حكايات وأساطير للأطفال: “حكاية الفانوس السحري”

كان سُليمان رجلاََ فقيراََ ولكنه كان أميناََ وشريفاََ وكان يحب زوجته زينب وابنه هشام حباََ جماََ.

mde

كان سليمان يعمل حمالاََ فيذهب صباح كل يوم إلى الميناء ويحمل البضائع إلى سيارات الشحن ثم يعود إلى منزله مُنهكاََ فتقابله زوجته بابتسامة حلوة طيبة تنسيه ما لقيه في يومه من تعب، ويسرع ابنه هشام ليقبله، بينما تسرع زوجته زينب لإعداد الطعام.

كانت النقود التي يربحها سليمان من عمله قليلة ولكنها كانت تكفيه وتسد طلبات الأسرة المتواضعة.

وفي أحد الأيام بينما كان سليمان يحمل صندوقاََ كبيراََ على ظهره وطئ بقدمه قشرة موز ألقى بها أحد المهملين، فزلت قدم سليمان وسقط على الأرض ومن فوقه الصندوق الثقيل.

أصيبت ساق سليمان إصابة شديدة، وعجز عن النهوض أو الوقوف على قدميه.

وأسرع الناس إليه، ثم استدعوا له الإسعاف، فاتضح أنه أصيب بشرخ في عظم ركبتيه.

وعلى الرغم من الآلام الشديدة التي كان يشعر بها سليمان، إلا أن كل تفكيره منصرفاََ إلى زوجته زينب وابنه هشام فليس لهما أحد في الدنيا سواه.

ماذا يفعلان؟

ماذا يأكلان غداََ أو بعد غد لأنه سيعجز عن الذهاب إلى الميناء حتى تشفى ساقه.

ومن يدري متى تشفى؟

وأخذه رجال الإسعاف إلى المستشفى وقاموا بعمل الإسعافات اللازمة له، ونبهوا عليه بعدم التحرك  من فراشه حتى يلتئم  الشرخ الذي أصيب به في ركبتيه، ولما علموا مبلغ فقره وأنه لا يملك من النقود ما يكفي لكي يستأجر سيارة يذهب بها إلى كوخه المتواضع، نقلوه بسيارة الإسعاف إلى ذلك الكوخ.

كانت الصدمة شديدة على زوجته زينب حين رأت سيارة الإسعاف تقف أمام الكوخ وزوجها يهبط منها محمولاََ على محفة  يحملها رجلان.

اشتد المرض على زينب، فقد كانت بطبيعتها ضعيفة البنية، ولكنها تجلدت لكي تقوم بخدمة زوجها.

ومرت الأيام ونفذ ما كان لديهما من طعام فلم يبق في الكوخ رغيف خبز واحد.

استيقظ الطفل هشام في صباح أحد الأيام فسمع والده يدعو الله ويقول:

_ يا رب، اشفني وارزقني لا من أجل نفسي، ولكن من أجل ابني الصغير هشام وزوجتي زينب، أنا يا ربي لا أريد لنفسي شيئاََ.

سمع الطفل هشام هذا الدعاء من والده فتأثر كثيراََ وامتلأت عيناه بالدموع، ثم قال:

_ يا ربي، ارزقني لا من أجلي ولكن من أجل أبي الرحيم واكتب الشفاء يا ربي لأمي المريضة الحبيبة.

سمع سليمان ابنه وهو يقول الدعاء، فناداه وأخذه بين ذراعيه وقبله.

كان هشام يشعر بالجوع الشديد، ولكنه حين ذهب إلى سلة الخبز لم يجد فيها شيئاََ.

لم يقل هشام شيئاََ، ولكن أباه أدرك أنه جوعان، كما كانت أمه المريضة تراقبه وقلبها يكاد يتقطع من الحزن.

وقال سليمان لابنه وهو يشير إلى بعض ملابسه الموضوعة على أحد المقاعد:

_ خذ يا هشام ملابسي هذه واذهب بها إلى سوق الملابس القديمة وبعها بأي ثمن، واشتر لنا خبزاََ وشيئاََ نأكله.

وقالت زينب في صوت واهن:

_ خذ ملابس أنا الأخرى يا هشام.

خرج هشام يحمل بعض الملابس القديمة ليبيعها، ولكنه حين ذهب بها إلى سوق الملابس القديمة لم يجد إنساناََ يشتريها حتى ولو بأقل ثمن.

كان السوق بعيداََ فشعر هشام بالتعب الشديد، وهو في طريق عودته إلى كوخ والده.

كان الطفل الصغير لم يتناول طعاماََ، وكان منهك القوى فجلس إلى جوار جدار ووضع الملابس القديمة على الأرض.

وشعر هشام برغبة في أن ينام ولو قليلاََ ولكنه كان يقاوم هذه الرغبة.

كان هشام يفكر في حالة أبيه وحالة أمه وما سوف يصيبها من حزن إذا علما أنه لم يجد أحداََ يشتري منه تلك الملابس.

ورفع هشام وجهه إلى السماء وقال:

_ يا ربي إني جوعان وأنت يا ربي تعلم حال أمي وأبي، ارزقني من أجلهما يا رب.

ومر أمام هشام رجل له لحية طويلة بيضاء ويحمل في يده اليمنى سلة، ويضع يده اليسرى في جيبه وحين مر أمام هشام أخرج يده اليسرى من جيبه فسقطت من الجيب رزمة كبيرة من الأوراق المالية.

لم ينتبه الرجل إليها ومضى في طريقه، رأى هشام الأوراق المالية، فالتقطها وتذكر أن أباه وأمه في أشد الحاجه إلى طعام.

ولكنه تذكر ما يقوله أبوه دائماََ عن الشرف والأمانة فهب واقفاََ، وأخذ رزمة الأوراق المالية وأسرع في أثر العجوز وقال له:

_ لقد سقطت منك هذه الرزمة يا سيدي.

ابتسم الرجل له وقال:

_ إنك طفل أمين، إذا أعطيتك هذا المبلغ جزاء أمانتك، فماذا تفعل به؟

قال هشام:

_ سأعطيه فوراََ لأبي فهو عاطل عن العمل بعد إصابة ساقه، ولكي يحضر طبيباََ يعالج أمي فهي في شدة المرض.

ومر الشيخ بيده في رفق على شعر هشام وقال له:

_ إنك ابن بار، خذ هذا المبلغ بأكمله، خذ أيضاََ هذا الفانوس، لقد أردت اختبار أمانتك فأسقطت عمداََ هذا المبلغ، واتضح لي أنك تستحق كل خير.

وأخرج الرجل من سلته فانوساََ على شكل قارب صغير مصنوعاََ من الذهب الخالص، وعليه زخارف جميلة، ثم قال لهشام:

_ أتعرف ما اسم هذا الفانوس؟

قال هشام:

_ كلا.

قال الرجل:

_ إنه فانوس علاء الدين.

ونظر هشام في تعجب إلى الفانوس وقال للرجل:

_ أهذا حقاََ فانوس علاء الدين! لقد سمعت قصته من والدي.

قال الرجل:

_ حسناََ، افتح بيدك غطاء الفانوس سيخرج لك منه عمود ضخم من الدخان، فلا تخف، وانتظر حتى يزول الدخان ويحل محله مارد كبير سينحني أمامك ويقول لك:

_ شبيك! لبيك! كل ما تطلب بين يديك.

فاطلب منه أي شيء، اطلب ما تريده كله، لأنه لن يظهر لك إلا مرة واحدة وبعد أن ينفذ طلباتك سيعود المارد إلى الفانوس وبمجرد عودته يصبح الفانوس تراباََ.

وفعل هشام مثل ما قال الشيخ الكبير، وخرج من الفانوس عمود الدخان الذي ما لبث أن تحول إلى مارد عظيم انحنى أمام هشام وقال له:

_ شبيك! لبيك! كل ما تطلب بين يديك.

وارتبك هشام ارتباكاََ شديداََ.

كان كل تفكيره منصرفاََ إلى أمه وأبيه فقال:

_ أطلب شفاء أمي الحبيبة وشفاء أبي حتى يعود إلى عمله.

وسأله المارد:

_ أتطلب شيئاََ آخر؟

قال هشام:

_ كلا، كل ما يهمني أبي وأمي، هل يمكنك شفاؤهما؟

قال المارد:

_ سيشفيان بإذن الله تعالى.

وعاد المارد إلى الفانوس وإذا بالفانوس يصبح تراباََ ويختفي في الأرض.

وتعجب هشام! ثم انتبه إلى رزمة النقود التي أعطاها له الرجل العجوز فوجدها ما زالت معه، ووجد ملابس أمه وأبيه القديمة ما زالت على الأرض فأخذها وعاد إلى كوخ أبيه.

ما كاد هشام يصل الكوخ حتى أسرع إلى والده وقدم له رزمة الأوراق المالية وقص عليهما حدث.

وسمعته أمه فابتسمت وقالت:

_ لقد شعرت فعلاََ بتحسن مفاجئ في صحتي.

وقال الأب:

_ إنني أشعر وكأن ركبتي شفيت إن الله قادر على كل شيء.

وقال هشام:

_ لا أدري يا والدي إن كان ما حدث حلماََ أم حقيقة.

فقد كان النوم يغلبني قبل مرور ذلك الرجل الطيب العجوز، المهم أن الله تعالى استجاب لدعواتي.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد