معلومات تكشف لأول مرة: كيف استطاعت إسرائيل إخفاء برنامجها لتصنيع أسلحة نووية عن أمريكا والعالم أجمع

لعشرات السنين عرف العالم أن مفاعل ديمونة في صحراء النجف هو مفتاح سلاح دولة إسرائيل النووي، وبالرغم من هذا، لعشرات السنين أيضاً عرف العالم أن إسرائيل كانت تدعي أنه مصنع نسيج! خدعة إسرائيل الكبرى لتصنيع سلاحاً نووياً انطلت على جهاز لمخابرات الأمريكية السي آي إيه في الستينات، الجهاز الذي فشل في قراءة ما بين السطور. (يعتمد هذا المقال والمعلومات المذكوره به على تقارير كشف عنها حديثاً بتاريخ الأربعاء ١٥ أبريل ٢٠١٥، وذلك عبر أرشيف الأمن القومي الأمريكي).

في أواخر الستينات، كان دبلوماسيون أمريكيين يدلون بمعلومات عن قيام إسرائيل ببناء مفاعلاً نووياً في صحراء النجف بمساعدة فرنسية، وأكدت الاستخبارات هذه الآنباء، وبات جلياً أن إسرائيل تحاول إمتلاك سلاحاً نووياً، إلا أن هذا الأمر بعكس ما يعتقد الكثيرين كان ضد مصلحة أمريكا بالشرق الأوسط ونظرت أمريكا وقتها للأمر أنه يهدد التوازن الأستراتيجي للقوى في الشرق الأوسط، ويضع البنزين بجانب النار، وكان كلما يتساءل الدبلوماسيون الأمريكيون عن ديمونة كانوا دائماً ما يلاقوا أجوبة مضللة.

في زيارة لإسرائل حلقت طائرة سفير أمريكا في تل أبيب أوجدن ريد ذات مرة بالصدفة البحتة فوق مفاعل ديمونة، وهنا سأل ريد مساعد وزير الأقتصاد الإسرائيلي آنذاك آدي كوهين عن هذا المبنى، ورد كوهين مرتجلاً أنه مصنع للنسيج، وبالرغم أن هذا لم يكن مخطط له إلا أنها أصبحت القصة الرسمية للإسرائيليين التي وجهوها للعالم حيث يطفو أي سؤال عن ديمونة على السطح.

يعتبر إكتشاف الإدارة الأمريكية متأخراً ٥ سنوات كاملة، فبعد أن قررت إسرائيل مشروعاً قومياً لبناء مفاعل نووي يمكنها من صنع سلاحاً نووياً بخمس سنوات تقريباً علمت أمريكا ما كان يجب أن تعلمه، فيما يعتبر فشلاً تاريخياً لجهاز الاستخبارات الأمريكي، ونجاحاً باهراً لنظيره الإسرائيلي. ويقول بعض المحللون أن لو كانت أمريكا أكتشفت الأمر عام أو عامين مبكراً، لم يكن يتسنى لإسرائيل تملك السلاح النووي وذلك نظراَ للضغط الأمريكي والعالمي عليها لإيقاف المشروع، وربما هذا ما يفسر تعامل الإدارة الأمريكية مع ملف إيران النووي حالياً.

بعد تولي بن جورجيون رئاسة وزراء إسرائيل عام ١٩٥٥ بفترة قصيرة، قرر البدء بمشروع نووي إسرائيلي يهدف لصنع قنبلة نووية، وتولى شيمون بيريز وهو أحد مسؤولي وزارة الدفاع آنذاك هذه المهمة، وهو يعتبر الأب الروحي لهذا المشروع حيث أفنى شيمون بيريز كل جهد في سبيل تحويل صورة خيالية إلى واقع خلال ٣ سنوات، وكانت فلسفة بيريز منذ البداية أن إسرائيل لا تحتاج “لإعادة اختراع العجلة” وهذا يعني أنها لا تحتاج لاختراع القنبلة النووية من الصفر ولكن فقط يتعين عليها استخدام خبرات أجنبية، وبحلول عام ١٩٥٨ كان بيريز قد قرر أن فرنسا ستكون هي العنصر الأجنبي الرئيسي الداعم للمشروع النووي الإسرائيلي، بينما توفر النرويج المياة الثقيلة، وتوفر الولايات المتحدة المياه الخفيفة في مشروع عرف وقتها بـ “ذرات السلام” حيث دعمت الولايات المتحدة مفاعل آخر غير مفاعل ديمونة بالمياه الخفيفة ظناً منها أنه سيستخدم لأغراض سلمية، غير مدركة أن إسرائيل تتخذ هذا المفاعل الآخر كخدعة وتستخدم المياه الخفيفه والتقنيات الأمريكية في تطوير سلاحها النووي في ديمونة.

الآن أصبح ديمونة سر إسرائيل الأكبر والخطير والذي تخفيه عن العالم وأمريكا، بل لم يعد سرها وحدها، الآن أصبح سرها وسر فرنسا والنرويج. ولمعلومات قد نجدها نحن العرب مفاجئة، فإن واشنطن كانت تمثل الخطر الأكبر على ديمونة، وكانت إسرائيل تحاول إخفاء هذا السر تحديداً عن الولايات المتحدة دون أي دولة أخرى، وكانت الولايات المتحدة قد اتخذا اجراءات بعد تفجير قنبلة هيروشيما وناجازاكي للحيلولة دون انتشار السلاح النووي، وفي ١٩٥٧ ساهمت الولايات المتحدة في إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكان محتماً أنه في حال إكتشاف مفاعل ديمونه لكانت أمريكا قد ضغطت على إسرائيل وفرنسا لإنهاء المشروع أو على الأقل إخضاعه للرقابة الدولية.

الاستخبارات الأمريكية في الواقع لم تكن غائبة تماماً، فقد وصل لعلمها استيراد إسرائيل المياه الثقيلة من النرويج ومع توافر معلومات عن بناء إسرائيل لمفاعل نووي، فإن الشكوك قد اثيرت إلا انه حتى الآن مسار التحقيقات في هذا الأمر يعد غامضاً، حيث أثار عدد من المسؤولين الأمريكيين الشكوك حول نوايا إسرائيل.

اكتشاف أمريكا للخدعة!

في عام ١٩٦٠ أبلغ أحد العاملين الأمريكيين على مشروع إسرائيل “السلمي” (المفاعل الآخر غير ديمونة)، عن توافر معلومات لديه عن بناء إسرائيل بمساعدة فرنسا مفاعل آخر في بئر سبع بقوة ٦٠ ميجا وات، كان مصدره مدير أحد شركات النفط الإسرائيلية الذي أخبره عن قوة هذا المفاعل الجديد، وهذا يعني أن إسرائيل كانت قد بدأت بالفعل في بناء مفاعل نووي بدون علم أمريكا منذ سنتين على الأقل.

وفي أكتوبر ١٩٦٠ اصدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية طلباً لسفارة الولايات المتحدة في تل أبيب وباريس لطلب جمع معلومات عن هذا الأمر، إلا أن الطلب وضع تحت بند جمع معلومات روتينية بدلاً من وضحه كطلب عاجل مثلاً.

كان ديمونة هو نسخه من المفاعل الفرنسي ماركويل، والذي كان يستخدم في برنامج فرنسا العسكري، واتفقت فرنسا وإسرائيل على قيام فرنسا بتزويد المفاعل بالمواد الخام على أن تحصل على البلوتونيوم الناتج ولا تقوم إسرائيل بالإفصاح عن أي معلومات للعامة بدون إذن فرنسا، بعد توافر هذه الآنباء وأنباء عن إمكانية تصنيع إسرائيل لقنبلة نووية بحلول عام ١٩٦٢، عقد ايزنهاور اجتماعاص في ديسمبر ١٩٦٠ استنتج فيه أغلب مستشاريه أن إسرائيل تصنع السلاح النووي حالياً إلا أن إيزنهاور قرر اختيار الحل الدبلوماسي لحل هذه المشكله، والتي قد تقلب موازين القوى في الشرق الأوسط وتضر بمصالح الولايات المتحدة مع العرب.

كانت إدارة أيزنهاور آنذاك يتبقى لها شهر واحد في إدارة البلاد، وكان الدبلوماسيون الأمريكيون حين يتحدثون لنظرائهم الإسرائيليين يتحرون عدم الإفصاح عن شكوكهم أو قلقهم حول ديمونة، وذلك لمحاولة توفير فرص أفضل لمفتشين وكالة الطاقة الذرية في الدخول لديمونة ووضع القيود العالمية وفقاً لهذه الوكالة.

في ٢٢ ديسمبر ١٩٦٠ قام بن جوريون بالإعلان في الكنيسيت الإسرائيلي أن مفاعل ديمونة تم إنشاؤه لأعراض سلمية، وعند التقائه بالسفير الأمريكي قال بن جوريون متعجباً “لماذا يهتم كل شخص في أمريكا بما يقوله أي شخص؟” موضحاً أن إسرائيل بحاجة شديدة للطاقة الكهربائية، وأن هذا المفاعل سيوفر لها هذه الطاقة، وذلك بالرغم من أن السفير هذا كان قد سأل بن جوريون نفسه عن هل سينتج هذا المفاعل طاقة، وكان إجابته نافيه وادعى انه للطاقة والبحث فقط!

آدي كوهين مساعد وزير الأقتصاد الذي كان يدعي منذ ٣ شهور أن ديمونة مصنع نسيج، بات الآن يصرح لمسؤولين أمريكيين أن ديمونة في عاجلاً أم آجلاً سينتج سلاحاً نووياً ليكون رادعاً ضد أي اعتداء عربي عليها، وأن إسرائيل أساءت التصرف مؤخراً بهذا الشأن.

بات الآن الأمر جلياً لأمريكا محاولات إخفاء بن جوريون والتهرب من الأسئلة مع صراحه واضحه من مساعد وزير الاقتصاد، الأمر الذي دفع السفير الأمريكي لسؤال بن جوريون مرة أخرى حول ديمونةو وكان الرد مرة أخرى أن إسرائيل ليس لديها نوايا لتصنيع أسلحة ولا تسمح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية بالتواجد على أراضيها للتفتيش، خاصة إذا كان فيهم روس، حتى تطبيق ذلك على كل مفاعلات العالم، بينما تسمح لزياراة ودية من طرف جهات أمريكية.

في ١٩٦١ بعد تولي كندي الرئاسة في أمريكا تم فتح تحقيق واسع النطاق حول مفاعل ديمونة وكيف فشلت أمريكا في معرفة أنه مفاعل نووي لأغراض عسكرية، وتأخرت في جمع المعلومات عنه.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد