قصص جميلة للأطفال قبل النوم: “قصة الطائر الأكول”

ذات مشرق من شهر مايو، وبينما كان سكان الغابة الجميلة يتناولون فطورهم، إذ سمعوا في الخارج صوت أجنحة ترف وزقزقة تتعالى من كل مكان، فعرفوا فورا بمن يتعلق الأمر.

_ إنها طيور السمان قد عادت!

فبعد  أن قضت فصل الشتاء في مناطق  نائية بحثا عن الدفء، ها هي تعود إلى الغابة الجميلة للقاء الأحباب وتحية الأصدقاء والعيش بين أحضانهم طوال الصيف.

وفور تبادل السلام والعناق في جو من المرح والغبطة، طارت طيور السمان تبتغي أعشاشها القديمة لتحط فيها الرحال، ولتستأنف بعد سفر طويل بحثها عن أكلتها المفضلة.

إلا أن طائرا من عشيرة السمان لا يرغب في تناول الحبوب، بل يفضل عليها ما لذ وطاب من الحلوى والفطائر، ولاسيما تلك التي تحضرها الفارات الشقيقات.

ويتعلق الأمر بطائر يدعى بلُوف، إنه كبير الحجم لدرجة أنه يحدث بلُوف عندما يحط على الأرض، خلافا للصوت الهادئ الذي يحدثه رفاقه، بل لفرط ثقله يسقط أحيانا في الغدير بدلا من الشجرة التي يود النزول عليها، وهذا ما يدعو رفاقه إلى البقاء بجانبه ليساعدوه متى دعت الضرورة لذلك.

فذات مرة سقط في عمق الغدير دون أن يقوى على العموم، ولم يستطع الرفاق أن يجروه إلى ضفة الغدير إلا بشق الأنفس، أما هو فكادت أنفاسه تفلت منه لولا الإسعاف السريع الذي تلقاه من طبيب الغابة.

ورغم حبه المفرط للأكل، فبلوف طائر مهذب الأخلاق، حسن الطبع، ذو قدرة كبيرة على استمالة المستمعين عندما يحكي عن أسفاره إلى البلدان، وتردده على الأوطان، وتعرضه إلى المصاعب والمخاطر.

ففي إحدى الأمسيات جلس يحكي لسكان الغابة الجميلة مغامراته

وقال لهم:

_كنت في إفريقيا في فصل من فصول الصيف، وبينما أنا جالس على أحد فروع الأشجار إذ شاهدت قناصا يصوب بندقيته نحوي، فخفضت رأسي على الفور، ومر الرصاص محاذيا أذني، ومن شدة الخوف انخفضت أكثر وانكمشت على نفسي فإذا بي أرى فم ثعبان مفتوحا يتربص للانقضاض علي!

وعندما قمت هلعا لا أدري ماذا أصنع والثعبان يزحف ويقترب مني لكي لا أفلت منه دَوَّت طلقة البندقية نحوي مرة أخرى شيء لا يصدق!

بدلا من اصطياد السمان المسكين، كان القناص قد قتل الثعبان اللعين!

وكان رائعا أن تستمع للطائر وهو يروي أقاصيصه البريئة، ولهذا فإن جميع سكان الغابة الجميلة ظلوا يتنافسون على دعوته لتناول المأكولات اللذيذة، فزاد حجمه، وعندما أشرف الصيف على نهايته وأطلت علامات الخريف أخذت طيور السمان تتأهب للرحيل، إلا أن ثقل وزن بلوف لم يساعده على الطيران.

فهو يبسط جناحيه، يرف بهما، يرتفع عن الأرض قليلا ثم بلوف! يهوي على الأرض ببطنه الكبير!

ما العمل إذن؟ إذا كان تأخير السفر غير ممكن نظرا للعواصف الهوجاء التي ستجتاح الغابة عما قريب، فهل تتخلى طيور السمان عن بلوف؟

هذا أيضا مستحيل.

بدأ الكل يفكر في هذا المشكل، وفجأة قام الفأر الأسود من مكانه ليقترح شيئا:

_لدي فكرة! أتذكر أنني شاهدت في يوم ما طيارة ورق تنزل في المرج القريب من بيتي، كم كانت جميلة وهي تحلق! وقد وضعت رسما أوليا لنموذجها.

انتظروني هنا سآتي به بسرعة!

وما هي إلا ثوان، وبينما أخذت بعض الطيور تنتفض بأجنحتها استعدادا للرحيل، حتى عاد الفأر الأسود، وسرعان ما فهم سكان الغابة الجميلة قصد صديقهم، فانهمكوا في العمل يجمعون هنا ويلصقون هناك، يقطعون من أعلى وينقصون من أسفل، وبفضل مشاركة الجميع، لا سيما مشاركة النمل والطنانات، أنجزت طيارة جميلة.

فسأل بلوف خائفا:

_ مادا ستفعلون بها؟

_ سنشدك إليها حتى تتمكن أخواتك السمان من نقلك إلى الغابة الافريقية.

_ إنني خائف! فما سبق لي أن ركبت في مثل هذه الطيارة!

_ طيب! ولكنك تعلم أن فصل الزمهرير قادم ولن تستطيع البقاء هنا، ولكي تستعيد قدرتك على الطيران عليك أن تصوم على الأقل أسبوعا!

فصاح بلوف:

_ كيف! أنقطع عن الأكل أسبوعا!؟ مستحيل!

وفي الأخير رضى بالأمر الواقع، وشده أصدقاؤه إلى الطيارة.

كان الإقلاع صعبا في الوهلة الأولى، لكنه تحقق بفضل جهود الطنانات ومساعدة الريح، وارتفع بلوف في الفضاء فيما جرت أخواته خيوط الطيارة.

صاح بلوف في سكان الغابة الجميلة:

_ إلى اللقاء، وشكرا! سنلتقي في العام المقبل إن شاء الله لتناول ما لذ وطاب من الفطائر والحلوى!

أخذ سرب السمان يبتعد شيئا فشيئا، وما هي إلا لحظات حتى أصبحت الطيارة تبدو كنقطة صغيرة في السماء.

تنهدت  الفارات الشقيقات:

_ مسكين بلوف! هل سيصل سالما إلى إفريقيا؟

ورد عليهن القندس:

_ نعم، سيصل سالما، إن شاء الله، وسيخصص له سكان إفريقيا احتفالا رائعا! لكنهم إذا لم يصنعوا له أيضا طيارة للعودة، فإننا ل نراه بعد اليوم أبدا!



تابع نجوم مصرية على أخبار جوجل

عرض التعليقات (1)
أحدث المقالات