كيف نفرق بين الذات الحقيقية والذات الخيالية ج 1

الشقاء كله في نسيانه “لا إله إلا هو” والسعادة كلها في ذكره جلا في علاه، وليس يعنى بالذكر هنا أن يذكره اللسان مع غفلة القلب وهيمانه في أودية الدنيا، وإنما أصل الذكر أن لا يغفل عنه القلب “لا إله إلا هو” وليس معنى ألا يغفل عنه ان يشقشق لسان القلب بإسمه عز وجل أو بأسمائه، وإنما ألا يغفل عن مراقبته “لا إله إلا هو” وعن ملاحظة جلاله وعظمته وحضوره، يقول عز وجل: “فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين” أين المهرب منه “لا إله إلا هو” وإلى أين، بمن نلوذ بمن نستعين وأين نختبئ، لا مخبأ ولا ملاذ ولا معين إلا هو لا إله إلا هو.

ولا تكونوا كالذي نسى الله فأنساهم أنفسهم، لكن الذين ينسونه تبارك وتعالى حاضرون جداً في ذواتهم، مهتمون إلى الغاية بملذاتهم بمصالحهم بمنافعهم وبما يأكلون وما يشربون وما يسكنون وما يحرزون، وما يتخولون من صنوف الحيثيات والنعم والمراتب والمكتسبات، وهذا. وَهْمٌ، وفي حقيقتهم تائهون في وادي المراد لأنهم لم يعينوا المراد كما ينبغي أن يعين، لذلك هم تائهون، ضائعون، متشضون، مهما بدا لكم أنهم راسخون عندهم السلطان والقوة والأموال والشهوات.

قبل أيام أيها الإخوة، جرت محاورة بيني وبين أحد اخواني في لله من الذين يعيشون في إحدى البلدان، يقول لي : يا أخي ما رأيك في هذه العبارة للفيلسوف الروسي الوجودي
” نيكولا برداييف” هذا الفيلسوف يكتب عباره في إحدى مؤلفاته يقول : ” هذا الواقع الذي نعيش، يتنكر جداً للأبد والخالد” ولذلك المئساة الكبرى في هذا العصر أن يدرك الإنسان انه أوشك على تحقيق ذاته، وهذه أكبر مئساة،
وهكذا جرت المحاورة بيني وبين صديقي وكان من رأي أن الفيلسوف يرمي إلى معنى عميق وصحيح تماما وبعيد الغور، لكنه منقوص، والسؤال كيف يمكن أن تبرز أو تمثال على المئساة حين تشرف على تحديد ذاتك، طبعا سنوضح هذا،
كلنا يجرب هذا، جربه ويجربه وحدثتكم عنه في غير مرة
ما سر ذالكم الإحباط، الشعور بالخواء الممزوج بالحزن والتيه والضياع بعد أن ننجز ما كان مبعث فرحتنا، مبعث طاقة العمل فينا، مبعث التأميل فينا، بعد ان نعود من رحلة مثلا
وخططنا لها طويلا نحن والعائلة رحلة جميلة ومكلفه ذهبنا فيها إلى اقاصي المعمورة، رأينا عجائب لله، عجائب المقدور في هذا الخلق، ومن ثم عدنا ادراجنا، وليلة ان انعود في أول ليلة نقضيها في منازلنا بعد هذه الرحلة الرائعة، نشعر بهذه المشاعر الذي رمى إليها هذا الفيلسوف، ولا يمكن أن تقول انا عدت بفرحة غامرة ضلت تلازمني، وإنما تعود مباشرة تنهشك مشاعر حزن ومئساة تستبد بك، تسطو عليك مباشرة، ومن ثم تفكر قليلا، ثم تمضي لحالك وبهذا تكون قد فوت فرصة نادرة جداً لتفهم سروجودك وتلتقي بذاتك التي ربما لم تلتقها الى الآن مرة، لقد فوتها ايضا من جديد.

المفكر د. / عدنان إبراهيم. حفظه الله

طرح إستثنائي لقضية الإنسان الجوهرية مع د. المفكر عدنان إبراهيم سنكمل بقية هذا الطرح في مقالات أخرى بإذن لله.
أكرم القرشي


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد