كان سكان الغابة الجميلة يتوقعون ذلك.
قال السنجاب:
_ طالما نبهتكم لذلك، فنصفها قد أصبح منخورا، بل هي منخورة من أسفلها إلى أعلاها، ومن المستبعد أن تستمر طويلا.
وأردفت الطنانات:
_ نعم أنت محق فيما تقول.
_ هل تعرفون كم هو سِنُّها ؟ مئتان أو ثلاثمائة، بل ربما ألف سنة،
إنها أقدم شجرة في الغابة، وقد تسقط بين الحين والآخر !
كان سكان الغابة الجميلة في هذه الآونة يشاهدون بأسى وحسرة شجرة البلوط الشامخة التي نسلت منها أوراقها ولم تعد تعطي ثمرها اللذيذ…. وذات ليلة هبت عاصفة هوجاء فإذا بهم يسمعون صوتا عنيفا……
وفي اليوم الموالي استيقظوا باكرا وتوجهوا إلى مكان الشجرة فوجدوها ساقطة.
فقال القنفذ متنهدا:
_ كانت ثمارها لذيذة الطعم.
وأردف الشحرور:
_ّ كم كان يروق لي الاختفاء بين أوراقها وأغصانها !
و أضافت الفارات الشقيقات دفعة واحدة:
_ إنه مؤسف حقا أن شجرة البلوط لم تعد الآن صالحة لأي شيء !
وفي هذه اللحظة عدّل القندس وصاح قائلا:
_ كفاكم لغطا ! من قال لكم إنها لم تعد صالحة لشيء ؟
افسحوا الطريق من فضلكم، فسأقوم ببعض القياسات !
أخذ القندس ورقة ومترا وقلم رصاص، ثم أخذ يتردد على طرفي الشجرة جيئة و ذهابا وهو يفكر، وفجأة بدأ يشرح للآخرين:
_ إذا نحتنا قليلا هنا ، ووضعنا بعض الجدران الخشبية وفتحنا أبوبا..فإننا سنحصل على جحر جميل ! ماذا أقول، جحر ؟ سنحصل على عمارة مشتركة رائعة !
وبعد فترة من الصمت همست السلحفاة:
_ الفكرة جيدة بالتأكيد، لكن من يستطيع إنجاز هذا العمل ؟
الطيور النقارة بكل بساطة.
وسرعان ما تم الاتفاق، مقابل قدح من العسل، ستنحت الطيور النقارة جذع الشجرة بمناقرها الصلبة، وذلك تبعا لتعليمات القندس، وماهي إلا هنية حتى بدأت النوافذ والأبواب تتشكل، فيما كان القنفذ والفأرة والغرير يضعون الجدران الخشبية للفصل بين الغرف، ويهيئون الأقفال، وفي غضون أيام قليلة تحول جذع الشجرة إلى …..نعم ! إلى عمارة جماعية تتألف من خمس شقق. أما الفارات الشقيقات فقد تكلفن بمهمة الكنس والتنظيف ونفض الغبار، وبعد ذلك انتقلن إلى تعليق ستائر النوافذ، والزرابي لتزيين الجدران، فيما قامت الضفدعة بصباغة الأبواب وتركيبها، ولم يبق إلا مكان نشر الغسيل الذي سرعان ما أقيم في السطح، إنه حقا منزل فريد لم يسبق للغابة الجميلة أن شهدت مثله.
والآن، بدأ أفراد العائلة الكبيرة يستعدون للدخول إلى محل إقامتهم الجديد، الشقة الأولى للفأر الأبيض، والثانية للقنافذ، والثالثة للفأر الأسود الذي بادر إلى وضع الساعة الحائطية القديمة التي ورثها عن زوجته الأولى، في واجهة غرفة الضيوف، والشقة الرابعة للجرادة، ثم الشقة الخامسة التي كان من المفروض أن يستقل فيها الخُلدُ لكن…….
فقال القندس غاضبا:
_ كيف ؟ ألا تروقك هذه الشقة ؟
_ ليس هذا هو المشكل، ولكنك تعلم أنني أحب حفر السراديب والاطلال برأسي من حين لآخر، فكيف لي أن أحفر ولو سردابا واحدا في هذه العمارة؟ إنني لو فعلت سأجد نفسي فجأة في شقة الفأر الأسود!
قال القندس:
_ هذا ما لا ينبغي أن يحصل بالطبع! لذلك ستقطن في قبو العمارة حيث يمكنك أن تحفر ما تشاء من السراديب!
صاح الخُلد:
_ فكرة رائعة!
ثم انهمك في ترتيب بيته على الفور ونقل الأثاث إليه، ولم ينته إلا بحلول المساء وقد بلغ الاعياء منه مبلغه، لكنه كان فرحا ومسرورا، أما سكان العمارة فكانوا قد استقروا في غرفهم من قبل ، وكانوا يشاهدونه عبر النوافذ.
فهمس أحدهم:
_ من الأفضل أن ينام في القبو ! أتسمعون قوة غطيطه ! لو قطن في الشقة الخامسة لأيقظنا جميعا!
وهكذا رغم سقوط شجرة البلوط فإنها ظلت تُشكل جُزءا لا يتجزأ من الغابة الجميلة.