اجتهاد علماء الإسلام في تحديد الإفساد الأول والثاني لبني إسرائيل من سورة الإسراء

من نعم الله تعالى علينا نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وعلى الرغم من ذلك يعجز البشر عن إدراك كامل معانيه، ولكننا اليوم أمام آيات تبدو قدرية، تحمل حكم وقضاء إلهي نافذ، وتربط العصر القديم بالحديث، وتثبت الإعجاز القرآني إذ نرى الآيات في الأحداث السياسية المعاصرة، ألا وهي الآيات من 4-8 سورة الإسراء.

الإفساد الأول والثاني لبني إسرائيل

نبوءة قرآنية بإفساد اليهود 

تتحدث الآيات القرانية في سورة الإسراء، عن قدر مكتوب لإفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين، “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين”، وبعض العلماء قالوا أن المقصود بالكتاب “التوراة” والبعض الآخر فسر الكتاب بأنه “اللوح المحفوظ”، وفي الحالتين فإن المقصود هو أن هذا الأمر مقدر من الله تعالى، ولا يقتصر الإفساد على إشعال الحروب فقط، فقد نرى إفساد اليهود في الأرض في أوجه كثيرة أخرى مثل نشر الربا والزنا والقوانين الباطلة، وقد أجمع المفسرون القدماء على أن الافسادين حصلوا سابقا قبل الإسلام، فقد هلكت مملكة اليهود عدة مرات في عصور قبل الميلاد، وأكبر هزيمة لحقت بهم كانت على يد “بختنصر” عام 586 قبل الميلاد الذي دمر دولتهم وحرقهم وسبى منهم الآلاف إلى بابل وجعلهم عبيدا، كما نكل الرومان باليهود ومنعوهم من دخول القدس 200 عام،  ولكن لم يكن يعلم المفسرون القدماء أن اليهود سيكون لهم دولة في العصر الحديث مثل “دولة إسرائيل”، فربما كان ذلك مؤثرا على تفسيرهم للآيات.

إفساد اليهود
سورة الإسراء

أغلب التفسيرات الحديثة كانت تميل إلى أن الإفساد الأول قد حدث قبل الإسلام، والإفساد الثاني هو ما نحن فيه الآن من دولة إسرائيل، وأن الله سبحانه وتعالى وعدنا في الآيات كمسلمين بالنصر عليهم، ولكن هناك تفاسير خالفت تلك التفسيرات سنعرض أبرزها:

  • ذهب البعض بوصف الحرب الإسرائيلية على فلسطين الآن بالإفساد الأول، وأن عباد لنا أولو بأس شديد، قد يقصد بهما المقاومة الفلسطينية وكل من يشارك ويساند في المقاومة، فقد يكون ما يقومون به من عمليات داخل الأراضي المحتلة، هو المقصود ب”جاسوا خلال الديار” حتى يقضي الله بوعده “وكان وعدا مفعولا”، ربما النصر المطلق أو حل الدولتين.
  • أما فضيلة الشيخ الشعراوي والذي رحل عن عالمنا قبل الحرب على غزة، قد خالف هذه التفاسير بأنه رأى أن الإفساد الأول لم يحدث قبل الإسلام، وأن المرحلتين يتحدثان عن صراعا بين المسلمين واليهود، وأن المقصود ب “عبادا لنا” هم المسلمون، وبحسب ما يعتقد شيخنا الجليل أن الإفساد الأول كان عام 48 عند إنشاء الدولة الإسرائيلية، وأن المسلمين تصدوا فجاسوا خلال الديار ووقفوا للاحتلال عندئذ، وبعد ذلك زادت إسرائيل قوة وسيطرة وامتلكت العدد الأكبر من الحلفاء (أكثر نفيرا)، وأننا الآن في مرحلة الإفساد الثاني، وأن الله يقصد نصر المسلمين عندما وجه حديثه لليهود وقال سبحانه “ليسؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا” أي أن المسلمين سينتصرون ويهدمون ما علا اليهود من البنيان، كما سيدخل المسلمون المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة في عصر الصحابي “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه، ولكن لن يحدث ذلك كما قال الشيخ الشعراوي إلا بالعودة إلى الله حتى ينطبق علينا الوصف القرآني “عباد لنا”، ونكون عبادا لله أي عابدين له بحق عبادته.

  • أما الشيخ الموريتاني الشهير “محمد الحسن الددو” قدم نظرة فريدة مختلفة لتفسير الآيات، حيث قال أن الإفساد الأول لبني إسرائيل كان قبل الإسلام، وقد بعث الله عليهم الروم والفرس وهم المقصودون بـ عباد لنا أولوا بأس شديد، وقد هزموا اليهود، ثم قال الشيخ أن الله يوجه الكلام للمسلمين بقوله “رددنا لكم الكرة عليهم” والمقصود ب عليهم أي على الروم والفرس وليس على اليهود، فقد هزم المسلمون الروم والفرس، وأن المقصود أيضا  في الآية الكريمة “وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا” هم المسلمون في عصور ازدهار الخلافة، ثم بحسب ما يظن الشيخ الددو أن الموجه بالآية الكريمة “إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها” هم المسلمون، وأن الله يقصد أن تخلى المسلمون عن دينهم وفريضة الجهاد سيمكن منهم اليهود، حيث أن الشيخ يفسر “ليسؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة” أن هذا الفعل سيقوم به اليهود عقوبة الله للمسلمين إذا تركوا دينهم وغفلوا عنه، ثم “عسى ربكم أن يرحمكم” وذلك إذا رجعنا إلى الإيمان.
  • ورغم اختلاف التفاسير للآيات الكريمة، فإن هناك شبه إجماع للمفسرين على أن التقوى والرجوع إلى الله والإيمان هو طريق المسلمين للنصر، وكما  أكد الله تعالى في محكم كتابه “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”.الافساد الأول والثاني لبني إسرائيل

قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2025 لشركة نجوم مصرية®،جميع الحقوق محفوظة.