مَن هم الصابئة الذين ذكرهم القرآن؟

تعد الصابئة أحد أقدم الديانات التوحيدية في العالم، ويؤمن معتنقي هذه الديانة أن دينهم هو أول الأديان التي تواجدت على ظهر الأرض. حيث تعود في الأصل إلى آدم. وقد ذكر القرآن هذه الديانة في محكم آياته. لكن لم يُفصّل عنها الكثير. فما هي هذه الديانة الغامضة؟ ولماذا ذكرها الله في قرآنه الكريم؟

الصابئة

مَن هم الصابئون

يعني مصطلح الصابئة في لسان العرب أتباع دين النبي نوح. ومعنى صبأ في اللغة العربية يُشير إلى الخروج من دين والدخول في دين أخر.

أما صبأ في اللغة المندائية فتعني الغطس في الماء أو التعميد. ويعد التعميد أحد الشعائر الرئيسية في دين الصابئة.

يؤمن معتنقي ديانة الصابئة بالإله الواحد. ويؤمنون كذلك ببعض أنبياء الله الذين أرسلهم لهداية البشر، لكن ليس جميعهم فهم يعتقدون بآدم وأبناءه وإدريس ونوح، ويعد يحيي بن زكريا أخر أنبيائهم.

تاريخ الصابئة

الصابئة

كانت بداية الصابئة في العراق منذ قديم الزمان. وهي أمة عريقة كانت موجودة قبل اليهود والمسيحيين وكانوا من أنواع مختلفة: الصابئة الموحدين والصابئة المشركين.

كانت مملكتهم في حاران قبل زمن المسيح. كتبوا الكتب وكانت لديهم المعرفة. وكان هناك كثير منهم في بغداد. واتخذوا اللغة الآرامية لغة رسمية لهم، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى عدة بلاد أخرى كالأردن وفلسطين وإيران، وقد استوطنوا في النهاية على ضفاف نهر الأردن.

يعتبرهم الإسلام أهل كتاب على الرغم من كثرة الأساطير التي دارت حول أتباع هذه الديانة كقول البعض عنهم أنهم يعبدون الكواكب والنجوم، وأنهم يزهقون أرواح مَن يحتضر منهم، أما الغموض الذي دار حولهم كان بسبب اعتيادهم العيش تحت الاضطهاد لقرون طويلة، ذلك الاضطهاد الذي كان يمارس من قبل السلطات الحاكمة في البلاد التي عاشوا فيها، وقد انتهجوا طريق الصبر على الابتلاء مما جعلهم مازالوا محافظين على هذه الديانة العريقة.

الصابئة والإسلام

الصابئة والإسلام

ذكر القرآن الصابئة في مواضع ثلاثة وهي

” إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون” البقرة 62

” إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد” الحج 17

” إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الأخر وعمل  صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” المائدة 69

هذا ما ذكره القرآن بشأن هؤلاء. ومع ذلك فلقد تناول هذه الديانة العديد من علماء المسلمين قديماً. فقد قال ابن القيم رحمه الله:

” اختلف الناس فيهم اختلافاً شديداً، وكان الأئمة متشككين فيهم لعدم علمهم بمعتقداتهم ودينهم “.

قال الشافعي رحمه الله: هم من النصارى. فإن كانوا يشبهون النصارى في الأمور الأساسية، ولكنهم يختلفون عنهم في بعض الأمور الصغيرة، فالجزية تؤخذ عنهم. أما إذا اختلفوا عنهم في أصول الدين فلا يقبل دينهم بأخذ الجزية منهم.

وأما أقوال السلف فيهم، فقد روى سفيان عن ليث أن مجاهد قال: هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم. وفي تفسير شيبان عن قتادة قال: الصابئة قوم يعبدون الملائكة.

قال ابن القيم: والصابئة أمة كبيرة في وسطها مبارك وهالك. هم من الأمم التي انقسمت إلى مؤمنين وكفار، فإن الأمم قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم كانت على نوعين، أمم كافرة هلك كل أهلها ومن بينهم عباد الأوثان والمجوس. وأمم مباركة وهم اليهود والنصارى والصابئة.

لا شيء يقال عن دينهم، ربما لأن العرب في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) كانوا يعرفونهم كجماعة دينية. وهذا يمكن استنتاجه من حقيقة أن معاصري النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذين سألوه عن كل شيء تقريبًا في القرآن، صمتوا عن الصابئة.

عقيدة الصابئة

عقيدة الصابئة

تعد ديانة الصابئة من الديانات التوحيدية. فأتباع هذه الديانة يؤمنون بالإله الواحد. كما أن لديهم العديد من الأركان التي تقوم عليها ديانتهم كالصلاة والزكاة والصيام هذا بالإضافة إلى التعميد كما ذكرنا مسبقاً.

وبما أن التعميد من الأركان الأساسية لديانتهم نجد أنهم دائماً ما  يسكنون بجانب الأنهار الجارية. ويحظى الماء بقدسية كبيرة في الشعائر الخاصة بهم.

وتدعو هذه الديانة كباقي الديانات الأخرى إلى التحلي بمكارم الأخلاق، والابتعاد عن  المحرمات، وتشتمل أنواع المحرمات لديها الخمر والزنا والسرقة وخيانة الأمانة وشهادة الزور.

لم يرفضوا الأنبياء، ولم يعتبروا اتباعهم واجباً. ومن وجهة نظرهم أن من اتبع الأنبياء مبارك ومخلص، ومن سار على طريق الأنبياء بحكم عقله فهو مبارك ومخلص، حتى لو لم يتبع الأنبياء في شروط معينة.

دعوة الأنبياء صحيحة ولكن لم يكن هناك طريق محدد للخلاص. كانوا يعتقدون أن الكون له خالق، وهو حكيم ولا يشبه أحد، ولكن الكثير منهم، أو معظمهم، قالوا: لا نستطع الوصول إليه دون وسطاء، لذلك علينا الاقتراب منه من خلال وساطة الروحيين القديسين.

طقوس الصابئة

كتب الصابئة

 

 

تمتلك الصابئة العديد من الطقوس التي كانوا ومازالوا يمارسونها حتى اليوم. ورغم قلة أعدادهم في الوقت الحاضر إلا أنهم في الماضي كانوا يملكون معبداً أسموه ” المندي” وفي هذا المعبد كانوا يمارسون كل طقوسهم.

يمتلك الصابئون كتاب يسمى ” الكنز العظيم” هذا الكتاب به ما اطلقوا عليه صحف الأنبياء الأولين. وهذا هو الكتاب الذي أُنزل على آدم ثم أورثه لأبنائه من بعده وصولاً إلى نوح ويحيي في النهاية.

ومن أهم الشعائر كذلك الصلاة. لكن اتجاه الصلاة لديهم ناحية القطب الشمالي حيث يعتقد المؤمنون بهذه الديانة أن عالم الأنوار في هذا المكان الذي يحمل قدسية كبيرة.

آراء مختلفة

يضع العديد من العلماء الصابئة بين أهل الكتاب، بينما لم يقبل بعض العلماء هذا التصنيف لاعتقادهم أن مصطلح أهل الكتاب استخدم خصيصًا لليهود والمسيحيين.

يخبرنا علماء المسلمين الأوائل أن الصابئة كانوا جماعة دينية عاشت في جنوب بلاد ما بين النهرين. وتُشير جميع الأدلة إلى فكرة أن صابئة القرآن كانوا مندائيين في جنوب العراق. ويعيشون في هذه المنطقة منذ القرن الثاني من العصر المسيحي.

في العصر العباسي، ظهرت التكهنات بأن الصابئة اتبعوا عبادة كوكب بلاد ما بين النهرين القديمة. ومنذ هذه الفترة، لاحظ معظم العلماء ارتباطاً خاصاً بين مصطلح “الصابئة” ووثني حران.

ولذلك فإن السمات المميزة للحرانيين، مثل الشرك وعبادة النجوم والأوثان، تُنسب إلى الصابئة أيضاً. لكن هذا يتعارض مع آراء العلماء الأوائل، لأنهم لم يذكروا الشرك أو عبادة الأوثان أثناء وصف الصابئة.

اتبع الصابئون سياسة السرية والعزلة عن بقية المجتمع. لقد منعهم دينهم من إفشاء معتقداتهم السرية وطرق عبادتهم لغير المؤمنين. حيث أن إفشاء أسرار الدين للغريب يعتبر خطيئة. وهذا ما أدى إلى ذلك الغموض الذي حام حولهم.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد