الجراد الصحراوي يهدد شمال أفريقيا: “الفاو” تحذر من تفشٍ واسع وتدعو لتكثيف المكافحة لحماية الأمن الغذائي
أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تحذيرات متجددة ومفصلة بشأن استمرار تفشي حشرات الجراد الصحراوي في مناطق واسعة من شمال غرب أفريقيا، مؤكدةً على ضرورة رفع درجة التأهب وتكثيف عمليات المسح والمكافحة الاستباقية من قبل الدول المعنية لمنع تفاقم الوضع وتحوله إلى وباء واسع النطاق، خاصة مع بدء موسم التكاثر الربيعي الذي يوفر ظروفًا مثالية لتزايد أعداد هذه الآفة الخطيرة. وأشارت أحدث نشرات مركز مراقبة الجراد الصحراوي التابع للمنظمة (DLIS – Locust Watch)، الصادرة في أواخر شهر أبريل وتغطي الوضع الميداني حتى مطلع مايو 2025، إلى أن التفشي الذي بدأ في الانتشار شمالًا من منطقة الساحل الأفريقي خلال شهري فبراير ومارس، لا يزال نشطًا ومقلقًا في عدة دول، أبرزها الجزائر وتونس وليبيا والمغرب، مع وجود بؤر إصابة متفاوتة الخطورة.

رصدت فرق المسح والمكافحة التابعة لمنظمة الفاو وللسلطات الوطنية المختصة في هذه الدول وجودًا مكثفًا للجراد يشمل مختلف مراحل دورة حياته. تم الإبلاغ عن وجود مجموعات من الجراد البالغ في طور التزاوج ووضع البيض، وأسراب صغيرة بدأت تتشكل في بعض المناطق، بالإضافة إلى عمليات فقس واسعة للبيض نتج عنها ظهور مجموعات من الحوريات حديثة الفقس (الجيل الأول)، وتجمعات كثيفة من الحوريات الأكبر سنًا المعروفة باسم “الأشرطة” (bands) في العديد من المواقع، خاصة في المناطق التي شهدت هطول أمطار جيدة مؤخرًا. وتعتبر هذه المرحلة الحالية حرجة للغاية، حيث يتوقع الخبراء أن تؤدي الظروف المناخية المواتية، خاصة استمرار الرطوبة في التربة وتوفر الغطاء النباتي الأخضر الناتج عن الأمطار الجيدة وغير الموسمية التي شهدتها مناطق في الصحراء الكبرى منذ شهر فبراير، إلى تسريع وتيرة التكاثر الربيعي النشط خلال شهري مايو ويونيو.
هذا التكاثر المكثف قد ينتج عنه تشكل جيل جديد من مجموعات الجراد البالغ وتكوين أسراب أكبر حجمًا وأكثر قدرة على الحركة لمسافات طويلة. وتكمن الخطورة الأكبر في أن هذه الأسراب الجديدة، بمجرد اكتمال نموها، قد تهاجر جنوبًا باتجاه منطقة الساحل الأفريقي (موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد، السودان) مع بداية موسم الأمطار الصيفي هناك في يونيو أو يوليو، مهددةً المحاصيل الزراعية والمراعي، وبالتالي الأمن الغذائي وسبل عيش الملايين في مناطق أوسع وأكثر هشاشة. وتصف الفاو الجراد الصحراوي بأنه من أخطر الآفات الزراعية المهاجرة في العالم، حيث يمكن لسرب واحد متوسط الحجم (يغطي كيلومترًا مربعًا واحدًا ويضم حوالي 40 مليون جرادة) أن يلتهم في يوم واحد كمية من النباتات تعادل الغذاء الكافي لـ 35 ألف شخص.
تُظهر بيانات الرصد والمتابعة التي جمعتها الفاو أن الوضع يتطلب يقظة خاصة وتدخلًا فعالًا في عدة دول بشمال أفريقيا. ففي الجزائر، التي تواجه الجبهة الأكبر من التفشي حاليًا، تم رصد نشاط للجراد يشمل جميع المراحل (فقس، حوريات بأعمار مختلفة، جراد بالغ متفرق ومتجمع، عمليات تزاوج ووضع بيض، وتكون أشرطة) في مواقع متعددة جنوب ووسط وشرق وشمال شرق البلاد.
وقد كثفت السلطات الجزائرية عمليات المكافحة، حيث تمت معالجة مساحة كبيرة تقدر بـ 13,915 هكتارًا خلال شهر أبريل وحده باستخدام المبيدات المناسبة. وفي ليبيا المجاورة، تم رصد مجموعات من الجراد البالغ وهي تضع البيض، بالإضافة إلى مجموعات من الحوريات وأشرطة في مناطق الشمال الغربي (الجبل الغربي وسهل الجفارة) والجنوب الغربي (فزان) والوسط. وتمت معالجة 342 هكتارًا في أبريل، لكن اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي في ليبيا دقت ناقوس الخطر مؤخرًا، محذرة من أن الجراد على مشارف التحول إلى أسراب كبيرة، وأن الوضع الميداني يمثل “تهديدًا حقيقيًا” يتطلب تدخلًا عاجلًا وتوفير الإمكانيات اللازمة لفرق المكافحة، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.
أما في المغرب، فقد تركز نشاط الجراد (البالغ، وضع البيض، الفقس، مجموعات الحوريات) بشكل رئيسي على طول وادي درعة في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد، وقد تمت معالجة 1,071 هكتارًا خلال شهر أبريل، مع دعوات لرفع درجة التأهب والاستعداد في البلاد لمواجهة أي تطورات محتملة. وفي تونس، تم رصد مجموعات من الجراد البالغ تضع البيض، وعمليات فقس، ومجموعات من الحوريات، خاصة في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود مع ليبيا والجزائر. وتجري عمليات المكافحة حاليًا للحد من انتشار الآفة. وكانت تونس قد بدأت عمليات المكافحة في منطقة الذهيبة بولاية تطاوين في مارس الماضي بعد رصد دخول أسراب صغيرة من ليبيا. كما تم رصد وجود محدود للجراد في شمال تشاد وشمال النيجر، وعلى طول وادي النيل في مصر والسودان، وفي بعض المناطق الداخلية في السعودية، مما يشير إلى اتساع نطاق التهديد المحتمل.