هل الفيروسات كائنات حية ؟

أصل كلمة “فبروس” هو اللفظة اللاتينية virulentes، بمعنى “سم”، وهو ما يكفي لجعل فكرة أي تعايش سلمي ودائم معه فكرة غير واردة. والإسمفي حد ذاته دال على النظرة الأولى التي  نظر بها الإنسان الى هذه العوامل المسببة للمرض، وهي نظرة رأت فيه أول ما رأت طبيعة عدوانية وميلا الى إلحاق الضرر. أضف الى ذلك صفتين غير مستحبتين تعدان لصيقتين بالفيروس، هما نقل العدوى والسلوك الطفيلي، اللذان يفسدان عمل الوظائف الحيوية بطريقة خفية تكاد لاترى.

الفيروساة على حقيقتها، كائنات بيولوجية بسيطة كأشد ما تكون البساطة، قياسا الى قدرتها المذهلة على التكيف. والفيروسات رفيق لنا منذ الأزل، لم نفتأ وإياه نتعايش ونلتقي ويعرف أحدنا الأخر … هكذا ابتدأت الحكاية، لكننا لا نحفظ منها في الغالب سوى الصفحات المأساوية، بحيث إن أشهر الفيروسات عند الناس هي القاتلة منها التي تحصد الأرواح حصدا. بيد أن هناك وجها للفيروس بدأ يتضح رويدا رويدا، يحكي لنا جانبا من العلاقة بيننا وبينه أقرب مودة وأمتن وشيجة، فالفيروسات قد اقتحمت موروثنا الجيني منذ زمن، وهي تساهم بجانب وافر في عملية تطور نا.

هل الفيروسات كائنات حية ؟

هذا السؤال الذي كثيرا ما يطرح يحمل في طياته سؤالا اخر أهم وأجدى: ما الحياة؟ ليس هناك من تعريف متفق عليه، رغم أن بعض خصائص الحياة تم تعريفها، مثل التناسل أو التكاثر التناسخي، ووجود برنامج جيني يعمل على استمرار النوع، ودرجة معينة من الاستقلال الكميائي الحيوي.

أما الفيروسات فتتصرف كطفيليات بمطلق العبارة، إذ تحتل الخلايا وتبدأ في التحكم فيها وتستفيد من الأليات الخلوية كي تتكاثر عن سبيل استنساخ نفسها. هكذا يصبح الفيروس الميت خلية كاملة مصابة بالمرض، هي ما يدعوه عالم الأحياء جون ميشيل كلافري، وهو باحث من مرسيليا، “مصنعا فيروسيا”. وبذلك يمكن النظر إلى الفيروسات بصفتها توجد على شكلين، أولهما الشكل الميت، وهو الجزئ الفيروسي خارج الخلية، الذي يتولى عبر الظروف حمل معطياته الجينية، نشر العدوى {حيث ينتقل العامل الحامل للعدوى من خلية الى جارتها، حاملا معه عوامل المرض}، والثاني هو الخلية المصابة الحية، التي تمثل الشكل الحي من الفيروس. بذلك قد يصح القول إن الفيروس يقع في المنطقة الفاصلة بين المادة الحية والمادة الميتة، وإنه يختزن الحياة في حال كمون كما تختزنها البذور، فإذا صح ذلك صح القول أيضاً إن هناك وسائط بين الموت والحياة، وإن هذه الأخيرة عبارة عن طفرة يفضي إليها مسلسل ذو تعقيد حرج يشتغل انطلاقا من مكونات غير حية.

وإذا ما حوالنا إدخال الفيروسات في شجرة الحياة، سيبرز أمامنا السؤال: من سبق الآخر الى الوجود، الفيروسات أم الخلايا؟.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد