زيدان ينتصر ضد سيتيين في أول حرب بينمها، كيف فعلها ؟!

في الكلاسيكو لم يكن الأمر بعيدًا عن “الكلاسيكية”، كانت سهرة مغايرة، تكتيكات مغايرة، أفكار جديدة وأساليب غير تقليدية. كان البلاوجرانا ​​بلا أسنان حادة أمام كورتوا، ولا حتى ليونيل الذي يُعتمد عليه كان بعيداً عنهم.
كانت 2-0 أمام البلانكوس، ويمكن أن يكون أكثر من ذلك. نعم، كان لدى الزوار فرص أيضًا، لكنهم كانوا يتنقلون بسرعة، كما ألمح جيرارد بيكيه بعد المباراة.

إذا لم يستطع سيتيين فرض الكثير من أفكاره، قام بالمطلوب منه، أدى بالشكل المطلوب منه في الحرب الأولى له مع البرسا ضد ريال زيدان.

لنبدأ بالتفاصيل مباشرة دون مزايدات، هنا نستعرض أبرز الحالات والأفكار التي فرضها كلا المدربين،،

في الحالة الدفاعية عند الريال فقد فرض زيدان الخط الدفاع المتقدم ضد ثنائي هجوم البرسا (pic 1). ومن المعروف عن زيدان أنه لا يُقدم خط دفاعه أبداً إلا في إستثناءات. حسناً لم هذا الاستثناء ضد البرسا ! بسبب :
1) جريزمان سريع مقارنة بالثنائي راموس وفاران. لذا فإن الثنائيات معه سيفوز بها، إلاّ إذا منعت تقدمه من البداية، وبالتأكيد لن تقوم بضربه لتعطيله. لكن افرض عليه مصيدة التسلل من الخط العالي والثلث الثاني لدفاعك. بالتالي لن يتحرك بسهولة بين قلبي الدفاع.
2) راموس غالباً يترك مكانه ويتقدم مع أحد المهاجمين وبالأخص ميسي الذي كان في ناحيته، بالتالي يتبقى في الخلف ثلاثي أو ثنائي من فاران وكارفا ومارسيلو. وهو ما يسهل عليهم القيام بالـ high line لقلة عددهم وسرعة ترابطهم على نفس الخط الأفقي.

ذلك ساعد الريال من تخفيف الدفعة الهجومية التي يقوم بها جرزيمان أو فيدال أو دي يونج عندما يتحركا بسرعة من الخلف للأمام والتي يستعملوها أحياناً عندما تتوفر لهم مساحات أو عندما يهاجموا دفاع متأخر التمركز. وفي نفس الوقت اكتسب ميزة أخرى وهي الضغط المتقدم من الدفاع على حامل الكرة، فعندما يتحرك ميسي بين الخطوط يكون معه راموس أو كاسيميرو بالتالي سيكون من الصعب تخطيهما والتمرير بسهولة ولعب الكرة المعتادة منه فكان يلجأ إلى التمرير الخلفي أو الأففي ناحية الأطراف لفتح الملعب.

لازلنا في إستراتيجية الدفاع، وكما نعلم أن الضغط هو المدافع الأول للفريق، فإن الضغط الذي مارسه لاعبو الريال حيث لم يعتمد زيدان على شكل واحد من الضغط، لكنه خلط بين الضغط العالي والمتوسط لكن بطريقة أفضل جمعت بين الإثنين، حيث في الحالات التي تكون الكرة بحوذة تير شتيجن لا يتم الضغط عليه بلاعب صريح، لكن يتم مراقبة باقي اللاعبين والمدافعين حتى لا تتم خسارة لاعب من الريال مقابل تحرر لاعب للبرسا ويتم ضرب خط الضغط بسهولة. ونعود إلى مقولة أريجو ساكي عندما قال :”امتلاك دفاع حي وفعال يعني أنك انت من تتسيّد المباراة حتى وإن كان الخصم يمتلك الكرة، الضغط الخانق سلاح إضافي ولكن يتطلب فريق منظم وطاقة معتبرة قوية “، لعل ذلك توضيح للضغط الذي قدمه زيدان على دفاع البرسا.

رغم إحتواء تشكيلة البلاوجرانا على ثلاثة من أفضل لاعبي الريجيستا في العالم بوسكيتس، دي يونج وآرثر إلا أن الضغط كان يعيق حركتهم بالكرة. غالباً كان يلجأ أحد ثلاثي الوسط في 4-3-1-2 للبرسا للعودة من الوسط إلى الثلث الدفاعي لإستقبال الكرة من شتيجن ومحاولة توزيعها للأطراف للخروج بالكرة تحت ضغط الريال(pic 2).

يقول ماركو جيامباولو : “عندما ال تكون الكرة بحوزتنا، يجب أن يبقى بصرك باتجاه ثم التوجيه، الكرة أولا، ومن ثم أي التمركز ما بين الكرة والخصم، ثم الزميل، يجب إبقاء مسافة مناسبة دائماً “. استعنت بتلك المقولة لأنني وجدت تطبيقاً عملياً منها على أرض الملعب، وأخص بالذكر الداهية بنزيما وتحركاته بدون الكرة، حيث أنه عندما يعود جميع الأفراد إلى النصف الدفاعي للفريق، فإن مهمة البنزو هي الضغط على قلبي دفاع البرسا أو على الأقل الضغط أسفل الكرة بمعاونة فالفيردي وفينيسيوس (pic 3). فعندما يقترب أحد لاعبي الريال من حامل الكرة يضع في ذهنه مسار إنتقال الكرة قبل تمريرها ومن ثم يراقب مستقبل الكرة أو يقطعها بسرعة قبل الوصول له. وقربهم من بعضهم البعض ساعدهم على تبادل الكرات بسرعة وبالتالي يتم التحول السريع على أكمل وجه.

عندما يصل البرسا للثلث الهجومي لهم تبدأ وظيفة فيدال الرسمية بدون الكرة، حيث يتمركز مع أحد قلبي الدفاع دائماً، ثم يقوم بسحبه إما للأمام ثم يتحرك ميسي خلفه أو تثبيت قلب الدفاع ثم يتحرك ميسي بأريحية امام خط الدفاع ليمرر أو يسدد. حدث ذلك في اللقاء حيث انحرف غريزمان وفيدال مركزيا لاحتلال centrebacks حتى يتم السماح لميسي للسقوط في العمق. لذلك كان برشلونة في كثير من الأحيان يلعب بخط وسط diamond ويكون ميسي هو رأس الماس. هي طريقة معتادة من البرسا خاصة في الفترة الأخيرة بعد غياب سواريز. فكان من السهل قراءة تلك الفكرة من زيدان، مما جعله يعطي تعليمات لفالفيردي بمجاورة كاسيميرو في العمق لتغطية منطقة صناعة اللعب ومنع أي تقدم منها. وعندما يتحول فالفيردي لأقصى الجهة اليمنى يسقط كروس بجوار كاسي ليقوم بالتغطية أيضاً.

في العملية الهجومية للريال اعتمد بالطبع على جهة فينيسيوس لسرعته في التحول بالإضافة لقدرته على السيطرة على الكرة أثناء الجري بها، لكن الغريب في الأمر أن سيميدو لم يخسر أو مواجهة ثنائية فينيسيوس وكسب كل الإلتحامات وذلك بسبب القوة البدنية لكلا اللاعبين. لكن بالرغم من ذلك فعندما كان يتحرك فينيسيوس على الخط كان يراعي الإبتعاد عن سيميدو بصورة كبيرة، حتى يصل لمنطقة الجزاء ومن ثم يقرر إما عمل key pass أو المراوغة أو الرجوع لمارسيلو حتى يتفادى الصراعات الثنائية التي يخسرها بسرعة. لكن عندما تتواجد الكرة مع مارسيلو على الجناح الأيسر فتلقائياً يتحرك فيني إلى منطقة الجزاء كمهاجم ثاني بجوار بنزيما، وأيضاً يضم فالفيردي من الجهة اليمنى لإنتظار الكرة العرضية من مارسيلو.

يأتي الآن دور مبدأ البنزيما العرضي، مما لا شك فيه أن تعريض الملعب ضرورة لفتح الثغرات وتفكيك خطوط الخصم أفقيا هو معلوم فإن ملئ المساحات على طول الملعب أمر مستحيل، في حين أن ذلك ممكن بل ضروري على عرض الملعب، ليس فقط لمحاولة التوغل عبر الأطراف والبحث عن الـ 1 ضد 1، ولكن تعريض وتوسيع رقعة الملعب يساعد في الاختراق عبر العمق كذلك، فنجد أن العمق والأطراف ليسا بمعزل عن بعضهما البعض، فيقوم كريم بسحب الخصم لطرف الملعب وفتح الملعب مما يؤدي إلى نشوء مساحات بعمق الملعب يستغلها إيسكو، والعكس صحيح فالعمق أيضاً عندما يتحرك فيه بنزيما عمودياً للأمام والخلف يساعد للتوغل عبر طرفي الملعب، ونجح في ذلك عدة مرات سواء على اليمين عندما يتمركز فالفيردي كجناح خط وسط، أو على اليسار عندما يتحرك فينيسيوس بسرعته.

‘‘كل المدربين يتحدثون عن الحركة، عن الجري الكثير، فأقول لا تجري كثيراً فكرة القدم تُلعب بالعقل، يجب أن تكون في المكان المناسب في اللحظة المناسبة، لا سابقاً ولا متأخراً.’’ يوهان كرويف. ويذكرنا ميشيل براينينكس أن ” قدرة العقل وإمكانياته لها تأثير هائل، حيث أن الحركة واتخاذ القرارات بسرعة لن تتم إلا عبر العمليات الحدسية للعقل’’ وهذا ما يحدث مع توني كروس، فاللاعب يتمتع بحسن الرؤية وعمل field scanning بطريقة دقيقة وبسرعة، وكما رأينا في هدف فينيسيوس حيث قام بالإشارة للمساحة الخالية، هو لاحظها قبل الجميع حتى قبل لاعبو البرسا، وعندما أشار جاء كارفاخال من الوسط وتحرك في تلك المساحة ليستقبل الكرة، لكنه توقف وتراجع عندما وجد بيكيه سبقه للتغطية. بنزيما له دور كبير أيضاً في الهدف حيث أنا قام بتثبيت سيميدو معه لمراقبته ومنعه من التقدم مع فينيسيوس. كذلك فينيسيوس لو كان عنده الحس المركزي للمساحة التي يتواجد بها، لتحرك فيها من البداية دون أن يشير كروس. لكنه قلة خبرته هي من جعلت كروس يُذَكره بالتحرك في المساحة الخالية. بالإضافة إلى وضعية جسد برايثويت السيئة للتغطية ضد تحرك فينيسيوس العمود.

كرة القدم لعبة حركية في المقام الأول وبدونها لا يستطيع الفريق زعزعة استقرار الخصم وفتح المساحات، إن تمييز المساحات أولاً ومن ثم والوصول لها في الوقت المناسب. ثانياً الـ(زمان/مكان) عامالن أساسيان لا ينفصلان في تحديد جودة الحركة، الحركة ليست من أجل الحركة فقط بل معرفة أين ومتى والبحث عن النوعية قبل الكمية فالجري وحده لا يجدي. عند تطبيق ذلك على المباراة نجد أن كاسيميرو، كروس، فالفيردي، إيسكو وبنزيما هم من قاموا بتلك المهام. فهم تحركوا في مساحات كثيرة في الملعب، في كل مكان وكل zone تجد مثلث متكون منهم، ليسهلوا التدرج بالكرة والبناء، وكذلك اختراق جميع خطوط البرسا وصولاً لمرمى شتيجن.

زيدان نال نتاج عمله وجهد لاعبيه، كذلك سيتيين طبق أفكار لكن لم تجدي نفعاً معه. وفي النهاية كلاهما قدم لنا مباراة ممتعة ومثيرة لم نعتد على هذا الشكل في الكلاسيكو من فترة طويلة. في انتظار ما ستسفر عنه المباريات القادمة للفريقين في اللاليجا..


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد