ويكون ذلك لفترة معينة يتفقان عليها.

نكاح الرهط:

وهو من أغرب أنواع النكاح الذي انتشر قبل الإسلام حيث يتزوج مجموعة من الرجال امرأة واحدة وتجامعهم جميعاً ثم إذا حملت ترسل إليهم وتختار منهم من يسمي الولد باسمه وفقاً لرغبتها.

نكاح المقت:

نكاح المقت أو نكاح الوراثة وهو أن يتزوج أكبر الأبناء من زوجة أبيه بعد وفاته ليس رغبة فيها ولا شهوةً ولكن حفاظاً على ورث أبيه أو يمنعها من الزواج بعد أبيه حتى تموت ويرثها إذا رفضت الزواج به أو بأحد إخوته أو تفتدي نفسها بفدية يرضى بها حتى يتركها وشأنها، وقد حرم الإسلام هذا النوع من النكاح كما ذكر المولى عزوجل في كتابه الكريم {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}.

التعدد في الإسلام:

شرع الله سبحانه وتعالى التعدد في الإسلام لحكمته وعلمه بعباده {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}، وما كان الله ليفرض على الإنسان ما يهينه وينتقص من كرامته، كما يزعم البعض أن التعدد ظُلم للمرأة وإهانة لها، كما ينبغي لنا أن نعلم أن المولى سبحانه وتعالى لم يفرض شيئاً في دينه إلا ووضع له أسس وضوابط تعين العبد على الطاعة وتحميه من الوقوع في المعصية وترك للإنسان حرية الاختيار في ذلك وحذره من عواقب ظلمه لنفسه وظلمه لغيره، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات التالية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}، {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.

التعدد في نظر النساء:

تنظر المرأة إلى التعدد نظرة دونية باعتباره إهانة لها وانتقاصاً من قدرها ومن حقوقها وأن زوجها مِلكُ لها ولا ينبغي أن تشاركها فيه امرأة أخرى، وقد تمنع إحداهن زوجها من الزواج بأخرى وتطلب الطلاق معللة ذلك بأن كرامتها لا تقبل بذلك، وينبغي لها أن تعلم أنها بذلك تظلم نفسها قبل أن تظلم زوجها لأنها تخالف شرع ربها، فما كان الله ليشرع من الدين ما يظلم المرأة ويهين كرامتها {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} سبحانه إنه هو اللطيف بعباده الخبير بشئونهم وبما يصلحهم، والعجيب أن بعض النساء ممن ابتلين بزوج له علاقات محرمة بالنساء عندما تعلم خيانة زوجها لها تجيب قائلة (أنا عارفة أنه يعرف ستات كتير، لكن في النهاية يعود لي)، سبحان الله أترضين لزوجك الحرام ولا ترضين له الحلال {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، إذا تزوج الرجل على سنة الله ورسوله يكون ذلك إهانة لكرامتك، وإذا خانك مع عشرات النساء فلا ضرر في ذلك (أين كرامتك إذا)، أتذكرتم كرامتكم في الحلال ونسيتموها في الحرام.

نظرة الرجال للتعدد:

ينظر الرجال إلى التعدد على أنه حق مكتسب لهم وأنه يحق له أن يتزوج ما شاء من النساء كيفما يشاء ويتمسك بنص الآية الكريمة: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ويردد قائلاً الشرع حلل لي أربع دون أن يكمل قراءة الآية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}، يا معشر الرجال أن الله لم يفرض التعدد تفضيلاً للرجال على النساء ولا تكريماً للرجال إنما فرضه لحكمته وعلمه بحوائج العباد، وقد يكون في التعدد إكراماً للمرأة قبل الرجل وحماية لها من نفسها ومن شياطين الإنس والجن، يا معشر الرجال إن التعدد حملاً ثقيلاً على الرجال وأمانة لا يستطيع حملها إلا القليل فلا ينبغي أن نستهين بها ولنقرأ قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}، وأعلم أيها الرجل  الراغب في التعدد أن هذه الأمانة ستحاسب عليها أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، فينبغي لك أن تسأل نفسك قبل أن تفكر في التعدد هل تستطيع أن تعدل بين جميع نسائك من حيث الحقوق الشرعية والأسرية والإنفاق والمعاملة، هل تستطيع أن تعدل بين جميع أبنائك من نسائك، هل تستطيع أن تنحي قلبك جانباً وأن تحكم بالعدل وبشرع الله بين أزاوجك حتى وإن مال قلبك إلى واحدة أكثر من الأخرى كما حذرك الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة، هل تملك القدرات المادية والجسدية لذلك.

لماذا لا تعدد النساء:

قد يسأل بعض ضعفاء النفوس هذا السؤال (لماذا أباح الدين للرجل الجمع بين أكثر من زوجة ولم يسمح للمرأة بالجمع بين أكثر من زوج)، والإجابة: ما كان الله ليشرع للإنسان ما يضره ويفسده ويضيع حقوقه ويكون سبباً في هلاك الحرث والنسل، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك، لو أن امرأة جمعت بين أكثر من زوج في وقت واحد وأنجبت طفلاً فمن يتولى رعاية الطفل ولمن ينسب وكيف نتأكد من نسب هذا الطفل لهذا أو لذاك، وكيف إذا أراد أحد الزوجين أو كلاهما التهرب من هذه المسئولية والتخلي عن المرأة بحجة أن لها زوجاً أخر وأنه غير متأكد من نسب هذا الطفل له، وكيف لو تنافس هذان الرجلان من أجل امتلاك هذه المرأة لنفسه دون غيره واقتتلا فقتلا أحدهما الأخر ثم جاء أهل هذا القتيل يريدون القصاص لقتيلهم وجاء أهل القاتل ليدافعوا عنه وسارت حرباً وفتنة تسيل فيها الدماء وتطير فيها الرقاب أليس في ذلك فساد عظيم.

الحكمة من التعدد:

شرع الله سبحانه وتعالى التعدد لأسباب كثيرة منها كثرة عدد النساء مقارنةً بالرجال (عدد المواليد الإناث أكثر من عدد المواليد الذكور) وكذلك النساء أطول عمراً من الرجال، كما أن الرجال يشاركون في الحروب ويتعرضون للقتل مما يزيد من أعداد النساء مقارنة بالرجال ويزيد من نسبة العنوسة عند النساء، وهناك أسباب أخرى كأن تكون الزوجة ضعيفة أو مريضة ولا تستطيع أن تلبي احتياجات زوجها فسمح له الشرع بالتعدد حتى لا يطلقها ويتزوج من أخرى وفي هذه الحالة تكون المرأة هي الخاسرة فتخسر الزوج والعائل وقد لا تجد من ينفق عليها أو يعيلها وخاصة بعد وفاة أبويها وانشغال إخوتها كلاً بحياته وأولاده في ظل الظروف المادية الصعبة، وللمطلقات في ذلك تجارب صعبة حيث اضطرت كثير من المطلقات إلى العمل بعد الطلاق من أجل أن تنفق على نفسها، ومن أسباب التعدد أن تكون المرأة عاقراً لا تنجب فلا يكون أمام زوجها إلا اختيارين أما أن يتزوج عليها إن هي وافقت أو يطلقها ويتزوج غيرها من أجل الإنجاب، وفي هذه الحالة ستخسر هي العائل والراعي لها ويصبح حالها أصعب من المطلقة، وكذلك كثرة الحروب والحوادث تركت عدد كبير من الأرامل لا يجدون عائلاً ولا راعياً لهن ولأولادهن فالتعدد سيكون حلاً مناسباً لمثل هذه الحالات، والدليل على ذلك أن بعض العائلات في قرى مصر وخاصة في الدلتا والصعيد تجبر الأخ أن يتزوج أرملة أخيه من أجل رعايتها ورعاية أولاد أخيه بغض النظر عن فارق السن بينهما وعن قبول الأخ لهذا أم رفضه وتكون حجتهم (دي عاداتنا ودي تقاليدنا، لازم نعمل كده عشان نحافظ على عيالنا ونحافظ على لحمنا)، سبحان الله لما جاء التعدد في كتاب الله أنكرتموه وقلتم ظلماً للمرأة ولما جاء في العرف والتقاليد قلتم حفاظاً على الأولاد والأعراض.

الخلاصة:

أولاً: التعدد ليس مشروع قانون أو دستور حتى يُطرح للاستفتاء من أجل الموافقة عليه أو رفضه وإنما هو شرع الله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا}، ولذلك أحذر كثير من الناس الذين يهاجمون التعدد ويطرحونه للاستفتاء في البرامج والمجلات واستطلاعات الرأي أن يقعوا في هذا الذنب {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

ثانياً: يعتقد كثير من الناس وخاصة النساء أن الإسلام شرع التعدد لكي يسمح للرجل بالزواج بأكثر من امرأة، ولكن الحقيقة أن التعدد جاء ليحدد للرجل الحد الأقصى لعدد الزوجات على ذمة الرجل في وقت واحد بعد أن كان الرجل قبل الإسلام يجمع بين عدد كبير من النساء دون حد أقصى ودون حقوق أو واجبات كما ذكرنا في بداية المقال (التعدد في الجاهلية).

ثالثاً: التعدد ليس تكريماً للرجل ولا تفضيلاً له على المرأة، بل أن المستفيد الأكبر من التعدد النساء لأسباب كثيرة، فالبعض ينظر إلى التعدد على أنه إرضاءً لشهوة الرجال، بينما هو في الحقيقة فُرض من أجل أن يعف النساء قبل الرجال، ولنفرض معاً أن امرأةً رفضت أن يتزوج زوجها بأخرى فطلقها وتزوج الأخرى، وأصبحت مطلقة فقد حرمت نفسها من باب العفة بالحلال وفقدت العائل والراعي في نفس الوقت.

رابعاً: الإسلام شرع التعدد لأسباب وحكم يعلمها الله سبحانه وتعالى وترك لنا الاختيار في ذلك كلٌ حسب ظروفه واحتياجاته بدليل قول الله سبحانه وتعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}، كما حذرنا من عقوبة الظلم والتفرقة بين النساء والميل لواحدة على حساب أخرى سواء في الإنفاق أو الرعاية أو الحقوق الشرعية، لأي سبب من الأسباب حتى ولو كان حب زوجة أكثر من أخرى، لأنه سبحانه عليم بذات الصدور {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، والآية الكريمة تحذر من ذلك:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد