هل وسائل التواصل الاجتماعي تولّد القلق؟

تسهّل وسائل التواصل الاجتماعي التواصل بين الناس في جميع أنحاء العالم. كما توفر للجمهور مزايا متعددة في حياتهم الشخصية، وتحاول تلبية احتياجات أعمالهم. لكن يمكن لهذا الاتصال الافتراضي المستمر أن يساهم في تطوير نوع خاص جداً من الإدمان ينشأ نتيجة الاستخدام المفرط له. وكما يحدث دائماً مع أي حداثة تكنولوجية، فإن استخدامه غير المناسب هو ما يولد نوعاً جديداً من المشاكل ذات الطبيعة الاجتماعية والنفسية. فهل تولّد وسائل التواصل الاجتماعي القلق؟

القلق الرقمي

وسائل التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالاضطرابات النفسية

مقدمة موجزة جداً

اعتاد الناس في عصرنا الحالي على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة أنهم نسوا التأثير الكبير لهذه الوسائل على حياتهم اليومية كمجتمع. حيث تلعب دوراً مهماً للغاية في العلاقات الشخصية والعملية والأكاديمية والتجارية وحتى في العلاقات العاطفية. بينما يمكن للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي أن يولد استجابات عاطفية مختلفة مثل الحزن والتوتر وقبل كل شيء القلق.

إن من أهم سمات استخدام هذه التكنولوجيا أنها تجعل مستخدميه مدمنين على أمور اجتماعية معينة حديثة جداً. وهذا يعني الحاجة إلى النشر عليها باستمرار، وهي تعزز بدورها التفاعلات والتعليقات وإمكانية إضافة متابعين جدد. ومن هذا المنطلق فإنها توفر إشباعاً معيناً على مستوى الدماغ، وهو في الأساس إحساس ممتع عابر. ولكي نكون أكثر تحديداً يمكننا القول إن هذا الإشباع يرتبط بآلية المكافأة في الدماغ التي تؤثر على إنتاج هرمونات مثل الدوبامين. وبالتالي يبدأ كل فرد على مستويات مختلفة في التعلق بها أو إدمانها أو الهوس بها، وسيكون لها أيضاً تداعيات مختلفة على الصحة العقلية.

علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالصحة النفسية

علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالقلق
القلق الرقمي

وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن منصات تسمح لكل شخص بإنشاء ملف تعريف مستخدم شخصي، وربما تكون هذه المعلومات المضافة حقيقية أو مزيفة. وبهذه الطريقة يمكن للمستخدمين مشاركة أكبر قدر من المعلومات مع بعضهم البعض. ومن الأمثلة على هذا النوع من المشاركة الآراء والاهتمامات والأذواق المعينة، وبالتالي يمكنهم الاندماج في مجتمعات افتراضي والتفاعل مع الأشخاص ذوي الميول المماثلة.

هذه الشبكات الاجتماعية هي مجرد آلية جديدة أنشأها البشر أنفسهم لتسهيل اتصالاتهم. فكل اختراع تقني له غرض خاص مختلف، ولكن على المستوى العام، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي هي منصات يستطيع الناس من خلالها أن يعبروا عن أنفسهم بحرية.

تخبرنا الفلسفة أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، لذا بإمكانه التكيف مع الأوضاع المحيطة بها أياً كانت. ومن ذلك جاء تكيفه مع هذه التكنولوجيا الجديدة والتي كان لها تأثير أكبر مما كان يُفترض في البداية. فمنذ التسعينيات، بدأ الناس يسمعون عن تقنية جديدة تسمى الإنترنت. هذه التقنية تسهل التواصل بين الأشخاص في أجزاء مختلفة من العالم من خلال أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم.

ومن خلال هذه التكنولوجيا نفسها، بدأ إنشاء أنظمة وبرامج جديدة تعتمد على استخدامها. وقد تم تطوير المنصات في النهاية والتي سيكون لها أغراض محددة، مما يعني أن الناس بدأوا في التفاعل مع بعضهم البعض لغرض اجتماعي بحت. هذه المنصات مثل Facebook أو Tumblr ليست سوى بعض الأمثلة الأولية التي سبقت المزيد من المنصات الحالية مثل Twitter وInstagram على سبيل المثال.

تتطور التكنولوجيا بصورة مستمرة وبوتيرة سريعة ويتم باستمرار إنشاء تطبيقات وبرامج جديدة تدمج وظائف جديدة، بعضها أكثر جاذبية لقطاعات معينة من السكان. ووفقاً للإحصاءات، فإن الأطفال والمراهقين والشباب هم أكثر من يستهلك هذا النوع من المنتجات. لكن يُعتقد أيضاً أن هذه المجموعة من الناس أكثر عرضة للخضوع للآثار السلبية لاستخدامها غير المناسب.

هل وسائل التواصل الاجتماعي تولّد القلق لدى الأطفال؟

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال
علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالصحة النفسية للأطفال

بشكل عام، لا يتمتع الأطفال عادةً بسهولة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي لأن والديهم يضعون حدوداً. ومع ذلك، لوحظت زيادة في حالات القاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و15 سنة، ويمثل هذا القطاع الأفراد الذين بدأوا في أن يكونوا جزءاً من هذه المجتمعات الافتراضية. لكن ليس لديهم دائماً إشراف كافٍ من الكبار لتنظيم استخدامها، وهو ما يمثل خطراً عليهم.

يتضح تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في فئة الأطفال والمراهقين والشباب في الإحصائيات نفسها. فعن طريق التحقق مثلاً من حالات التنمر عبر الإنترنت، يمكن ملاحظة أن هذه المنصات تُستخدم لأغراض سلبية، وهذا بدوره مؤشر واضح على الحاجة إلى مزيد من الموارد للمراقبة والتنظيم.

في مراحل تطور الإنسان، تعتبر المراهقة في حد ذاتها وقتاً حاسماً. فخلال تلك المرحلة يتعلم الشخص دروس الحياة المختلفة، والتي ترتبط بدورها بالممارسات الاجتماعية التي من شأنها تسهيل تفاعله مع الآخرين. وبهذه الطريقة سيكون قادراً على أن يصبح كائن مستقل وقادر على بناء العلاقات الأسرية وأيضاً تشكيل هويته الخاصة.

هذا هو السبب في أن التفاعل الاجتماعي بين المراهقين والشباب يتأثر بشدة بما يحدث داخل هذه الشبكات اليوم. إنه اتصال رقمي بشكل أساسي، وهو نفس الاتصال الذي أزاح التفاعل الشخصي وجهاً لوجه. ووفقاً لخبراء علم النفس، فإن أولئك الذين يصبحون مدمنين على استخدام هذه التقنيات يفعلون ذلك عادةً لمواجهة الشعور بالوحدة والحزن والإقصاء والرفض الاجتماعي. إنها نافذة مفتوحة على العالم الخارجي توفر لهم بعض الرضا من خلال القدرة على التفاعل مع الأشخاص الذين لن يكونوا قادرين على مقابلتهم.

من هذا المنطلق تنشأ ما يسمى بمتلازمة فومو (الخوف من فوات الشيء). فلا يفهم الناس دائماً ما هو الاستخدام الأنسب لهذه التقنيات، وفي النهاية يطورون حاجة اندفاعية لاستشارة هذه الشبكات باستمرار. إنهم يخشون عدم معرفة كل ما يحدث في الوقت الفعلي، كما أنهم ينشئون روابط عاطفية مع أصدقاء افتراضيين لا يمكنهم التحقق من هويتهم.

إننا نسمع الكثير عن شخصيات مشهورة ومؤثرة لها الكثير من الجمهور المتابع لها. تبدأ هذه الشخصيات المشهورة في تقديم النصائح لجمهورها، على الرغم من إمكانية أن تكون هذه النصائح محض هراء. إلا أن المعجبين بهم يسعون دائماً إلى العمل بهذه النصائح، ومع تقدم الوقت يبدأ الجمهور في صناعة أصنام لهذه الشخصيات، وبالتالي، يمكن أن يعاني أتباعهم من اضطرابات عاطفية بسبب الضغط الناتج عن عدم قدرتهم على أن يكونوا مثل أصنامهم.

يعيش الناس في حالة فرط نشاط مستمر، وهذا يعني أن أي تغيير في شبكاتهم سيولد القلق. هذا هو السبب في أنه من الشائع جداً ملاحظة التغييرات في الشخصية والسلوك، على المستوى السلوكي المعرفي، سيقومون بإجراء تحول يهدف إلى أن يكونوا قادرين على العيش وإرضاء أولئك الذين يشكلون المجتمع الافتراضي الذي تم دمجهم فيه. إن السعادة والقبول هو هدفهم الوحيد، ولهذا السبب يلعبون دوراً نفسياً أساسياً في الإدارة العاطفية لهؤلاء الأفراد.

هل وسائل التواصل الاجتماعي تولّد القلق لدى البالغين؟

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على البالغين
الصحة النفسية للبالغين وعلاقتها بالشبكات الاجتماعية

في حالة البالغين، لا تتغير الجوانب المذكورة أعلاه بشكل جذري. فلا تزال نفس المشاكل قائمة ولكن يتم استقراءها في مجالات أخرى من الحياة الشخصية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الشخصية وعلاقات العمل. حيث تتعرض خصوصية كل فرد للتهديد بسبب استخدام المعلومات الشخصية بطريقة غير أخلاقية.

وبالمثل، يكون بعض الأفراد أكثر حساسية لإنشاء صداقات افتراضية والتي ترتبط بالعلاقات السامة. ومن الأمثلة على هذا النوع الصور النرجسية والتعليقات المضايقة والاستعراض واضطرابات الأكل وحتى مشاكل احترام الذات. وفي النهاية يواجه الناس القليل من التسامح تجاه الإحباط الناتج عن الفشل في التوافق مع نموذج اجتماعي أو جمالي معين.

نلاحظ الكثير من أنماط السلوك المرضية لدى العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من البالغين. فهناك من يبدأ في كتابة منشورات تعبر عن غرورهم بشكل واضح، في محاولة لترك انطباع أفضل لدى الآخرين. إنهم يخلقون واقعاً زائفاً سيؤدي في النهاية إلى تداعيات سلبية على احترام الذات. إنه دليل واضح على قلة الثقة بالنفس، كل هذا ينشأ لأنهم يقارنون مع أناس آخرين وحياة أخرى.

أما البالغون الذين يصابون منذ سن مبكرة بنوع من الاضطرابات النفسية المرتبطة باستخدام هذه الشبكات فهم في خطر أكبر. فمن المحتمل جداً أن يعاني هؤلاء الأفراد من قصور في مهاراتهم الاجتماعية ومشاكل التواصل. وفي هذه الحالات بالذات، هناك ميل أكبر للإصابة باضطراب اكتئابي كنتيجة لذلك.

من ناحية أخرى، فإن عدم الرضا الشخصي الحقيقي لكل شخص معرض للخطر أيضاً، وسيحاول التعويض عنه من خلال العالم الافتراضي، ومن ثم تبدأ أنواع من الاضطرابات في الظهور مثل الإدمان والاضطرابات التكنولوجية بشتى أنواعها.

اقتراحات لتجنب الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي

هذه قضية يمكن تناولها من زوايا مختلفة. أولاً ينصح معظم الخبراء بقصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على 20 إلى 30 دقيقة فقط في اليوم. بينما يعد تنظيم الوقت أمراً مهماً للغاية لتجنب الآثار السلبية على المستوى العقلي، كما أنه يوفر فرصة أكبر لامتلاك عادات مرتبطة بنمط حياة أكثر إيجابية.

تدرك بعض هذه المنصات المشكلة التي يمكن أن تولدها لدى أفراد معينين. ولهذا السبب لديهم وظائف متكاملة تحتوي على تنبيهات تساعد في إخطارنا عندما نقضي وقتاً طويلاً في استخدامها. يُنصح بتنشيط هذه الوظائف المتوفرة على منصات التواصل الاجتماعي، فهي موجودة على سبيل المثال في اليوتيوب والإنستغرام.

من ناحية أخرى، يجب أن يكون آباء القصر والمراهقون دائماً على دراية بما يفعله أبنائهم على منصات التواصل الاجتماعي. والغرض من ذلك هو تحديد حالات الإساءة والمضايقة التي يمكن السيطرة عليها والحد منها في الوقت المناسب.

لا ينبغي أبداً إهمال تخطيط البدائل الترفيهية التي لا ترتبط بالضرورة باستخدام المواد الرقمية. فعلى مستوى الأسرة والمستوى الاجتماعي، يجب تقوية العلاقات الشخصية من خلال التواصل مع أشخاص آخرين يقومون بالأنشطة ذات الصلة مثل الرياضة والأنشطة الترفيهية الأخرى.

القلق الاجتماعي والاكتئاب مشكلة يجب معالجتها من خلال تفعيل الاستخدام المسؤول والواعي لوسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا يمكن التحكم في تأثيرها واستخدامها فقط في الأنشطة المفيدة. إننا جميعاً مسؤولون عن كيف ومتى نستخدم هذه التقنيات لأغراض إيجابية.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد